الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعدما أصبح المشير مستشارا

هانى جرجس عياد

2012 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حسنا، فعلها الرئيس محمد مرسى، وأنهى حالة شاذة من ازدواجية السلطة، بمجموعة من القرارات الموصوفة بأنها «جريئة»، لكن المشكلة أن «مشير مبارك» أصبح «مستشار مرسى»، وكأن الذين هتفوا «يسقط حكم العسكر» كانوا يقصدون تحويلهم إلى مستشارين للسيد الرئيس.
«مشير مبارك» لم يحمل سوى أوسمة ونياشين عسكرية، لا أحد يعرف كيف حصل عليها، لكن يديه لم تكن ملوثة –آنئذ- بدماء شهداء ومصابين، بينما «مستشار مرسى» يحمل الآن قلادة النيل، دون أن يعرف أحد لماذا حصل عليها، ويداه ملوثتان بدماء شهداء الثورة ومصابيها.
قلادة النيل التى منحها الرئيس مرسى للمشير، الذى أصبح مستشارا، تضع حاملها –بروتوكوليا- فى المرتبة الثالثة بعد الرئيس ونائبه، فهل يليق برئيس مصر أن يقف إلى جواره «مستشار» تلوثت يداه بدماء الآلاف من أبناء مصر بين شهيد ومصاب؟
مسئولية المشير الذى أصبح مستشارا، عن كل الدماء التى سالت منذ 11 فبراير، لا تختلف كثيرا ولا قليلا عن مسئولية الرئيس المخلوع عن دماء المصريين خلال الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير، فلم يقل أحد إن مبارك نزل بنفسه إلى الشارع لقتل المتظاهرين، كما لم يتبين للمحكمة أنه أصدر أوامره بإطلاق النار عليهم، لكنه استحق حكم المؤبد لأنه تخلى عن مسئوليته فى حماية المتظاهرين، فهل يختلف الأمر بالنسبة للمشير الذى أصبح مستشارا؟. لو اتفقنا –جدلا- أنه لم يصدر أوامره بدهس المتظاهرين فى ماسبيرو وقتلهم فى موقعتى العباسية الأولى والثانية، وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وسحل وتعرية نساء مصر، فهو تقاعس –بالتأكيد- عن القيام بمسئوليته فى حماية المتظاهرين والمعتصمين، ويستحق –بالتالى- أن يلحق بقائده الأعلى السابق فى سجن طره، لكن المفارقة أنه استحق قلادة النيل، بدلا من المؤبد، والتحق بقائده الأعلى الحالى فى قصر الرئاسة.
لا أعرف على وجه الدقة ما هو شعور المشير الذى أصبح مستشارا وقد نال «الخروج الآمن» فى حماية مرشد الجماعة الخارجة على القانون (أو هكذا يعتقد الطرفان، الحامى والمحمى!!)، ما هو شعوره الآن بعدما أضاع فرصة ذهبية منحها له التاريخ لكتابة اسمه بحروف من نور، ليحصل بعدها على «دخول آمن» لقلوب الجماهير، بدلا من «خروج آمن» فى حماية المرشد، لكننى أكاد أقرأ أسباب تفضل فضيلة المرشد بمنح عساكر مبارك الخروج الأمن وتحويلهم إلى مستشارى مرسى، فالخلاف بين من حاول قتل الثورة ومن تأمر بليل لسرقة جثتها ليس سوى «زوبعة فى فنجان»، (وفقا للمصطلح الذى سكه «الرئيس المؤمن» أنور السادات، والذى هو -ويا للمفارقة- الراعى الرسمى للاثنين معا، تلاميذ حسن البنا وجنرالات حسنى مبارك)، ووقائع عام كامل، منذ خلع المخلوع، شاهدة على ذلك. وأخشى أن البلاغات التى يمكن أن تتهم المشير بالتقاعس عن أداء مسئولياته، قد تطال أيضا من أسبغ عليه الحماية.
القراءة الأولية لتشكيل حكومة مرسى الأولى، وتعيين رؤساء تحرير الصحف «القومية» بمعرفة «مجلس الشورى» (الذى يفترض أنه مؤسسة أخرى غير مجلس شورى الإخوان)، تكشف عن حالة من «التضفير» بين فلول مبارك والإخوان، وبما يعنى أن وجود «المشير والفريق» بين مستشارى الرئيس (وقد سبقهم إلى المنصب كمال الجنزورى)، ليست حالة شاذة أو استثنائية، بل انعكاس أمين لحقيقة أن الإخوان أنفسهم فلول (راجع أرشيف تصريحات ومواقف الإخوان قبل 25 يناير 2011 لتكتشف ذلك بنفسك)!!.
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك بعض المؤشرات الأولى لسياسات الدكتور مرسى، بدءا من تعثر الإفراج عن أسرى ومعتقلى المجلس العسكرى من شباب الثورة، بينما يجرى الإفراج، بقرار رئاسى، عن مجموعة من الإرهابيين والقتلة عشية جريمة سيناء، وفى تزامن أجبر رئاسة الجمهورية على الإسراع لنفى العلاقة بين الحدثين (الإفراج عن المجرمين وجريمة سيناء)، مرورا بالهجمة الديكتاتورية على وسائل الإعلام (أكثر شراسة مما اقترفه صفوت الشريف فى عز جبروته)، والتنكيل بالمعارضين (والله ورجعت أيام حسن عبد الرحمن) وصولا إلى التصريحات اللوذعية للدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء (ترشيد استهلاك الكهرباء بالذوق أحسن لكم!!)، تماما مثلما كان يفعل الرئيس المخلوع (نزيل سجن طره الآن) الذى كان يحمل الشعب مسئولية تفشى الأزمات وتفاقمها، أقول إذا ما أضفنا هذه إلى تلك، لتبين لنا أن شيئا لم ولن يتغير، وأن مشروع النهضة الذى بشرنا به الإخوان يتلخص فى أن على الشعب أن يجمع القمامة بنفسه من الشوارع، ويعمل على ترشيد استهلاك الكهرباء، وبما لا يختلف كثيرا أو قليلا عن مشاريع مبارك الوهمية التى طالما بشرنا بها (مشروع الألف يوم، على سبيل المثال، لمن لم يزل يتذكر)، وأن شعار «نحمل الخير لمصر»، ليس سوى حلقة فى مسلسل شعارات «من أجلك أنت» و«مصر بتتقدم بينا».
حسنا، لقد أنهى الرئيس مرسى حالة ازدواجية السلطة، لكنه لم يُسقط حكم العسكر، بل احتضنهم، فهل تستدعى هذه الخطوة كل هذا التهليل والتأييد؟ ثم ماذا إذا كان السيد الرئيس ومن ورائه مكتب الإرشاد (العكس مكتب الإرشاد ومن ورائه الرئيس، لا فرق) فى سبيله الآن لإعادة إنتاج حكم مبارك فى طبعته الإخوانية؟
ظنى أن تلك هى معركتنا الرئيسية من أجل حماية الثورة واستكمالها وتحقيق أهدافها، وهى معركة يجب بالضرورة أن تأخذ مساراتها وأبعادها وفق الأساليب الديمقراطية، وحق المعارضة الكامل فى التعبير عن رأيها بكل الأشكال والوسائل والطرق المشروعة، اختلافا مع الرئيس وسياساته، ومع جماعة الإخوان المسلمين التى مازالت خارجة على القانون، لكن المأزق الآن يتمثل فيما يبدو من محاولات إخوانية لإغلاق كل منافذ التعبير عن الرأى المخالف أو المعارض، وهو ما يعنى وأد إرهاصات الديمقراطية بعدما استفاد منها الإخوان وقادتهم إلى قصر الرئاسة، وبما يعنى فى أحد تجلياته أن تكون انتخابات 2012 هى أول وأخر انتخابات تشهدها البلاد.
بيد أن المأزق الحقيقى هو مأزق الجماعة الخارجة على القانون، والتى ليس لديها أى مشروع حقيقى قادر على إخراج البلاد من أزماتها ومشاكلها ووضعها على طريق البناء والتقدم، ليس لديها أى تصور لبناء العدالة الاجتماعية، واستعادة الكرامة الإنسانية التى أهدرها نظام مبارك، وتوفير رغيف العيش لملايين الفقراء (شعارات ومطالب يناير)، ليس لدى الإخوان سوى مشروعات خيرت الشاطر وحسن مالك (إعادة إنتاج رديئة لمشروعات أحمد عز) ولا يوجد فى جعبتهم سوى الزكاة والتكافل، ومن المستحيل بناء مجتمع، فضلا عن حل مشاكله وأزماته، على الصدقة والإحسان. ربما كان الاختلاف الوحيد عما كان قبل الثورة أنه لم يعد لدينا جمال مبارك. لذا يبدو طبيعيا أن ينقلب الإخوان على الديمقراطية بعدما استفادوا منها.
لكن الحقيقة المؤكدة أن إرهاب المعارضين لا يجدى نفعا، حتى لو كان باسم الدين، وإغلاق منافذ التعبير، سيعيد إنتاج الثورة فى الشوارع والميادين، هذا هو الدرس الذى يجب على الأخوان فهمه واستيعابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معك الحق
مجدي سعد ( 2012 / 8 / 15 - 20:59 )
معك الحق في كل كلمة

تحليل واضح ومنطقي للغاية وللأسف ستثبت الايام دقته وصوابه

لكن اخشي ما اخشاه ان تتحول المظاهرات والمسيرات المزمعة يوم 24 الجاري الي مجازر متي نزلت مليشيات مرسي والاخوان الي الشارع للتصدي لهذه المظاهرات

المواجهة المحتملة واكاد اقول المؤكدة غير متكافئة علي الاطلاق فكتائب مرسي متمرسة ومدربة منذ سنوات بل وعقود في مصر وباكستان وافغانستان والعراق علي اعمال العنف واستعمال كافة انواع السلاح وخاصة الابيض التي هي به مدججة

لن يكون هناك داعي من وجهة نظرهم لاستعمال اي اسلحة اخري رغم وفرتها لديهم بعد تهريب ترسانة القذافي الي داخل مصر قالبعض منها وجد طريقه الي غزة ولكن الكثير في يد مليشيات الاخوان او لنقل النظام

لكم مظلم هو مآلك يا مصر


2 - المستشار في الجراج
مجدي رفعت ( 2012 / 8 / 16 - 07:29 )
تعيين س او ص مستشارا يعني ادخاله الي الجراج وهذا امر مفهوم ويعرفه الاستاذ هاني تماما وربما اضطر مرسى الى هذا السيناريو الدبلوماسي الناعم
لتصدير انطباعا ما لدي قيادات الجيش بانه ليس بصدد حاله تصادميه معهم
ومن كان يحلم ان المجلس العسكري سوف يتم تفكيكه-واي سيناريو تصادمي ربما
كان سيترتب عليه كارثه -الانصاف والموضوعيه يااستاذ هاني تتطلب الاعتراف بان مرسي حقق انجازا سوف يدخله التاريخ بتخليص مصر من هيمنه المؤسسه العسكريه علي الواقع السياسي والمجتمعي التي دامت ستين عاما
ولو فعلها حمدين مثلا لوجاء رئيسا للجمهوريه لوصفه خصوم الاخوان بانه بطل قومي-وحصول طنطاوي اوعنان علي اوسمه لن يمنع تحويلهم للتحقيق او المحاكمه
حالما يتم تقديم بلاغات ضدهم بصدد ما ارتكبوه من جرائم بحق الثوار
خصومتنا السياسيه مع الاخوان لا ينبغي ان تكون عائقا امام الرؤيه الموضوعيه
للاحدات


3 - الأستاذ مجدى رفعت - 1
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 8 / 16 - 09:36 )
أقدر لك اهتمامك، ليس فقط بالقراءة ولكن أيضا بالتعليق، مؤكدا أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، بل يزيد من الود حيث يسهم فى إثراء القضية موضوع الاختلاف
الرؤية الموضوعية يا سيدى تقول إن ما فعله مرسى هو إنهاء حالة ازدواجية السلطة فقط وليس تخليص مصر من هيمنة المؤسسة العسكرية. ذلك أن الهيمنة الحقيقية للعسكر لم تكن فى سلطتهم السياسية، وهى كانت إلى زوال إن أجلا أو عاجلا، بل فى نفوذهم الاقتصادى، وأظنك تعرف جيدا أن قرارات الرئيس مرسى لم تقترب من الإمبراطورية الاقتصادية للعسكر، والتى يدور حجمها حول 30% من الاقتصاد المصرى، ومازالت هذه الإمبراطورية قائمة، ومازالت تحت الهيمنة الكاملة للمؤسسة العسكرية، فهل يمكن والحال هذه أن نقول «بموضوعية» أن الرئيس مرسى «حقق إنجازا سوف يدخله التاريخ بتخليص مصر من هيمنة المؤسسة العسكرية»؟


4 - الأستاذ مجدى رفعت - 2
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 8 / 16 - 09:37 )
والرؤية الموضوعية يا سيدى لا تتعامل مع الأحداث بالقطعة، فلا بأس من سلوك طريق السيناريو الناعم وتلافى الصدام، لكن ما معنى منح المشير والفريق قلادتى النيل والجمهورية؟ هل التكريم على هذا المستوى شرط أساسى للسيناريو الناعم؟ ومع ذلك فقد كان من الممكن تفهم هذا التكريم لو أن الرئيس أفرج عن شباب الثورة الأسرى فى سجون العسكرى، بدلا من الإفراج عن مجموعة من القتلة والإرهابيين من السجون العسكرية أيضا، ولو أنه جاء لنا بوزارة خالية من الفلول، ولو أنه استبعد رجال مبارك من تعيينات رؤساء تحرير الصحف القومية، ولو لم يعد الرئيس ورئيس وزراؤه إنتاج خطاب مبارك فى تحميل الشعب مسئولية الأزمات. ولاحظ أننى لم أطالبه بتغيير ما هو قائم (محافظين جدد مثلا)، ولم أطالبه بأى «إنجاز» حتى لو كان متواضعا وعلى مستوى تنظيف الشوارع من الزبالة، لكن فقط أن يكون الجديد الذى يأتى به «جديدا» فعلا، عندها فقط كان يمكن تفهم وضع المشير فى الجراج مستشارا حاملا قلادة النيل


5 - الأستاذ مجدى رفعت - 3
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 8 / 16 - 09:55 )
والرؤية الموضوعية ثالثا لا يجب ولا يمكن أن تتضمن أحداثا افتراضية لم تقع ولا يمكن أن تقع، ومع ذلك نستغرق فى مناقشتها والبناء عليها، فالقول «ولو فعلها حمدين مثلا لو جاء رئيسا للجمهورية...»، هو قول افتراضى لم يحدث لآن حمدين لم يأت رئيسا للجمهورية، ولو حدث وجاء حمدين رئيسا فيما بعد فلا يمكن له أن يأخذ مثل هذه القرارات، ببساطة لأن الرئيس الحالى أتخذها بالفعل. هذا النوع من المناقشات يفتقد تماما أية موضوعية، ولا يجدى فى كشف انحياز الكاتب، ببساطة أيضا لأن الكاتب لا يبذل أى جهد لإخفاء انحيازه، ولكنه ليس انحيازا أعمى، وإلا ما كنت كاتبا بل «مطبلا»، أنا يا سيدى منحاز لفقراء هذا البلد، وللعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، أنا منحاز لمبادئ وليس لأشخاص، من يتبناها ويعمل على تحقيقها أنا معه، ومن يراوغ ويناور ويقدم لنا خيرت الشاطر بدلا من أحمد عز أنا ضده


6 - بصدد تفكيك المحلس العسكري فقط
مجدي رفعت ( 2012 / 8 / 16 - 15:08 )
ماطرحته في تعليقي كان بصدد تفكيك المحلس العسكري فقط وليس تقييما شاملا لمرسي الذي كنت من الاسا س ضد ترشحه ةلكننا الان بصدد امر واقع -ولكن هل من المنطقي ان نتوقع ان يقوم الرجل بكل شئ خلال 24 ساعه-والمؤكد ان اجراءات ما بصدد الانشطه الاقتصاديه للمؤسسه العسكريه سوف تحتاح مزيدا من الوقت والدراسه واوافقك غلي ماتفضلت به بصدد التشكيل الوزاري ولكن لاداعي لاستباق الاحداث بالقول انه اتي بخيرت الشاطر بدلا من عز لننتظر ونري
فماذا لدينا الان من وثائق تتهم الشاطر بممارسات اقتصاديه غير مشروعه
كالتي انخرط فيها احمد عز -من كان لديه شئ فليطرحه علي الراى العام بدلا من الاتهامات المرسله وسوف اسالك سؤالا افتراضيا حول ما اذا كان حزب الوفد مثلا قد تقدم بمرشح للرئاسه وفاز هل كانت الاتهامات ستلاحق رئيسه رجل الاعمال
الاوسع ثراء من الشاطر كم تلاحق الشاطر الان
اما ما ورد بتعليقي حول حمدين صباحي فكان مبنيا علي افتراض انه هو الذي فاز بالرئاسه وليس مرسي وكان عليه ان يتصدي لديكتاتوريه المجلس العسكري ولوكان فعلها لكان اول المهللين له الذين ينتقدون مرسي الان بادعاء انه انقلب علي الشرعيه
تحياتي

اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا