الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية وتطبيقها في عراق اليوم

محمد حيدر قاسم

2012 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تعد الديمقراطية من المفاهيم الشائعه والتي يتداولها الكثيرون وغالبا تستعملها الأنظمة السياسية المعاصرة وخاصة الأنظمة الشمولية ( توتاليتاريه ) والدكتاتورية لتضفي على نفسها الشرعية .
الديمقراطيه ( Democracy ) مشتقة من الأصل اليوناني وتتكون من كلمتين ( Demos ) واللتي تعني الشعب وكلمة ( Kratos ) واللتي تعني الحكم وبالتالي تعني هذا الديمقراطية حكم الشعب للشعب أما مباشرة كاللذي حصل في أثينا القديمة أو غير مباشرة وذلك بواسطة ممثلين أو وكلاء ينتخبهم الشعب ولفترة معينة قابلة للتجديد ويتمتع الشعب في الأنظمة الديمقراطية بسلطة قوية. 
للديمقراطية ركنان أساسيان هما حكم الأكثرية وحماية حقوق الأفراد والأقليات، وتحتوي كل ركن من عدد من المبادئ والمفاهيم من الصعب أن أن تجد دولة مارستها أوتمارسها بصورة كاملة.
معظم  مبادئ ومفاهيم الديمقراطية وجدت لكي تحافظ الأكثرية على قدرتها من السيطرة على الحكم ولمنع الأقليات من تعطيل الدولة وقوانينها، من اهم مبادئها هي مبدأ فصل السلطات وإجراء الإنتخابات بصورة نزيهة، تداول السلطة،أالحفاظ على مفهوم سيادة القانون، القبول بالمعارضة السلمية، ألحفاظ على إستقلالية القضاء، ضمان الحريات العمومية، وضع دساتير مكتوبة والمساواة أمام القانون .
هناك أنواع مختلفة من الديمقراطيات في ألعالم من أهمها الديمقراطية التمثيلية، الديمقراطية الطائفية، الديمقراطية الليبرالية، الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية الغير المسيسة، الديمقراطية الكلاسيكية والديمقراطية المثالية وغيرها. 
تعد الديمقراطية التمثيلية أو الديمقراطية المعاصرة ( Representative democracy) من أكثر الديمقراطيات شيوعا وقبولا، يقوم فيها الشعب بانتخاب أفراد ليكونون نواب أو ممثلين عنهم لإصدار التشريعات والقوانين والتشريعات ومن أهم مبادئها الأساسية هي إعتبار الإنتخابات الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة.
هناك نوع اخر من الديمقراطية وتسمى بالديمقراطية الإشتراكية إذ طبقت في الصين والإتحاد السوفيتي السابق والدول الإشتراكية السابقة واعتمدت هذه الديمقراطية على أفكار الفيلسوف كارل ماركس والذي كان يؤمن بأن الوسائل التي تحقق الديمقراطية هي ذات طبيعة قانونية وإقتصادية فيجب تحرير الإنسان إقتصاديا وذلك بإعتماد الملكية الجماعية ومن ثم الوصول للمشاركة السياسية لتمكين الشعب من المشاركة في تسير الدولة مع وجوب تدخل الدولة في كل النشاطات .
 فشلت هذه الديمقراطية من حيث التطبيق وتلاشت الأتحاد السوفيتي والمعسكر الإشتراكي ولكن إستفاد معظم الأحزاب العمالية في أوربا الغربية من الجوانب الإيجابية لهذه الفكرة وحورتها بإسلوب معاصر جمع بينه وبين جميع مبادئ الديمقراطية الأساسية فأوجد نظاما يسمح للشعب ان يحكم نفسه بنفسه وذلك من خلال نواب منتخبة بالإضافة لتطبيق مبدأ المساوات والضمان الإجتماعي وإحترام الملكية الخاصة من قبل الدولة مع ضمان السيطرة الكاملة للدولة بصورة غير مباشرة على الملكية الفردية وتطبيق النظام الضريبي التصاعدي لتقليل الفارق الطبقي الاقتصاي بين أفراد المجتمع.
هذا النظام الديمقراطي يطبقه معظم دول أوربا الغربية وخاصة ألدول الإسكندنافية ور’سخت قواعده بصورة جذرية في المجتمع ولا يصوت الشعب لأي حزب سياسي إلا عندما يضمن تطبيقة لهذا النوع من الديمقراطية ولو بدرجات متفاوتة . 
 يعتبر ديكاناويدا واللذي كان أحد زعماء الهنود الحمر في منطقة بأمريكا فيما يعرف الآن بولاية نيويورك أول من من أسس لفكرة الديمقراطية المعاصرة، تمكن بأفكاره من وضع نواة لحكومة ديمقراطية تمثيلية ( ألنيابية) حينما أسس عصبة أمم آيروكواس لخمس قبائل هندية في المنطقة، وكان لهذه التجربة المثالية تأثير مهم على السياسي الأمريكي المعرف فرانكلين الذي أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية فقام بتأسيس نظام للديمقراطية التمثيلية وكذلك تأثر بها الأنكليز وأسسوا نظامهم الديمقراطي. 
عاش العراق ومنذ تأسيسه في أوائل القرن الماضي تحت أنظمة حكم مختلفة بدءا بالنظام الملكي وانتهاءا بالنظام الحالي ومرورا بأبشع نظام دكتاتوري معروف للجميع . كانت هنالك نوعا من الديمقراطية البدائية في العهد الملكي وكان من الممكن جداً ان تتطور تلك الديمقراطية لولا ظهور التيارات الرجعية المتمثلة بأحزاب ذات أفكار شمولية كحزب البعث وبعض الأحزاب القومية الرجعية.
سيطرت الدولة ومنذ 1968 ولحد 2003 على جميع وسائل الاتصالات المرئية والمسموعة بالعالم الخارجي بالإضافة على فرضه لأفكار الحزب الواحد والقائد الضرورة بين أفراد الشعب، تارة بالقسوة وبإجبار معظم الموظفين والطلاب للإنتساب للحزب الحاكم وتارة أخرى وعبر الناهج الدراسية ومعسكرات العمل الشعبي الإجبارية.
بدخول القوات الأمريكية إلى العراق حدث انقلاب حقيقي في حياة العراقيين وذلك بغزو شامل لجميع التكنولوجيا المتطورة وخاصة وسائل الاتصال بالعالم الخارجي كالهواتف النقالة والصحون اللاقطة وأصبح بإمكان اغلب العراقيين من الحصول على ما كانوا يحلمون به سابقا. 
كان لهذا التغير المفاجئ اثر سلبي على سلوكيات الكثيرين وتحول العراق إلى سوق إستهلاكي لبضائع متدنية الجوده وتحولت الفضاء العراقي إلى ساحة لشركات الهواتف الجوالة وقنوات التلفزة المختلفة وأصبح لكل من هب ودب من إمكانية إرسال بث فضائي موجه للعراق، فبين ليلة وضحاها أصبح المواطن العراقي اللذي ماكان بإمكانه من مشاهدة أكثر 3-4 قنوات تلفزة حكومية طوال عمره من مشاهدة مالا يحصى من القنوات الفضائية وهنا جاء دور الأعداء والمغرضين من العرب وغيرهم وحتى الفضائيات المشفرة ومنها الجنسية الفاضحة أصبحت كريمة وذلك بإرسال برامجها مجانا للعراقيين . 
في وسط كل هذا الضجيج الفكري اللذي تعرض له المواطن العراقي ظهر مصطلح الديمقراطية وبقوة والجميع يتكلمون بها من دون معرفتهم لجوهرها، وأصبح لكل فرد فهم خاص وربما خاطئ لها ففي بادئ الأمر تصور بعضهم بأنها تعني ألحرية التامة وعدم التقيد بأي قانون،  وبظهور فكرة الإنتخابات وتشكيل الأحزاب والتكتلات السياسية حصلت المفاجأة الكبرى وذلك بترشيح الكثيرين لأنفسهم لخوض أول اتخابات حرة ومن غير خوف من الحكومة، لم يحصل بعضهم وحتى على صوت زوجته . 
وللأسف الشديد هنالك تقسيم عرقي وطائفي في العراق وأزدادت الفجوة بين الطوائف المختلفة نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، وطبقا لهذا التقسيم تشكلت لاحقا القوائم الإنتخابية وأصطف تحت راية كل قائمة طائفة عرقية أو مذهبية معينه وولاء معظم الأعضاء لطوائفهم وليس للوطن وعلى هذا الأساس تشكلت الحكومة والبرلمان، كل يحاول جاهدا من الحصول على المزيد من الإمتيازات لنفسه ولطائفته ناسيا ألشعب برمته، لا من أحد منهم يرضى بالجلوس على مقاعد المعارضة البرلمانية،  فنتيجة لهذا الجهل الثقافي بنظام الديمقراطية أختاروا لأنفسهم نظام حكم شاذ لايمكن تطبيقه إلا في بعض الدول المتحضرة وذو سابقة برلمانية طويلة ولإستثناءات جوهرية .
وبعد مخاض عسير جاءت هذه المولودة الشاذة وأسموها بحكومة الشراكة الوطنية، لها كل الصفات المتوقعة والغير المتوقعة عدا صفة الشراكة وحاول المنتفعين من هذه العملية من إجراء إختبار لا ينطبق عليه أي من القوانين الكيماوية المعروفة وذلك بالسعي من إيجاد خليط متجانس من الماء والزيت الثقيل ، ونتيجة لهذا العمل الجبار ظهر لنا الشركاء الأعداء فنائب رئيس الحكومة والذي من المفترض بأنه اليد اليمنى للحكومة يظهر أمام وسائل الأعلام ومتجاهلا موقعه الوظيفي، مستهينا بدماء الملايين من العراقيين اللذين فقدوا حياتهم نتيجة بطش النظام السابق مادحا صدام حسين ومتهما رئيس الحكومة الحالية بالدكتاتور الهدام، فاجئنا السيد النائب وقبل عدة أيام برجوعه الى موقعه في مجلس الوزراء وجالسا بجنب اللذي اطلق عليه قبل فترة وجيزة صفة الدكتاتور الهدام وظهر وعبر وسائل الإعلام مدافعا قويا عن الحكومة وسياساتها والأغرب من ذلك نجد في هذه الديمقراطية العراقية العجيبة أناس يحتلون أعلى نقطة في هرم السلطة وهم الأن هاربون من العدالة ولاجئون في دولة مجاورة ولم يتجرأ أعضاء البرلمان الديمقراطي بالتصويت على قرار إقالته من منصبه. 
نستنتج من أوردته في هذا المقال بأن الديمقراطية ليست فقط شعارات وكلمات رنانه بل ممارسات عصرية ونظام حكم متطور وبحاجة الى ثقافة ودراسة وتجارب ولا يوجد شعب في العالم له القابلية من أن ينتقل الى هذا النظام بين ليلة وضحاها.
ألديمقراطية بحاجة كأي وليد من مروره بمراحله الطبيعية وواجب على الدولة ألسعي لثقيف الشعب وعبر وسائلها المختلفة وإدخال دروس خاصة في المناهج الدراسية ويجب أيضاً على الكتل السياسية القبول بأبسط المبادئ الأساسية للديمقراطية وذلك بالجلوس إما على مقاعد الحكومة أو المعارضة لتجنب الشعب كل هذا اللغط السياسي والأسراع بمحاسبة من يسول له نفسه بسفك أية قطرة للدم ومهما كان موقعه والكف عن إستخدام وسائل الإعلام للتهجم على بعضهم البعض وأن يفكروا ولو قليلا بمصالح الشعب الذي كان السبب لوصولهم إلى تحت قبة نعيم البرلمان ومنحهم راتبا شهريا قد يكون أكثر من راتب رئيس لأعظم دولة في العالم إضافة إلى إمتيازات خيالية لهم ولعوائلهم والتي وهبوها لأنفسهم وبقانون مستغلين الحق الممنوح لهم من قبل الشعب.

الدكتور محمد حيدر قاسم
إستوكهولم / ألسويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض