الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا و مستويات الصراع السياسي

قصي مسلط الهويدي

2012 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من زين لنا العنف في سوريا ؟ سؤال بسيط ، و ربما "ساذج" .

و مع هذا سينبري لك كثيرون ليلقنوك درساً في الوطنية ، و ربما درساً في التاريخ ، و قد يتمادى أحدهم ليوصل سقف التهم إلى الجهل أو ربما إلى الخيانة أيضاً ، و سوف يأتيك الرد الجاهز الذي يفسر كل ما هو "غير" قابل للتفسير : ( إنه النظام و عنفه وووو يا ....... ) .

مع أن السؤال كان عن "تزيين" العنف و ليس عن "سببه" ! .

قد تكون هذه بداية موفقة ، و لكنها غير مناسبة تماماً لما أريد أن أقول ، فما أردت قوله – ربما – يختلف كثيراً عن هذا . فغياب العقل "البارد" عن ساحة الثورة ، و قدرته على التحليل و "التنظير" – ( و هذه تهمة أخرى تمنحها للقارئ المشكك في النوايا ) – يشكل كارثةً لا نحسب أنها هينة .

لقد تم اختزال الصراع في سوريا في شكل بسيط جداً، ليظهر وكأنه صراع بين طرفين محددين ، متماسكين ، واضحي المعالم ؛ "شعب" و "نظام" ! . هكذا و بكل بساطة ، دون أدنى عناء .

إن هذا الاختزال – سواء أكان بقصد أو دونه – جعلنا نتعامل مع ذلك الصراع ، و كأنه مجرد نزاع بين طرفين ، نزاع واضح البنية و الأقطاب إضافة إلى المستويات . جعلنا ( أي الاختزال ) ننظر إلى أقطاب الصراع الداخلية – مع إغفال كل الأقطاب الخارجية – و كأنها كتل "صماء" متماسكة ، موحدة الرؤى و الأهداف ، كلٌ ضمن تشكيله الخاص ، الذي لا يقبل التفكك والتفكيك .
وكأننا أمام "شعب" سوري تمتلك كل مكوناته و "زمره" ، نفس الرؤى و الطموحات و الاستقطابات ..... .
و كأنها ( أي المكونات المجتمعية للشعب السوري و زمره ) عبرت "كلها" إلى حالة الدولة ، و تجاوزت حالة ما قبلها ، إضافةً إلى كونها ، متطابقة "كلها" – ديموغرافياً – مع واقعها "الجيوسياسي" .

لن نسهب كثيراً في هذا المقال – لعدم اتساع المقام – و سنقتصر فقط على رصد مستويات الصراع ، و التي تتشعب بدورها – كثيراً – هي الأخرى ، لذلك سيقتصر الكلام فقط على "مستويات الصراع السياسي" ، حيث يمكن أن نقسمها إجرائياً إلى :

"صراع على الحيازة" : وهو الصراع الذي ينشأ بين "خصوم" على حيازة شيء ما ، أما المستوى الثاني فهو "الصراع على التمثيل" : و هذا الصراع ينشأ عادةً بين "متنافسين" على تلك "الحيازة".

و هما مستويان متداخلان ، يكاد الفصل بينهما أن يكون مستحيلاً ، خصوصاً في المجتمعات "ما قبل المدنية" .

و غالباً ما يكون الأول معني بـ (رأس المال "المادي") ، أما الثاني فإنه دائماً يكون معني بـ (رأس المال "الرمزي")
و عادةً يكون الصراع في المستوى الثاني أشد ضراوةً - بالمعنى السياسي - منه في المستوى الأول ، و غني عن البيان أن الشكل الذي يأخذه ذلك الصراع مرتبط بشكل مباشر ، بدرجة تطور المجتمعات ، حيث أنه يتراوح ما بين التنافس ( الانتخابي ) و النزاع ( المسلح الدموي ) ، إضافةً إلى أن صراع الحيازة يتراجع كثيراً في المجتمعات المتقدمة ، إذ أن الدولة و إدارتها تكون "تداولية" ، و لا يمكن الاستئثار بها أو "حيازتها" دون التشارك مع بقية المتنافسين ، أما في المجتمعات الأقل تطوراً ، أو تلك التي لم تقطع مع الاستبداد بعد ، فإن الصراع يأخذ طابع الحيازة حتى في المستوى الثاني ( أي التمثيل ) . و عليه فإنً الصراع في سوريا ، بين المتنافسين على من هو الممثل الحقيقي و "الوحيد" للثورة ، أهم بكثير من الصراع مع الخصم (النظام) ، و هو بالتالي أشد ، و بما أن المكونات المجتمعية في سوريا ماتزال ضمن "زمر ما قبل دولة" فإن التنافس بينها لن يكون سياسياً فقط – كما هو الحال في النظم "المدنية الحديثة" – إذ ربما يصل إلى درجة الصراعات المسلحة الدموية .

فهل سنفاجأ إذا ما ظهرت مليشيات و تنظيمات مسلحة ، خصوصاً بعد كل الذي بذل من جهد – و بكل ما أوتي البعض من قوة – من أجل "عسكرة الثورة" .

و ككل البشر ، نحن مختلفون و متباينون ، الأمر الذي قد يصل إلى درجة العداء أحياناً ، فهل سيكون من المفاجئ أن يشكل كل فصيل "سياسي" فصيله "العسكري" الخاص به و الذي يأتمر بأمره – و ذلك بعد أن تمت عملية عسكرة الثورة بالفعل – و أن يحتكموا إلى السلاح ، لحل خلافاتهم السياسية ، لتحديد من هو الممثل "الشرعي و الوحيد" للثورة . و من هو بالتالي الوريث "الحقيقي" للدولة .

و إن حدث ذلك – لا قدر الله – فمن سيتحمل المسؤولية الأخلاقية عن ذلك ، أمام التاريخ .

بقي أن نضيف أخيراً ، أن الصراعات في المستوى الأول تكون بين (قديم) و (حديث) أما في المسـتـوى الثاني فتكون بين البــدائــل (الحديثة) نفسها ، و هنا مكـمـن الخـطـورة فــي "الاحتجاجات الشعبية" التي تنشأ دون إطار سياسي يؤطرها ، أو مخزون "معرفي جمعي" لدى تلك "البنى المجتمعية" المحتجة بشكل عفوي ، يجعلانها محصنة ضد التفكك و الإنهيار الذاتيين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ندعو لأندلس إن حوصرت حلب
خالد قنوت ( 2012 / 8 / 16 - 03:49 )
على الواقع ليس للمعارضات قوى مسلحة تأتمر بأمرها و تقاتل من أجل أيديولوجياتها المنتافرة و المتباينة. هذا الكلام من قلب الكتائب المسلحة المنشقة من الجيش النظامي أم من المتطوعين المدنيين. حتى أن المجموعات الدينية المتطرفة ليست هي الطابع العام للمسلحين. الطابع الغالب هو المتدينيين و هذا بحكم الطبيعة الاجتماعية للسوريين و بحكم العنف و المجازر التي تعرضوا لها دون نصير أو معين ليس أقلها الوعود و الكلام الفارغ الاعلامي من المعارضين في الخارج. على الأرض مجموعات ثورية مسلحة متعددة التمويل المادي و العسكري و هذا ما حاولنا التحذير منه فالقيادة و التمويل أساسيان في توجيه البوصلة نحو أهداف الثورة الاساسية. لا يعني ذلك أن الهدف المرحلي للجميع هو إسقاط النظام و لكني أشارك الكاتب هواجسه حول طبيعة الصراع بعد سقوط النظام و لكني لا أعتبره حالة حتمية شاملة و الدليل ما مرت به الثورة الليبية و ها هي تتحاوزها نحو انتخابات لم يفوز بها اسلاميون أو متطرفون. الشعب السوري أعقد اجتماعياً و لكنه أكثر وعياً و اعتدالاً في تدينه بحكم طبيعة تاريخية للسوريين تسعى للعمل و التجارة و الانفتاح على العالم. لنسقط النظام أولا


2 - خصخصة العسكرة أطالت عمر الثورة
محمد صبحي ( 2012 / 8 / 16 - 11:09 )
لم تتعامل الجهات الداعمة لعسكرة الثورة في دعمهم للمنشقين أوالمتطوعين المدنيين والذين شكلوا كتائبهم على الأرض تحت مسميات على الغالب دينية وغير متجانسة نسبيا وربما متنافرة إلى حد التناحر أحيانا تعتمد مبدأ الغزو والغنيمة لامبدأ التحرير والتلاحم ضد النظام وما كان يحدث أن هذه الكتائب تكتشف ضرورة التنسيق والاتحاد ولكن بعد أن يبطش النظام بهم فيوحدهم المصير المشترك ضد ألة النظام وليس صحيحا أن التكتلات السياسية أو احزاب المعارضة لم تدعم جماعات موالية لها بعينها لا بل كانت انتقائية وهناك جيش ممن يجمعون المعلومات لتمر على هذه المعلومات على آلة فرز لاتقبل من هو معني بحالة تحرير سوريا من النظام ضمن حالة جامعة وفقط إنما يراعى فيها الولاء والعمل تحت لواء هذا الحزب أوذاك مما أضر كثيرا وحدا بالكثيرين إلى العزوف عن القبول بالشروط والعودة على موارد الداخل كالخطف والفدية وغيرها لتمويل أنفسهم والدفاع عن انفسهم كمجموعات منشقة من النظام وخارجة عن طاعته فمن المسؤول عن إطالة عمر الثورة بوجود معارضات متعارضة والنتيجة ان لايكون تمثيل سياسي للثورة ينتزع شرعية الاعتراف بالثورة السورية وحقة في التغيير

اخر الافلام

.. ماذا بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح وما موقف القاهرة ؟| المس


.. أوكرانيا تعلن إحباط مخطط لاغتيال زيلينسكي أشرفت عليه روسيا




.. انتفاضة الطلبة ضد الحرب الإسرائيلية في غزة تتمدد في أوروبا


.. ضغوط أمريكية على إسرائيل لإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات




.. قطع الرباط الصليبي الأمامي وعلاجه | #برنامج_التشخيص