الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو نزعة انسانية جديدة

طارق بن محمد

2012 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تم استلاب الانسان في المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي, و هو استلاب تم على مستويات عدة , و على رأسها استيلاب وعي الانسان , و الزج به في عوالم استهلاكية خيالية , لايكون مطالبا فيها باستعمال ذكائه و خياله و عبقريته و عقله, بقدر ما يكون مرغما على الاستهلاك الأعمى. و من الميكنيزمات النفسية التي توظف من أجل تحقيق هذا الغرض هناك على الخصوص تقيد الانسان بأصفاد غير مرئية , تبيع له القيد معلبا في علبة الحرية , بمبادئ من قبيل الفردانية و الحرية الشخصية الخ ... و هناك ميكنيزمات عديدة و معقدة تساهم في هذا الاستلاب , مخططة في مخابر الشركات العظمى المستفيدة الأولى و الأخيرة من زيادة استهلاك ما ينتج في الدول المصنعة.
يكمن الجانب السلبي في عملية الاستهلاك الغير الواعي هو أنه يقود حتما الى السقوط في فخ مبدأ الامتلاك ,الذي يقلص الحياة الانسانية في الأشياء و المواد التي تقدم له, ليصبح الانسان نفسه بضاعة تباع و تشترى, تماما كالبضائع الأخرى, فمثلا الحب تحول الى جنس ,و أفرغ من كل مضمونه الانساني.
ان أي سلوك للفرد في مجتمع ما محكوم بطبيعة نمط الاقتصاد السائد في هذا المجتمع, لذى فالفرد في المجتمع الرأسمالي الليبرالي محكوم بقواعد و ثقافة الرأسمالية .ان المجتمع الرأسمالي هذا يحتاج الى أناس يكون بامكانهم التعاون في مجموعات كبيرة , يريدون الاستهلاك باستمرار و يكون ذوقهم مقننا يمكن التنبأ و التأثير فيه, انه بحاجة الى أناس يشعرون أنهم أحرار و غير تابعين, غير خاضعين لأية سلطة و لأية مبادئ و لأية ضمير , لكنهم على استعداد دائما ليقادوا و ليعملوا ما هو مطلوب منهم, انه في حاجة الى أناس يمكن قيادتهم دون قائد , يمكن تحريكهم دون أن يكون لهم هدف سوى الحركة.للأسف لقد نجحت ثقافة الرأسمالية في خلق مثل هذا الانسان," انه انسان ألي مغرب".

اذا ما الامكانية التي يمكن من خلالها اعادة احياء نزعة انسانية جديدة ؟

يشترط أن يعي الناس وضعيتهم الحالية,أي واقهعم الواقعي , وليس الواقع الذي تصنعه وسائل الاعلام.أيضا يجب نقد المجتمع الاستهلاكي الرأسمالي وتقديم مبدأ الوجود على مبدأ الامتلاك.فان الفخ المحكم الذي سقط فيه عالم اليوم في اتون الاستهلاك و الشهوات المادية غير المعقلنة هو تشيئ الانسان ,بمعنى أن قيمة الفرد أصبحت رهينة بما يملك من أشياء.فمن الضرورة محاولة تجاوز هذه الأيدي الخفية التي تدفعنا للمزيد من الاستهلاك الغير الواعي, و التي تعتبر الانسان شئ.كذلك وجوب ايجاد توازن بين مبدأ الامتلاك و مبدأ الوجود , هذا الأخير الذي يمكن تنميته عن طريق عقلنة الاستهلاك الفردي بالتصدي لاغراءات السوق.
ان الانسان من الممكن جدا أن يعيش من قوته الذاتية,لاكن هناك متطلبات اقتصادية و سياسية و ثقافية اجتماعية تؤدي به نفسيا الى التغرب و فقدان الطريق الى ذاته و الى المجتمع.هذا ما وقع فعلا, فالانسان العصري الذي فقد انسانيته بفعل ثقافة لا انسانية تغزو العالم أصبح وحيد و خائف, حر , لاكنه يخاف من هذه الحرية, انه يعيش كما قال السوسيولوجي الفرنسي دوركهايم في انعدام المعاير ,يتميز بالتمزق أو بالاستسلام.
اذا لابد من نزعة انسانية جديدة تسعى الى عالم تسوده القيم و الأخلاق و العدالة , ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل هيمنة النظام الرأسمالي الذي اصبح عاجزا عن تقديم شئ للبشرية , بل أصبح عدوا لذوذا لها , اذ من أجل الحفاظ على استمراريته انقلب في مرحلته الامبريالية الى قوة دمار وحشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في