الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهان كنّا لاحتمال واحد ...الحبّ

سلمى بالحاج مبروك

2012 / 8 / 16
الادب والفن



حين أحبك أستدعي جسد الطفولة الهارب مني حتى أجد مبرّرا لضعفي و انكساراتي و حتّى انهياراتي المفاجئة .. وحتى أعلّل انهمار السّيول من عينيّا على أفكار قلبي المزدحمة بك وتفجّرها على جدران قلبي المنهك بطقوس عبادتك .
فليتك تعلم أنك لست مجرّد حدث كلامي طارئ على نواميس حياتي و مفترقات طرقي ، بل إنك الفعل الذي يلازمني أينما حللت و يراودني عن نفسي إلى حدّ الانتهاء منّي بفعل كارثة الإغواء الجميل.. فلا يشفي غليلي منك سوى اقتراف إشتهاءات كوارث الحبّ المتتالية في غفلة من غفوة الشمس .
فكم ينتابني شعور متطفل و غزير في أن أقضم كلّ جزر أوردتي التي لا تؤدي بي إلى مآزق حبك و عواصف الاشتياق .
يا منفاي الأبدي كم أحتاج أن أنهار فيك ليتنفّس جسدي المتعب نسائم حريتك المتدفقة حمما تتحرّش بي .
عندما أجد نفسي في ركام من الوحدة و تحاصرني أطيافك المتوارية خلف أسوار اللاحضور ، ينتابني الخواء ، تضربني أعاصير العزلة الشّاحبة أجد نفسي كمحطة خلت من قطارها تعجّ بصخب مسافرين متلهفين من تعب الانتظار و قد اشرأبت أعناقهم كلها في اتجاه هذا القادم الذي قد يأتي أو لا يأتي.
مثلهم كنت في حالة انتظار ، أو أكثر من الانتظار قليلا أو أقلّ...انتظرتك على رصيف العمر مثقلة بحقائب العودة إليك و قد جمعت فيها كل ما يلزمنا من أشيائنا التي نحتاج ارتدائها كلما حلّت فينا ثورات العشق و غسلتنا أمطاره الناريّة بلهيبها .
يتساءل البعض همسا عن سرّ هذا التمادي العميق فيك تتلون وجوههم و يصبح لها شكل نقطة الاستفهام حينا و نقاط التعجب أحيانا يبحثون عن اللغز الذي يجعل من حضورك الدائم فيا حكاية مسترسلة لا يعرف لها كخاتمة سوى ابتداء متجدد لقصص لا متناهية و تشكيلة مختلفة من ألوان الحب الطارئ .
أحيك حكاياتنا الموجعة من الرّغبة التي نشارف على الهلاك بها، حين يكبر الحب و تتضخم مستحقاته و نرتهن حد الإفلاس إلى صكوكه البيضاء نصير ذريعته، لا يرغب إلا في رغبته و نصير أنا و أنت خدما له في معبده مجرّد ذريعة يمارس بها ذاته .و كأننا مجرّد هراء لرغبته و هذيان لحمّاه .
عندها نستنجد بأفق رتّببته فوضويّة تمرد خيالنا المتعطّش إلى سفك الاعترافات بكل أسرارنا التي تأتي في لحظة انهياراتنا الأرضية ...
وجع غائر الحزن و الألم حين نصطدم بأفق ليس فيه أمل و لا انتظار و لا حتى انكسارات ..أو حتّى مجرّد انبعاث لأنين أوبرا عشق تهدّئ من روعنا و تمزق نغم الصمت المنبعث من فجيعتنا .
حينها أرتدّ إلى نفسي كارتدادات أرض هزّها زلزال مدمر فبعثر بناياتها المنتظمة و صخورها الرّاسبة في أعماق جيولوجيا التّرقب . عندها فقط أشعر كم أنا في حاجة إلى أن أنزوي فيك إلى أن أتدفّق عشوائيا مثل بحر هائج في أعماقك التي لا قرار لها سوى المطلق اللازوردي بطعم عسل اللانهايات ...
كلماتك المخضرمة ، حركاتك العفوية ذات مقاصد عشوائية المعنى ..ابتساماتك التي لا تفارق ثغر الياسمين ، انفعالاتك التي تشبه في صخبها قرقعة الرعود في السماء ، غضبك البرقيّ و توهّج متطلّباتك الجسديّة ..أفهمها فتستقرّ في هذه الشّرايين التي تنزف من كثبان رغبات مزدحمة شبيهة باحتمالات الموت العشوائي ...
تنتابني في لحظة من لحظات تياهان العقل عن مدار غريزة المنطق سرمدية من الشّوق المجنون أن أغمد جسدي في مفترق طرق جسدك الحر الذي لا يحمل أيّ إشارات رادار تنبه تجاوزي لقانون السير في منعرجات روحك المنفتحة على متطلباتي اللامعقولة منك ..هنا فيك أتلاشى حدّ الانتشار و أنزف على أحراش مملكتك كل باقات الاشتهاء التي جمعتها من الاستلقاء طويلا في جنائن وجهك الرّبيعيّ . فلا شيء يستطيع أن يهرّبني من سجن حيرتي مثل التّلف فيك والاستقرار خلسة في واحات أبديتك العذبة حيث أستظلّ تفاصيلك التي لا تغادرني .
لكن قد يفاجئنا هذا الحب بمفارقاته العجيبة ، فحين يكفّ عن إيذائنا حبا فإنه يؤذينا يصبح لعنة ألم تطاردنا ، إنه بمجرّد أن نصبح في حل من آذاه و يرحل عنا و يغادرنا تتضاعف معاناتنا ، فكل الآلام تستدعي حضور جسد الألم إلا الحب فآلامه تتغلغل في روحنا عذابا بفقدانه فبحضوره نعاني و بغيابه تشتدّ معاناتنا أكثر.
عندما يفقد الحب سلطانه علينا و عندما يعجز عن ممارسة أذيّة العشق فإنه يمارس أذيّة الغياب . كل الأشياء الحاقدة من حولنا تكفّ عن شرورها نحونا حين تغيب عنّا إلا الحب فإنّ غيابه يزيد في احتمالات آلامنا و يلزمنا بممارسة فنّ الألم تجاه أنفسنا .
حين أصطدم بأطياف هكذا صعوبات و تداهمني هذيانات الخوف على مستقبل هذا الحبّ الكبير أتكوّم داخل نفسي مرتدية كلّ أفكار التّرقب و الانتظار. أرفع ضارعة للمستقبل أيدي رغبتي البيضاء أن يبعد مثل هذه الاحتمالات اللامحتملة .
و أسترسل في دعاء الملائكة أن تحلّ لعنة الحب الأبدي بنا حتّى نذهب عميقا في دمائنا المبتلّة بنبضات الشوق المختبئة في رحم أرضنا المتعبة من طريقة حبّنا الضّوضائي و المختلف جدا ..أتوسّل المجهول أن نكون محفوفين بمخاطر هستيريا الانزلاق إلى كلينا داخل عالم عشقنا الدّائري ذي الأبعاد العاطفيّة اللامتناهية .
أنا هنا ما وجدت إلا من أجلك ..و كل مخزون الحب الذي أحمله لك باحتياطاته التي لا تنفد و مشاريع رغباتي الكثيفة وضعتها تحت تصرّف لهفتك .
كنت أستفيق بين أبديّة حلم و آخر على حفيف أوراقك الشّهيّة ..فأجد نفسي أسيرة أفكار تذكّرني بانهزاميّتي غرقا في بحرك الغامض ، أنتفض من تعب المسافات البعيدة و أنفض الغبار عن أفكار بدت لي في بداياتها مريحة و الآن تنهشني بحنق نسر جائع منهمك في نهش فريسته المرتبكة بين لحظتي الموت و الحياة .
وجهان كنّا لاحتمال واحد ..الحبّ ..عشوائيّ ضارب في جذور اللامعقول ، أن نكون فيه مختلفين حدّ التطابق اللّامتماثل ...
حين نتداعى هربا إلى نفق ذواتنا يكون لا خيار لنا سوى أن نلتهم بعنف خيالات متطرّفة كلّ الاهتزازات التي يمكن أن يحدثها هرج الجسد في لحظات انعتاقه الماجن وهو يبزغ كقمر منفلت على مداره على سطح الليل المبلّل بالعتمة المضيئة .
فكم نحتاج إلى جرعات من الخيال الماحق حتّى نمارس انفلاتاتنا اللامتوقعة و التي لا تروق رصانتهم المصطنعة .
و حتّى نثبت كم كان حبّنا إستثنائيا واحدا لا شريك له فنحن في حاجة إلى تيه
في لحظات تمرّد ضاري نمارس فيه انحرافاتنا المحترفة في اللعب بفن الهوى فننأى عن بداهتهم و أبجدياتهم المبعثرة في ممارسة العشق على طريقة السلف الخجول ...
الكاتبة التونسية سلمى بالحاج مبروك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية