الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَر .... قصة قصيرة

رغد عبد الزهرة

2012 / 8 / 16
الادب والفن


"موطــا ...موطا...بّرد قلبك يا ولد.. بّرد قلبك بعد الفطور يا صائم"...
بّحَ صوتهُ وهو ينادي، وتمنى لو أنهُ أشترى مُكبر صوت ووفر على نفسه العناء مثل
البقية، هو يقول ذلكَ دائما، لكنهُ كلما مرّ على بائع الاجهزة الكهربائية تراجع وفكر بشيءِ آخر يمكن أن تشتريه النقود.
هذا هو الشارع الثالث على التوالي الذي يجتازهُ دون أن يجد من يشتري منه.
"الناس نائمون، نوم الصائم عبادة" تمنى لو أنه الآن نائم في غرفة باردة ليكسب بعض الأجر، ضحك من نفسه؛ العمل ايضاً عبادة، كل شيء عبادة، مجرد أستمرارنا نتنفس ونفكر بغدٍ وسط حياة لا معنى لها كهذه: عبادة!
كان يحس بالماسكة المطاطية لمقود الدراجة الهوائية ينصهر ويكاد يلتصق بيديه من شدة الحر؛ حين فقدَ توازنهُ فجأة. حاول بكل جهدهِ أن يتوازن ويوقف الدراجة على الرصيف، لا يريد أن يصيبها شيء، والاهم أن لا يسقط صندوق الآيس كريم.. جلسَ أخيراً بعد أن أسندَ الدراجة إلى جدار بجواره...
"الحمد لله، أنتهت على خير" ردد وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، حتى لا يصرخ من الالم الذي انسحب كسكين حادة غُرزت بحقد في أعلى فخذهِ ثم أنسحبت بسرعة شيطانية حتى الركبة ممزقة كل ما في طريقها... هذهِ ليست المرة الاولى التي يصاب بها بهذا الالم المفاجيء لكن هذه المرة كانت اقوى. تسائل مع نفسهِ "هل السبب أنهُ سخر من الحياة"... أستغفر ربهُ وهو يتذكر أن جده كان يقول" لا تسب القدر ..فانه الله" .. ربما كان جدهُ خرّفاً وحسب...
هذه ضريبة الزمن، لقد افنى عمره وهو يسوق الدراجات ليبيع أي شيء، هذه الدراجة الخامسة التي يقودها منذ بدء عمله وهو في الثانية والعشرين وهو اليوم قد اجتاز الخمسين سنة: "الدراجات تتعطل وهي حديد، والأنسان يكابر وهو طين".
ظل يدلك قدمه، محاولاً تخفيف الألم، ثم فتحَ الصندوق الفليني ونظر إلى داخلهِ وهو يتحسر؛ لم يبع حتى نصف بضاعتهِ اليوم، أخرج قنينة الماء، غس وجهه بالماء البارد، وبلل منديله ووضعه على رأسه. أحس بالصداع يضغط على جانبي رأسهِ، فكر أنهُ لن يأكل بيض على السحور"يحمس القلب".
"أدرس..أدرس" هذا ما كانت تردده أمه الامية وهي تظن أن الدراسة هي ما سيجعل منه "افندي" ماتت وهي لا تفهم القوانين التي يسير بها هذا البلد.
لم يتبع نصيحتها، وهو غير نادم، كان سيقضي عمره يتحدث عن الشهادة وضياع الشهادة في هذا البلد وسيكرهُ الناس لكثرة شكوته، مثل ذاك الشاب الذي تعرف عليه قبل بضع سنوات، كان خريج علوم حاسبات ويعمل مستخدماً في الامانة، هل بقي على حاله؟ هو لا يدري، لكنه يتذكر كم كان مزعجاً أن يستمر بالحديث طوال الوقت عن الدراسة.
أبن عمه خريج آداب تاريخ، يعمل حمال في الشورجة، أذا كان الأب مجرماً سيشق على أبنه أن لا يكون كذلك، واذا كان مُعدماً فلن يكون أبنهُ الا مُعدماً مثله.
لن يورث أبنه مالاً أو داراً لكن بأمكانه أن يمنحهُ أسماً مميزاً، حين أسمى أبنه "حُـر" كان الإسم مناسبة للاحتفال، أسم مميز!... لكن الصبي في أول يوم في المدرسة رجعَ يبكي, ويريد تغيير اسمه... والسبب أن المعلم قرأ اسمهُ "حــَر" وحين صححهُ لهُ الصبي؛ قال له حين يكون لكَ أبن سَمّهِ "دهن" ... وهكذا صار الصبي ومنذ اليوم الاول عرضة لسخرية الجميع.
أحسَ ببعض التحسن، فَقاد دراجته بيده وظل يمشي ببطء بمحاذاة الرصيف، حين فاجأته طفلة صغيرة؛ كانت العملة الورقية قد تجعدت بقبضتها القوية والعنيدة، عيناها محمرتان من البكاء، لابد انها خاضت معركة بطولية مع اهلها قبل أن يسمحوا لها بشراء الآيس كريم.
طلبَ منها أن تملء له القنينة بالماء البارد، فبدا انها تلومه "ما صايم؟" .. فشرح لها أن يحتاجه ليغسل وجهه لم يبد عليها انها صدقته، اختفت داخل الدار... أنتظرها خمس دقائق، عشرة، لم تظهر الصغيرة بعدها، فكرَ أن يدق الباب، لكنه ركب دراجتهُ وانطلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكاتب بوصلة الأمة وضميرها ورائدها ، شرط الشجاعة
الحكيم البابلي ( 2012 / 8 / 17 - 00:25 )
رغد عبد الزهرة
قصة قصيرة أخرى جميلة تحكي عن شخصيات شعبية متواضعة من أسفل الهرم الإجتماعي المسحوق لمجتمعنا العراقي في المدن والقرى الصغيرة حيث يعيش الناس حياة لا زالت بعيدة عن الحضارة الحقيقية والقيمة الأصلية للإنسان

في هذه القصة أراك تطرحين بعض المعتقدات الإجتماعية والدينية الموروثة ،( إستغفر ربه وهو يتذكر أن جده كان يقول : لا تسب القدر فأنه الله ، ربما كان جده خرفاً وحسب ( كذلك ( نوم الصائم عبادة .. ألخ ) ، لكن طرحك كان متردداً وخجولاً ويتحاشى فجر الدملة التي سببتها تلك المعتقدات والخرافات لمجتمعاتنا ، ولا الومك كثيراً لعدم محاولتك إستعمال أي مشرط لنكأ تلك الدملات الخبيثات ، فأنت إمرأة في مجتمع ذكوري متخلف ، وقد تكونين مُحاسَبَة
كان من الممكن أن تطرحي آراءً عصرية تساعد القارئ في النظر بجدية لسخافة وتفاهة لموروثاتنا الإجتماعية والدينية البالية ، لكنك أحجمت لسبب ما ، وتركت الإجتهاد معلقاً يتأرجح حسب قناعات القارئ !، بينما المفروض أن تقودي القارئ لقناعات جديدة قد تكون خميرة لذهنه عبر عملية تحول جذري لنبذ تلك الموروثات من أجل مجتمع أحسن ، فالكاتب مهمته قيادة فكر الأمة
تحياتي ، إستمري


2 - نحتاج ان يثق كتابانا بالقارىء
رغد عبد الزهرة ( 2012 / 8 / 17 - 08:54 )
سيدي الحكيم...المسألة تتلخص في كون فكرتي عن القصة القصيرة هي برقية عاجلة او صورة مرفقة بتعليق مرسلة الى القارئ ..أنا لا افسر ولا ابرر بل أعطيه الصورة واضحة واتركه باسلوب ديمقراطي ليحكم..دون أن أتدخل في خياراته في هذا الشأن...وكليّ ثقة بالقارئ..

مودتي...شكراً للمتابعة

اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته




.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك