الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النمط الخفي للدراما المصرية، -فرقة ناجي عطا الله نمذجا-

عبد الصمد مرون

2012 / 8 / 16
الادب والفن


لعل المتتبع لمسار الإنتاج الدرامي يلمس خلال فترة شهر رمضان إشباعا لا نشاهده خلال باقي فترات السنة، تتعدد أسباب هذا الاكتظاظ الدرامي، لكن الأساس أنه ما من شك أن المواطن العربي مازال مرتبطا بصندوق العجب هذا الذي نسمه بجهاز التلفاز، وبما أنه يحتل هذا الموقع المتميز في البيت العربي، فالأكيد أنه سيشكل مدخلا رئيسا لتشريح كيفية تفكير العقلية العربية في أهم معاقلها، على الاختلافات التي بين مكوناتها، مع العلم بتوفر حد أدنى من التفكير المشترك، على اعتبار أنها تتشكل من منابع إعلامية متقاربة، والتي تساهم بدورها في تشكيل ما يصطلح عليه الرأي العام. وبالتالي فهي مصدر رئيس لكثير من أمراض هذا الرأي، على اعتبار أن الخطاب الإعلامي كأي خطاب يقوم بنقل أو تكريس نمط ثقافي معين، وهكذا يبدوا أن علم البلاغة وتحليل الخطاب بمفهومهما الواسع، يشكلان مدخلا مهما لكشف الأمراض التي تشكلها كثير من هذه الأعمال.
سأقتصر في هذا العرض الموجز على عمل واحد، أزعم أنه يشكل نموذجا صالحا للتعميم، الأمر يتعلق بمسلسل "فرقي ناجي عطا الله"، من بطولة النجم عادل إمام، الذي يرجع إلى ساحة الدراما التلفزيونية بعد غيبة طويلة، تكلف رامي عادل مهمة الإخراج، المسلسل مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه، للكاتب يوسف معاطي. تدور الأحداث حول شخصية ناجي عطا الله، الذي كان يشتغل ملحقا إداريا بالسفارة المصرية بالكيان الصهيوني، محبوب الجانب خلال فترات عمله، يقدم استقالته ويعود إلى مصر ليكون فريقا قصد العودة إلى تل أبيب بهدف السطو على أحد البنوك هناك، وأثناء الذهاب والإياب تكشف الأحداث عن مواقف الشخصيات، سواء من العدو الصهيوني أو أطراف المقاومة اللبنانية والسورية والفلسطينية، الذي في نهاية هو موقف النظام القائم في مصر هذا طبعا قبل اندلاع الحراك على الأقل، ممزوجا ببعض من شطحات البطولة المصرية المطلقة.
من خلال التتبع الدقيق لهذا المسلسل خلال الأيام السابقة، نستشف مجموعة من العلاقات التي تجسد مضمون الخطاب الثقافي الذي يحاول القائمون على العمل تجسيده، سواء تعلق الأمر بعلاقة المواطن المصري بالكيان الصهيوني وموطنيه، أو علاقته بالجوار العربي، أما بخصوص التعاطي مع الجانب الصهيوني يكشف لنا سياق الأحداث أن التفكير المصري، لم يتجاوز بعد العقلية التي قادت نحو النكبة بتعبير حسنين هيكل الذي حاول التهرب من لفظة الهزيمة، تتمثل هذه الصورة عبر خطاب خداع الذات، الذي يجعلنا نتوهم أن المواطن المصري يتفوق بسنين ضوئية على نظيره الصهيوني، بحيث يمكنه التوغل إلى أبعد نقط داخل هذا الكيان، والقيام بأخطر المهمات دون يفتضح أمره فالمسؤول الصهيوني ضعيف أما قدرات ناجي وفرقته الفائقة الذكاء، كما يصور لنا هذا الخطاب العدو عديم التفكير يحكمه جشع غير طبيعي، في كل بنية المجتمع، لدرجة بدا لنا أن اختطاف الرئيس نتانيهو أمر في متناول اليد، ليعود به إلينا مكبلا في أغلال أحلام الدراما المصرية، نعود الأن إلى أجواء ما قبل الهزيمة المعلومة سنة 1967 ونتذكر كيف كان التلفزيون المصري يزف إلينا انتصارات الجيوش العربية، وأخبار الأساطيل الجوية الصهيونية التي تتهاوى تحت نيران مدفعيتنا الهمامة، هذه الصورة الملغومة، ونفس الشعور يمكن إرجاعه من دون مغامرة حتى إلى فترات قبيل الاستعمار الأوربي، مع معركة إيسلي وتطاون عندما توهمنا التفوق على العدو، قبل أن ينجلي الغبار عن هزائم عربية نكراء، نتائجها خسارة الجولان السوري وقسم كبير من فلسطين، كانت هذه الهزيمة محصلة خداع النفس بقوة لا نمتلكها، فما أشبه اليوم بالأمس. ليس ثمة شك في أن الدراما فن تخييلي ينأ عن قوانين الواقع، لكن إذا كان هذا الفن يكرس أمراض الإنسان العربي، في أنه مركز العالم ومصدر البطولة المطلقة، ذلك الإحساس الذي يمنع من الخروج من عقلية الهزيمة، إذ ذاك لابد من تمحيص النظر في ما نبثه لعوائلنا، خاصة الأجيال الناشئة، فالخروج من منطق الهزيمة يقتضي بث أفكار أو الحلم المشترك الذي يحفز كل مواطن للعمل الحثيث نحو بناء مستقبل يتجاوز إخفاقاتنا السابقة، ولنا في النموذج الياباني والألماني خير مثال.
أما بالنسبة لعلاقة المصري بالمواطن العربي، فنلاحظ أن هناك إحساسا متزايدا بأن مصر فقدت دورها الريادي في الوطن العربي، بل فقدت هذا الدور حتى في عيني المواطن المصري، من هنا جاء التركيز على فكرة "مصر أم الدنيا" بصورة كبيرة ومبالغ فيها في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال فإننا نلحظ أن كل من التقا صديقنا "ناجي عطا الله" في مهمته الطويلة إلى ويقر ويقسم بأعظم الأيمان، أن مصر أم الدنيا، ومن تجرأ على أمه فهو الخاسر حسب ناجي، وبإقرار من مخاطبيه، ومن ضمنهم حزب الله الذي أصبح ينافس صورة مصر المقاومة في المخيال الشعبي العربي، لذلك كان يجب أن يُظهر الطاقم الساهر على العمل الدرامي، أن حزب الله فقير إلى مجهودات وبطولات الجار المصري، والأمر نفسه ينطبق على الجانب السوري.
تبقى الإشارة إلى أننا لا نعدم رسائل داخلية يسعى القائمون على "فرقة ناجي عطا الله" التركيز عليها، وهي محاولة تبيض وجه المخابرات المصرية، خاصة بعد الصورة الشنيعة التي بدا عليها خلال الحراك، فهو الساهر على أمن الوطن، ومواجه في الخفاء لدسائس العدو الصهيوني.
إجمالا يمكن القول أن مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، يسعى بصيغة مكشوفة إلى رسم بطولات موهومة، عادة ما أدت إلى كوارث إنسانية وسياسية كبيرة، كما يحاول الدفاع عما تبقى من الريادة العربية، وسط إخوانه العرب، لا على أساس التعاون البناء ولكن على أساس أنه أفضلهم، فهو بتعبير أخر يوسف العصر الحديث، في المقابل ما هذه الصورة التي ننتظرها من مصر الثقافة، ننتظر منها مساهمة حقيقية في إغناء النقاش العربي، عبر أعلامها، كما العهد مع طه حسين نجيب محفوظ جابر عصفور، ممن قدموا إضافات جليلة للعقل العربي بالإضافة إلى إخوانهم الذين لا يقلون شأنا سواء من الشرق أو الغرب، لعل ما يلخص القول في سياق قرائتنا لخطاب العمل الدرامي هو المثل المغربي "سبقت الفرح بليلة" وأظنها ليالي إلى لم يكونوا عقودا، فالاحتفال يكون بعد العمل لا قبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف