الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح الثقافة الجماهيرية بين المد والجذر

أبو الحسن سلام

2012 / 8 / 17
الادب والفن



ربما لا تنطبق فكرة مسرح للجميع على أية جهود مسرحية إلا على مسرح الثقافة الجماهيرية
لأن الفرق المسرحية التابعة لهيئة قصور الثقافة تنتشر انتشارا أفقيا بعرض مصر وطولها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ففي كل محافظة تعد من الفرق المسرحية المركزية منها أو الفرعية في المراكز وفي القري وتتوج بنشاطها على مدار العام أنشطة قصور الثقافة وبيوتها تدريبا وعروضا ومنتديات . وقد وصل عدد الفرق فيما أعلم إلى ما يزيد على 120 فرقة مسرحية رصدت لها ميزانية تصل إلى 3 مليون جنيه مصري وزعت على بابين . ولأن مسرح الثقافة الجماهيرية نشاط إبداعي ممول من وزارة الثقافة المصرية منذ نشأة جهاز الثقافة الجماهيرية في الستينيات من القرن العشرين بدعم حقيقي من الدولة وبرعاية حقيقية لصاحب فكرة الإنشاء ( د. ثروت عكاشة) الذى كان له فضل مأسسة العمل الثقافي في مصر المعاصرة على مسار صاعد خططت له حركة يوليو 52 جنبا إلى جنب على التوازي مع خطوط ثقافية وتعليمية واقتصادية واجتماعية في إطار مشروع قومي شامل عرف آنذاك بالخطة الخمسية ؛ فقد ازدهر النشاط الثقافي في ذلك الجهاز الوليد الذي كان المأمول منه المشاركة في خطة تنمية ثقافية أفقية لمجتمع الأطراف السكانية في الريف وفي صعيد مصر ؛ تستهدف تقديم الخدمة الثقافية للشعب المصري في الأقاليم بما يؤكد عمق تجذر الهوية المصرية والقومية من ناحية ومن ناحية أخرى تنمية الذائبة الأدبية والفنية وفتح نوافذ جديدة أمام إبداعات المبدعين في تلك الأطراف من خلال نوادي الأدب والأمسيات الشعرية واللقاءات الفكرية التي عملت الوزارة منذ نشأتها على توفير كبار المفكرين والمبدعين والأدباء والشعراء والمسرحيين مؤلفين ومخرجين وهجوما - في بعض الحالات - وكذلك انتقال عدد من العروض المسرحية والأفلام والفرق الأجنبية التي تزور مصر في اطار عملية التبادل الثقافي إلى بعض قصور الثقافة في المحافظات - التي بها دور للعرض - هذا فضلا على التوسع في تجهيز المكتبات في القصور وفي بيوت الثقافة حتى توسع دائرة القراءة بين الشباب بكل ما صدر أو يصدر عن مؤسسات الدولة المنتجة للكتب . وفضلا على ذلك ساهمت هيئة قصور الثقافة في مرحلة زمنية في تحمل عبء نشر بعض كتابات المبدعين م رواد القصور والبيوت الثقافية على نفقة الهيئة تشجيعا لمشاركات مفكري الأقاليم وأدبائه ونقاده في تفعيل النشاطات الأدبية والفنية في الأقليم الثقافي . وعلى المستوى القومي نشطت الهيئة في إعادة نشر أمهات كتب التراث في كل فروع الفكر والتاريخ والعلوم والفنون والآداب وكرمتها في الأسواق بشكل دوري بجنيهات زهيدة وأصدرت عددا من السلاسل المتخصصة في فروع العلم والأدب والفن المسرحي والسينمائي والتشكيلي فخلقت بذلك الجهد الكبير مساحات واسعة التثقيف والتحاور المعاصر مع إشراقات تراثنا الفكري والأدبي والنقدي فضلا على إلقاء الضوء على جهود علمائنا ورموز نهضتنا المصرية الحديثة في المجالات المختلفة.
وفي مجال المسرح شهدت أقاليم مصر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا حركة مسرحية شبابية بازغة ومتوهجة أسهمت بحق في ضخ دماء إبداعية جديدة مبشرة في جسد الحركة المسرحية الاحترافية وفي جسد المنتج الدرامي السينمائي والتليفزيوني .. كما دور أيضاً في تدعيم نشاط المسرح المدرسي والمسرح الجامعي وفي دفع الكثيرين ممن نشأنا وتوبوا في مسرح الثقافة الجماهيرية نحو الدراسة المسرحية والسينمائية الأكاديمية بعدما تأهلوا وشربت مواهبهم
نعم كان هذا دورا حقيقيا لمسرح الثقافة الجماهيرية توهج مع مسيرة صعود الفعل السياسي والفكري القومي باعتبار ذلك النشاط جزء أصيلا من حركة النضة الفكرية والعمل السياسي الوطني والقومي المنزه عن الغرض و المتحصن ضد تحريات الشللية المريضة وألاعيبها حتى وقعت هزيمة 67 فانكسر المشروع القومي وتجمدت الخطة الخمسية. وهنا أصاب المسرح ما أصاب أعضاء جهاز الدولة .
ولما كانت مصر كشأنها تتجدد على الدوام وتمتص الصدمات التاريخية الكبرى فقد تعافت أول ما تعافت في جهازها الفكري وفي مفاصل فكرها ومنتجعا الإبداعي أدبا وفنا وكان للمسرح دورا بارزا في تضميد طرحنا القومي بما أبدع الكتاب والمخرجون والممثلون؛ فيما قدموا من عروض غطت ربوع مصر كلها الأمر الذي استحق معه مسرح الثقافة الجماهيرية لقب ( مسرح للجميع ) ولابد من رد الفضل لأهله فمن حق الفنان فاروق حستي علينا أن نعترف بدوره البازغ في إطلاق ركب الفعل الثقافي والأدبي والفني - اتفقنا معه أو اختلفنا حول مواقف آو ترتيبات تقدم فعلا ثقافيا على فعل آخر يراه بعضنا أولى باهتمام الوزارة -
ولعل تلك المقدمة قد مهدت لفكرة المد والجذر التي مرت بمسرح الثقافة الجماهيرية والتي انتهت فيما يبدو لنا الآن بحركة جذر انسحبت على إثرها ميتة الإبداع المسرحي في هيئة قصور الثقافة فتعرت شواطئ الإبداع وتصحرت الأمر الذي غيب رواد هذا الفن الزاخر عن شواطئ مسرحنا الجميل . وهنا يبرز آمامنا دور القائمين على تفعيل المسرح في هيئة قصور الثقافة ( مبدعين وفنيين وإداريين ومموليه وحركة نقدية وجمهور ) فالنشاط المسرحي لا تقوم له قائمة بدون مشاركة تفاعلية حقيقية مخلصة بين هذه الأطراف جميعا. وبالطبع لا نغفل عن الشرط الموضوعي ونقصد به المجتمع الذي ينتج من أجله مسرح الثقافة الجماهيرية .. لكن قبل الخوض في دور كل طرف لاكتشاف موضع الخلل أو الزلل الذي تراجعت بفعله أمواج الإبداع المسرحي الجماهيري هل يلبي العروض المسرحية التي تقدمها فرق هيئة قصور الثقافة حاجة الجمهور الحالي الشعورية والفكرية ومن قبل ذلك الإمتاعية ( الفرجة المسلية التي تغلف الفكر والقيم )؟!
وبمعنى آخر .. تعبر العروض المسرحية عما يشغل فكر الجماهير - حسب ثقافاتهم المتنوعة ومستوياتها في المدن والقرى-
وبالنسبة للإدارة العامة والمركزية والفرعية في القصور وفي البيوت هل يرى مدير البيت في القرية أو مدير القصر في المدينة ضرورة للمسرح ؟ ويتوسع وصراحة أكثر.. هل في نظرته إلى الفنون موسيقا ومسرح وسينما شبهة تحريم - لا سمح الله - ومن ثم يعمل على عرقلة قيام مثل ذلك النشاط في دائرة نفوذه ؟
هل يحجم الجمهور عن ارتياد العروض المسرحية بشبهة تحريم أو لغياب عادة ارتياد بيت الثقافة أو مسرح من مسارح القصور الثقافية ؟ آم هو قصور حبال الاتصال بين جمهور القرية أو الحي أو المدينة ؟
لماذا أذن يتوافد الجمهور على ارتياد مركز ثقافي أجنبي أو مركز من مراكز الجزويت الثقافية لمشاهدة عرض مسرحي أو فيلم سينمائي بينما يتغيب عن حضور عروضةمسرحية بأحد مسارح الهيئة وقاعاتها ؟!
ولماذا لا يجرب فنانو العروض المسرحية في المناطق الخلوية في المدن أو في الريف عرض أعمالهم في عقر دار الجماهير في ساحات الأسواق والجن والجراحات والبدوروم وأسطح البنايا وأسفل الكباري ذات المساحات المتسعة وفي الحدائق العامة بخاصة وقد انتهى عصر المحظورات الأمنية على التجمهر الميداني في الميادين والساحات العامة .. حيث ستخفف المسرحيون من الديكورات والكركبة التي تثقل العرض وتؤهله وتكلف الميزانية تكاليف تقيد مخيلة المخرج وتغل خياله عن تخيل بدال وحلول إبداعية تحقق بلاغة الصورة والتعبير المسرحي بما قل ودل وتمكن العرض من حرية الانطلاق من مكان إلى مكان آخر .
أليس في ذلك المنحى المقترح على فناني مسرح الثقافة الجماهيرية منفذا أو وجها من وجوه حل أزمة مسرح الثقافة الجماهيرية الآن!
فإذا كان هذا وجها للحل فهل نعلي الإدارة من دورها في صنع أزمة المسرحيين في الهيئة ؟!
أعتقد مخلصا - وليست لي طموحات عند أصحاب الحل والعقد في الهيئة أو إدارة المسرح بها- اعتقد أن مراجعة السلوك الثقافي لإدارة شؤون الفنون في البيوت وفي القصور وإعادة تقييم دور كل مدير قياسا على حجم النشاط الفني والمسرحي وقيمته ومدى تفعيله لدور الترويج لفعاليات النشاط الثقافي والفني والأدبي - أمر ضروري يتحدد على أساسه استمرار تكليفه بشؤون إدارة الموقع الثقافي من عدمه . هذا إذا حالفت الجدية الفلسفة التي يقوم عليها عمل الإدارة العليا والإدارات المركزية بخاصة والجميع يرفع شعار الولادة الجديدة بعد ثورة 25 يناير.
ومع كل ما تقدم زمع كل التمنيات الطيبة والمخلصة لتحقق ذلك تعديلا أو تجديدا لمسيرة مسرح الثقافة الجماهيرية وتبقي شئ واحد يخيفني .. صحيح أن للمبدعين أن ينطلقوا متحررين بمنهجهم الإبداعي خارجقفص العلبة الإيطالية انطلاقا في اتجاه ترويج عروضهم على نحو ما اقترحت في الميادين والساحات والحدائق العامة ؛ حيث لا موانع ولا محظورات أمنية رسمية لكن أليست ممارسات بعض التيارات السلفية أو الإخوانية المتشددة التي ترى في دور الفن دمرا مخالفا لفهمهم للشريعة حائلا دون تحقيق تلك الانطلاقة يبالعروض المسرحية في ضيافة الجماهير العريضة بديلا عن ضيافة المسرحيين النذر القليل من جمهور المعارف والأصدقاء والمشركين أنفسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان