الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلم ..والبلم العشّاري..!

سنان أحمد حقّي

2012 / 8 / 19
الادب والفن


البلم ..والبلم العشّاري..!
في لسان العرب والمختار والقاموس المحيط تجد أن مفردة بلم تعود إلى الأبلمة ، والأبلمة هي الخوصة والخوصة هي ورقة من سعف النخيل طويلة ومزدوجة ومقطعها يُشبه الرقم سبعة العربي أو الثمانية بالطبع وإذا قسمتها تنقسم طوليّا من أولها إلى آخرها عن جزئين متناظرين ولهذا يُقال شقّ أبلمة وقيل كما في لسان العرب والمحيط ( المال بيننا شقُّ أبلمة أي بالتساوي وهو مثلٌ يُضرب للتساوي والتعادل من الأول حتّى الآخر كما أسلفنا وقد استعير هذا المعنى للقارب أو الزورق الصغير المعروف بالبلم فهو كالخوصة طويلٌ وإذا إنقسم فإنه ينقسم طوليا من الأول حتّى الآخر إلى نصفين متمتثلين طوليّا.
ولهذا فالبلم غير موجود إلاّ في المدن التي يكثر فيها النخل وفي المناطق التي تخترقها الأنهار والجداول لنقل الأشخاص ومنه أيضا ما يُستعمل لنقل البعض من الخضار والفواكه والمحاصيل المحدودة بيد أنه يوجد منه أحجام أكبر تصلح لنقل الحاصلات الزراعيّة والبلم الموصوف يتم تسييره بالمردي وهي عصاة طويلة جدا يغرسها صاحب أو مسيّر البلم في قاع النهر ويدفعها وهو يسير من أوّل البلم حتّى آخره ثم يرفعها ويعود إلى مقدمة البلم ومعه العصا أي المردي إلى مقدّمة البلم ويكرر حركته فتتم مسيرة البلم إلى أمام وقد يفعل العكس إن أراد السير إلى الوراء وعندما يكون منسوب الماء عاليا ولا يعود المردي نافعا او أن يكون القاع بعيدا فإنه يستخدم مجذافا يدويا برأس واحد أو بكفتين يجذّف بهما من الجانبين لتسريع حركة البلم ولكن الأداة الغالبة هي المردي اي العصا الطويلة والتي توضع في رأسها كميّة من القار للإمساك بها ودفعها.
وقد يجهل الناس طريقة الدفع بالمردي عندما تنغرس العصا في قاع النهر وتغور فيها قليلا وعندما يُحاول البلاّم سحبها يُمسك القعر بها فيشدّ البلاّم فيعود الفعل على البلم فينقلب كليّا وقد رأيت في مدينة كمبرج البريطانيّة نفس الطريقة في التجذيف لقوارب لا تشبه البلم ولكنها طريقة التجذيف والمردي وكان الجميع يُحذّر من إحتمال إنقلاب القارب عند رفع المردي من قاع النهر بعد أن يعلق نتيجة الدفع القويّة إلى القعر وهي نفس العمليّة .
ولا يكون البلم بلما إلاّ إذا كان طويلا ومتماثلا تماما أي كالخوصة سالفة الذكر وهو كشق الأبلمة تماما ولهذا سمّيَ بالبلم والفارق الأكبر أنه طويل أي أطول من كل ما يماثله من القوارب وبالضبط كالخوصة وكما قلنا يتم التجذيف به بواسطة المردي عندما يكون المنسوب محدودا ولكن البلام يستخدم المجذاف عند المنسوب الأعلى .
البلم يكاد يكون قاربا شخصيا أو عائليا لأنه لا يسع عددا كبيرا من الأشخاص ، ولهذ كثيرا ما يُستخدم لأغراض التنزّه والسفرات النهريّة القصيرة وهو مرغوب لهواة صيد السمك أيضا وغالبا ما يُستخدم بلا غطاء (قمارة)لأن المتنزّهين يقومون بجولاتهم عصرا أو مساءً ولا حاجة لـ..( القمارة ) كما يندر أن تجد بلما تُركّب له أشرعة إذ أنه لا يحتوي على أية سارية وليس هناك مكان تُركّب فيه أيّة قلوع وما يحتوي على الشراع فليس هو ببلم بل يُسمّى بوما أو شوعا وهكذا من التسميات التي يختصّ بها أهل البحر والصيد في البحر لا النهر وتكون قوارب البحر أكبر حجما وتُستعمل فيها الأشرعة وتوضع لها الصواري بهدف تسريع السير في البحر .
وأستغرب وجود تسمية البلم في البلاد والمدن المطلّة على البحر لأنها أي المدن البحريّة ليس فيها نخل ولا خوص ولا ينفع فيها إستخدام البلم لأنه قارب صغير والبحر يحتاج إلى ما هو أكبر ولهذا فمن الغريب أن تجد أن أهل الكويت مثلا يُسمون بعض القوارب بالأبلام وهذا خطأ يبدو لي خطأ شائعا .
إذ لا بلم إلاّ في البصرة ولهذا تم التخصيص وقيل البلم العشّاري أي المنسوب إلى منطقة العشّار بالبصرة وهي منطقة الأعشار والتجارة والنقل حيث تجتمع الأبلام التي تنقل الخضار والفواكه وكذلك أبلام التنزّه في النهر حيث تكون مختلفة ومزيّنة بالأفرشة النظيفة البيضاء والمبطّنة بالستان الملوّن الأحمر والأزرق أو الأخضر والأصفر وهكذا.. وهي بذلك تشبه في مهمتها الجندول البندقي أو الفينيسي في إيطاليا مع أن الجندول له شكل مختلف يقترب من شكل ( المشحوف) الذي يتم إستخدامه في الأهوار فقط بسبب ضحالة مياه الأهوار والمستنقعات.
والبلم العشّاري ينتهي من نهايتيه أو أحدهما بشكل حلزوني متميّز مصنوع من الخشب ويجري تلوينه بألوان برّاقة ولا تجد لهذا القارب البصري الأصيل أي مثيل في أيّة منطقة أخرى ولهذا يُسمّى بالعشّاري فهو ملازم لمنطقة العشّار بالبصرة .
كما أنه للأسف الشديد لم يعد أحد يرى هذا القارب أو البلم العشاري في البصرة حيث حلّت مكانه قوارب مختلفة تُركّب فيها محركات ديزل وتسير بسرعة عالية وهي وإن كانت عمليّة لكنها كثيرة التلويث للبيئة وبيئة النهر ولا تخدم جو السفرات وما يتخللها من أغاني تصدح في اليم لا يعكّرها صوت المحرّك وضجيجه
لهذا لا يُطلق إسم بلم إلاّ على القارب الرشيق والطويل جدا وكأنه خوصة سعف النخيل الذي إن إنقسم فإنه ينقسم طوليا من أوله إلى آخره إلى شقّين متماثلين .
ولا بلم عشّاري إلاّ ذلك البلم الموصوف فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ سنان المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 8 / 19 - 06:00 )
تحيه وتفدير
اخذتنا الى هناك والى تلك التي خلت
يابو بلم
يابو بلم عشاري
الشوك هدني والوكت
ضيع عليه اخباري
حمدان حدر....والباقي عليك
يقال ان ليس لا بلم اليوم فقط وانما النهر الى جفاف او الى موت
اكرر التحيه


2 - نعم..!
سنان أحمد حقّي ( 2012 / 8 / 19 - 08:43 )
للأسف صحيح وإذ لا بلم اليوم وقد أصبح ماؤهم غورا فإننا إلى رحمة من لدنه لمنتظرون
فهل يُصلحها سوى أهلها ؟
تحياتي لكم ولفؤاد سالم وأغنيته الشهيرة ومن خلالكم إلى جميع أهالي البصرة الأصيلين منهم والوافدين ،
تحيّة إلى جمجمة العلم البصرة الزهراء


3 - لا بلم و لا عشار
صادق البلادي ( 2012 / 8 / 19 - 12:48 )
لم يبق نهر العشار نهرا ، ، السيان والزبل هي التي تراها بدل الماء الصافي تراها في المدة و
الجزر ، ونهرالعشار بدأ زوال بهائه منذ الجمهورية الأولى عندما كصت شارع الكويت وأزالت
تراث المدينة وعمارتها على الجهة اليمنى من النهر باتجاه البصرة، فأزالت تراثا وذكريات شهدناها في طفولتنا ويفاعتنا في محلة البجاري في العشار، التي يحدها نهرالعشار من الجنوب.
ركبت البلم أول مرة ولي من العمر خمس سنوات، عندما نقلونا، النساء والأطفال، الى الدعيجي ، الى بيت شيخ محمد حسن دكسن، أيام دكة رشيد عالي الكيلاني، وارتفع الصراخ
عندما توسط البلم، شط الجبير ( شط العرب)، كما يطلق عليه، إذ صادف مرور مركب ،أخذت أمواجه العالية تتلاعب يالبلم ، لكن وصلنا هناك سالمين، وكان عام 1941، عام حركة رشيد عالي الكيلاني، قد صادف حدوث فيضان.
ولو لا يوجد رابط بين الحديث عن البلم وعن الفرهود،
ولكن قد قد لا يتقول المتقلون أني أذكر حركة رشيد ولا أشير الى الفرهود، أتذكر كيف حدث
فرهود في سوق التجار، لكن المسلمون من التجار أغلقوا السوق و قاموا بناوبات حراسة
لدكاكين اليهود.
شكرا على كتاباتك الغنية، والبديعة.
حبذا لو حصلت عنوانك أو تلفونك..


4 - البلام اهم من البلم
محمد علي محيي الدين ( 2012 / 8 / 19 - 14:16 )
الاستاذ الكريم
يبدو انك في غمرة اهتمامك بالبلم العشائري تناسيت اهم الابلام التي استعملت في العراق على مدى تاريخه الطويل واعني به البلام الذي يوضع في فم وليد الدابة لمنعه من الرضاعة فيقال عنه مبلم وهو وصف يطلق ايضا على كبت الحريات وكم الاصوات وقد قلت في قصيدة قديمة واصفا الظلم الذي احاق بنا -مثل الغنم ومبلمة-
وهذا البلام اهم من بلمكم العشاري الذي اقتصر استعماله على المدن التي فيها انهار فيما يستعمل بلمنا في العراق من شماله الى جنوبه وشرقه الى غربه دمت بخير وشكرا على هذه السياحة الجميلة


5 - الأستاذ محمد علي محيي الدين
سنان أحمد حقّي ( 2012 / 8 / 20 - 11:20 )
شكرا لمروركم وقد أصبت في لفت إنتباهنا إلى التبليم والغضب الناتج عن ما يُسميّه أخواننا المصريون حلويات ( سد الحنك) وأكتفي بقول الشاعر الشعبي القائل: متظل دوم مغيّمة، هم ربّك يصحّيها ..!وإن الوطن الذي أنجب أولئك المناضلين والقادة التاريخيين لقادر أن يفكّ كل المعوقات والعراقيل والمثل يقول : الدنيا عمرها أطول من عمرأهلها، سلّم الله بلادنا وشعبنا ورموزه الوطنيّة الحقيقيّة من أمثالكم من كل مكروه ونقول في الجنوب تطلع الشمس وتترس الدار
تقبذلوا منّي أزكى التحيات والأماني بمناسبة عيد الفطر المبارك

اخر الافلام

.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار


.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما




.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار


.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا




.. كل الزوايا - وزارة الثقافة تعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة