الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعيقات الأساسية لنشر ثقافة حقوق الإنسان و دور المجتمع المدني

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2005 / 2 / 20
حقوق الانسان


نظرا لأهمية التربية في الحماية و النهوض بثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها فإن نقل المعرفة في هذا المجال في أوساط الجماهير تعد ذات أهمية قصوى في العصر الحاضر ، لذا فإن تعليم مبادئ و قيم حقوق الإنسان و التربية عليها لتجسيدها في الممارسة اليومية للأفراد و الجماعات يتطلب مشاركة فعالة لجميع مؤسسات الدولة و المجتمع ، و لكونها هذه المهمة عملية معقدة تتداخل فيها عدة أطراف باختلاف مسؤولياتها و مواقعها و مصالحها فإنها تواجه عدة صعوبات باعتبارها تجمع بين عدة جهات ذات مصالح متناقضة ، خاصة إذا اعتبرنا موقع الطفل داخل هذه المؤسسات لكونه المستهدف الأول في كل عملية تربوية و تعليمية ، و هكذا يمكن تحديد المؤسسات التي لها تأثير كبير على حياة الطفل كالتالي :

1 ـ الأسرة . 2 ـ المجتمع . 3 ـ المدرسة .

فما هو دور كل واحدة من هذه المؤسسات و المهام الموكولة لها؟

1 ـ الأسرة :

تعتبر هذه المؤسسة المنطلق الأول لتوجيه حياة الطفل و ذلك ب :
إحتضانه و حمايته و تربيته و توفير حاجياته في التغذية و متطلبات نموه الجسدي و العقلي ..
الطفل خلال هذه المرحلة التي تمتد من الحمل والولادة فمرحلة المهد إلى حدود السنة الخامسة ، يتلقى مجموعة من التأثيرات في محيط الأسرة و التي تلعب دورا أساسيا في تحديد ملامح شخصيته و سلوكه و نموه الجسدي و العقلي.
و يعتبر نقل ثقافة الأسرة أهم ما يتلقاه الطفل في هذه المرحلة و التي تطبع حياته فيما بعد و ذلك بنقل الموروث الثقافي عبر الأجيال .
و الأخطر في هذه المرحلة هو نقل العلاقات السلبية من هذا الموروث التي تتعارض و ثقافة حقوق الإنسان مثلا : تفضيل الذكور على الإناث ، أو ما نسميه في ثقافة حقوق الإنسان بالتمييز بين المرأة و الرجل .
و إذا اعتبرنا عدة عوامل مساعدة على ذلك كالمستوى الثقافي المتدني لدى جل الأسر خاصة الفقيرة التي تتفشى فيها الأمية في أوساط النساء نتيجة التمييز بين المرأة و الرجل.
هذه العوامل كلها تساعد على تسهيل الخروقات في مجال حقوق الإنسان بل شرعنتها باسم الموروث الثقافي و الخصوصيات المحلية .
من هنا يمكن اعتبار العلاقات السلبية في الموروث الثقافي في أصغر هذه المؤسسة الثلاث و هي الأسرة و نقل هذه العلاقات عبر الأجيال ، أخطر ما يهدد ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها و خاصة عندما تصبح هذه العلاقات أعرافا تطبع حياة الطفل و تقنن مصيره بللا تدخل حتى في التشريعات المنظمة لبعض المجتمعات خاصة المتخلفة منها.

2 ـ المجتمع :

هذه المؤسسة المعقدة يمكن تقسيمها إلى شقين :

أ ـ عامة المواطنين .
ب ـ المجتمع المدني .

إن المجتمع باعتباره المجال الطبيعي للأسرة و الفضاء الذي يحمي و يرعى الموروث الثقافي و يقره في شكل علاقات تحكم الأفراد ، له تأثير كبير على حياة الطفل الذي في حاجة ماسة إلى الحماية و الرعاية و التربية من أجل تنمية قدراته الجسمية و العقلية .
إن إقرار العلاقات السلبية للموروث الثقافي على شكل أعراف باسم الحفاظ على الخصوصيات المحلية ، و التي تتحول عبر التاريخ إلى قوانين تقيد الحريات الفردية و الجماعية تشكل أكبر عائق أمام نشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها .
هذه القوانين / العوائق تصبح أكثر خطورة عندما يكون النظام السائد في الدولة غير ديمقراطيـي مما يسهل الخروقات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان.
و إلى جانب الموروث الثقافي تأتي الثقافة المستوردة عبر التفاعل الحضاري مع الثقافات الخارجية و خاصة العلاقات السلبية منها في الدرجة الثانية ، و التي تهدد كيان الطفل خاصة في ظل ضعف الثقافة المحلية أمام الثقافات الأجنبية و طغيان العلاقات السلبية للموروث الثقافي .

3 ـ المجتمع المدني :

إن هذا المفهوم الحديث في مجتمعنا يعرف عدة شوائب في تناوله من طرف المعنيين و غير المعنيين بالحقل الجمعوي ، فماذا نقصد بالمجتمع المدني ؟
المجتمع المدني هو كل الجمعيات و المنظمات الحقوقية و النقابية و الثقافية و التربوية و التنموية و كذا التنظيمات السياسية التي تعتبر في موقع المطالبة و الدفاع عن حقوق الإنسان ، و يقابله المجتمع السياسي الذي يقر التوجهات السياسية العامة للدولة و التي لها تأثير كبير في حياة الأفراد و الجماعات .
من ضمن التنظيمات الأساسية في المجتمع المدني تلك التي تعنى بحقل الطفولة من ثقافية و تربوية و تنموية و ما أكثرها في مجتمعنا الحاضر ، فما هو دور هذه الجمعيات ؟
لاشك أن المجتمع المدني اليوم يشكل رقما مهما في تحديد حركة المجتمع في العصر الحديث بحكم مجال اشتغاله و القضايا التي يتناولها و قوة تأثيره على القرار السياسي ، خاصة إذا اعتبرنا تطور المجتمع المدني على المستوى الدولي أو ما يمكن تسميته بعولمة حركة المجتمع المدني ضد التأثيرات السلبية للعولمة الليبرالية المتوحشة.
إن الجمعيات التي تشتغل في مجال الطفولة تشكل الدعامة الأساسية للمجتمع المدني و ذلك لكونها في موقع يسمح لها ببلورة ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها ، خاصة في ظل تحديات العولمة الليبرالية المتوحشة و التطور الهائل في مجال تكنولوجا الإعلاميات التي لها تأثير كبير على الإعلام و بالتالي على حياة الأفراد و المجتمعات و على الأطفال بشكل خاص .
و يمكن تحديد التحديات التي تواجه الجمعيات التي تشتغل في حقل الطفولة فيما يلي :
تحديات العولمة الليبرالية المتوحشة و المتجلية في تصدير الثقافات و تدفق الأفكار و المعلومات و تطور الأساليب التعليمية و التربوية و وسائل الإعلام بشكل هائل .
التنافس الثقافي الخطير بين الدول الغربية و طغيان ثقافة الدول المسيطرة على الاقتصاد والإعلام و تصديرها عبر الإعلام السمعي البصري .
العلاقات السلبية للموروث الثقافي الشائعة في المجتمع المتخلفة و الممزوجة بالعلاقات السلبية في الثقافات المستوردة من الغرب و التي تحارب ثقافة حقوق الإنسان .
السياسة التعليمية و الثقافية التي لا تحترم مبادئ نشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها عبر البرامج و الأنظمة التعليمية و التربوية .
الأوضاع الذاتية للجمعيات التي لا تستطع بلورة ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها عبر أنشطتها التي غالبا ما تكون موسمية أو رسمية و بآليات متخلفة .
من خلال دراسة هذه التحديات يمكن تشخيص مهام الجمعيات و متطلبات حركة المجتمع المدني من أجل بلورة مفهوم ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها.

4 ـ المدرسة :

المؤسسة الثالثة التي يحتك بها الطفل بعد مؤسستي الأسرة و المجتمع هي المدرسة و تختلف عنهما بكونها مؤسسة رسمية موجهة من طرف الدولة وفق برامج و أنظمة تعليمية و تربوية مقننة خدمة لسياسة تعليمية معينة ، فما هو دور المدرسة و مكانة في نشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها ؟

تعتبر المدرسة المؤسسة الأكثر حسما في توجيه شخصية الطفل و ذلك ببلورة و تكريس العلاقات السلبية للموروث الثقافي و الثقافة المستوردة في برامجها و أنظمتها ، أو بتغيير و تطوير هذه العلاقات و بالتالي تغيير و تطوير حياة الطفل .
من هنا يبرز دور المجتمع السياسي الذي بالطبع له تأثير على مؤسسة الأسرة و المجتمع و على الطفل بصفة خاصة عبر المدرسة ، التي تعتبرها الدولة آلية من آليات ضبط المجتمع خدمة لسياستها .
فإلى أي حد تقوم المدرسة المغربية بالدور المنوط بها لتطوير حياة الطفل ؟

إذا اعتبرنا أن التربية على حقوق الإنسان تتطلب المعرفة و البيداغوجية الخاصة بتعليمها فهي بالتالي تتطلب أرضية ملائمة لممارستها في ظل الإرادة الحقيقية لجميع الأطراف رغم وجود تناقضات متباينة بينها ، مما يطرح من جديد العلاقة بين المدرسة و المحيط في الواجهة و إشكالية التفاعل الذي يجب أن يتم بينهما من أجل إنجاح أي مشروع للتربية على حقوق الإنسان ، دون أن ننسى المسؤولية الملقات على المدرسة باعتبارها المؤسسة المسؤولة على التربية و التعليم .
و هكذا نجد أن المدرسة المغربية تشوبها عدة عوائق للقيام بهذه المهمة من بينها :
الكتب المدرسية تصور واقع حقوق الإنسان تصويرا غير سليم .
البرامج التعليمية و المناهج و المواد يعتريها ضعف واضح في إدماج التربية على حقوق الإنسان .
عدم تحسيس أسرة التعليم و مؤلفي الكتب بهذه التربية .
تغييب تنظيمات المجتمع المدني عند وضع البرامج التعليمية .
المنطلقات الفكرية و الايديولوجية المتبعة في السياسة التعليمية تتعارض مع منظومة حقوق الإنسان.
رغم وفرة الكتب المدرسية فإنها تشكو من هزالة في النصوص المعبرة عن ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها .
و للقيام بنشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها على المستوى الدولي فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها في دجنبر 1994 أن الفترة الممتدة بين يناير 1995 و دجنبر 2004 تعتبر عقدا للأمم المتحدة للتثقيف في مجال حقوق الإنسان و ذلك نتيجة الاعتبارات التالية :
تقييم المجهودات المبذولة في مجال التدريب و النشر و الإعلام التي تستهدف نشر ثقافة عالمية لحقوق الإنسان ، من ـجل نقل المعرفة و المهارات و تشكيل الإتجاهات المتوجهة نحو الأهداف التالية:
تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية .
التنمية الكاملة لشخصية الإنسان و الشعور بكرامته .
النهوض بالتفاهم و التسامح و المساواة بين الجنسين .
النهوض بالصداقة بين جميع الأمم و الشعوب الأصلية و المجموعات العرقية و القومية و الإثنية و الدينية و اللغوية .
تمكين جميع الأشخاص من المشاركة بصورة فعالة في مجتمع حر .
العمل على تشجيع أنشطة الأمم المتحدة من أجل صون السلم .
و تستهدف عشرية الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان :
عموم الجماهير ـ الجماعات الضعيفة : المرأة ، الطفل ، المعاقون ، الأقليات ... ـ موظفو الدولة ـ المدارس و الثانويات و الجامعات ـ جميع مؤسسات الدولة العامة و الخاصة .
من هنا تأتي المدرسة على رأس جميع المؤسسات في هذا المجال لكونها تستهدف شريحة عريضة من المجتمع و هي الطفولة و الشباب التي تمتلك القوة و الحيوية و الاستمرارية ، كما لها امتدادات في الأسرة و المجتمع و بتربيتها على حقوق الإنسان و تشبعها بثقافتها تصبح الضامن لنشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها في أوساط الجماهير ضد جميع أشكال الإستغلال و الانتهاكات الجسيمة.
رغم أن عشرية الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان قد انتهت فمازالت السياسات التعليمية المتبعة في الدول المتخلفة بعيدة كل البعد عن إذماج ثقافة حقوق الإنسان في مدارسها ، و ذلك راجع إلى طبيعة الأنظمة غير الديمقراطية بهذه الدول و التي تحول دون نشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها و تكرس الانتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان .
لهذا يطرح على المجتمع المدني اليوم العمل على بلورة مشروع مجتمعي يهدف إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان و التربية عليها ، و ذلك باستهداف محاربة العلاقات السلبية في الثقافات المحلية الموروثة و العلاقات السلبية في الثقافات المستوردة ، و العمل على مواجهة السياسات التبعية للانظمة الرجعية بالدول المتخلفة في عولمة النضال ضد عولمة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .

تارودانت في : 19/02/2005
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موفدة العربية ترصد تطورات التصعيد على الضاحية ومأساة النازحي


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - ‏الأمم المتحدة تدين العدوان الإسر




.. بتوقيت مصر يناقش رفض مصر للتصعيد في المنطقة أمام الأمم المتح


.. تفاقم معاناة النازحين في لبنان




.. عشرات النازحين يفترشون الأرض في الحدائق ببيروت بعد أن فروا م