الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض معيقات الاطمئنان على المسار الديمقراطي بالمغرب

سامر أبوالقاسم

2012 / 8 / 19
السياسة والعلاقات الدولية


الداعي إلى الكتابة اليوم هو التفاعل مع تلك الكذبة التي أطلقها حزب العدالة والتنمية في يوم من الأيام حول كونه حزبا ديمقراطيا، واليوم أصبح العديد من قيادييه يصدقون هذه الكذبة، ويتصدون للكتابة من منطلق أن هذا الحزب ديمقراطي حتى النخاع.
هذا الحزب الذي رجع ـ من خلال أدبياته السياسية المعروضة على المؤتمر الأخير ـ بقوة إلى كل المواقف القديمة التي يؤطرها شعار المرجعية الإسلامية، بما في ذلك اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات والقوانين، وذلك استقواء بموقعه السياسي الجديد، الذي بوأته إياه صناديق الاقتراع على رأس الأغلبية الحكومية الحالية.
هذا الحزب هو نفسه الذي يتحدث قياديوه هذه الأيام عن أن السياق المغربي لا يكفي فيه التوفر على "وثيقة دستورية مكتوبة متقدمة عن سابقاتها حتى نطمئن على المسار الديموقراطي لبلادنا، ذلك أن الممارسة العملية تكشف على وجود تصرفات تتجاوز روح الدستور ومنطوقه بشكل مباشر، وهو ما يعني أن هناك معوقات بنيوية تعوق التطبيق السليم للدستور".
المؤكد هو أننا متفقون تمام الاتفاق مع هذه الخلاصة، غير أن تحديد هذه المعوقات في نظرنا يرجع بالأساس إلى الحكومة الحالية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية ذاته، الذي يفتح الباب على مصراعيه لاحتمال لجوئه إلى تأويلات غير ديمقراطية لكل مقتضيات الدستور الحالي؛ إما بفعل ركوبه مطية المرجعية الإسلامية، وإما بسبب عجزه السياسي عن مباشرة التخطيط الاستراتيجي لقضايا المجتمع المغربي، وعدم معرفته بالطرق والتقنيات العلمية والعملية للبرمجة الدورية للخطوط العريضة لما أسماه برنامجا حكوميا، وافتقاده للدراية والخبرة والتجربة في مجال أجرأة التوجهات والاختيارات السياسية على أرض الواقع.
علما بأن الحكومة، وفق مقتضيات الدستور الحالي، تعد الفاعل المركزي في مجال التكيف السريع مع دستور 2011، الفاعل الذي لا يتبين لحد الآن توفره على الجرأة والإرادة اللازمتين لاعتماد أحسن وأقصى التأويلات الديمقراطية. وهو ما يترك الحبل على الغارب، ويحد من قابلية باقي مكونات الساحة السياسية للمساهمة في توفير الشروط المطلوبة للترافع من أجل التطبيق الديمقراطي للدستور.
وسيكون من البلادة السياسية أن يعتقد حزب العدالة والتنمية أن باقي مكونات الحق الحزبي ستقع في مطب الورقة السياسية الهادفة إلى وضع المؤسسات السياسية الكبرى في وضعية صراع شرس يودي بكل الجهود التي أطلقت الأوراش الإصلاحية الهيكلية الكبرى منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي إلى الآن.
والواجب يقتضي من الحزب الذي يرأس العمل الحكومي اليوم أن يدخر كل الجهد في توفير شروط الثقة التي تؤسس لشراكة حقيقية وفعالة بين جميع المؤسسات، لا أن يلعب بالنار ويهدم كل الأسس والمقومات التي يمكن أن تقوم عليها هذه الثقة. ودون ذلك فأي منحى آخر، خاصة ذاك الذي يدفع في اتجاه تأجيج شروط المواجهة والصراع مع باقي مكونات المشهد السياسي، لا يمكنه أن يشكل سوى تعبيرا عن عجز قياديي حزب العدالة والتنمية عن توفير الأجواء السياسية المساعدة على إصدار القوانين التنظيمية المكملة لمقتضيات الدستور الجديد، وعلى تغيير وتعديل العديد من القوانين العادية، لتكتمل صورة التغييرات الدستورية والمؤسساتية والسياسية التي انطلق المغرب في مباشرتها منذ زمان.
إن ما جاء في أطروحة حزب العدالة والتنمية في مؤتمره السابع، لمن شأنه أن يشكل معوقا أساسيا، حين يتم التركيز على مثل هذه التعبيرات: "يستمد حزبنا أصوله الفكرية وأسس مشروعه المجتمعي من المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع المغربيين .. نعتبر أن الدين الإسلامي يشكل أسمى الثوابت المكونة للهوية الوطنية، باعتباره إطارا مستوعبا منفتحا على كافة مكوناتها الوطنية، وحيث إننا ننطلق في فهمنا للإسلام من أنه مبادئ وأحكام ومقاصد يتم تنزيلها على أرض الواقع..."، فهذا الفهم الديني الذي يحيل على تلك التجارب السياسية التي استبدت عبر التاريخ بمنطق نظريتي الحق الإلهي والعناية الإلهية يجر إلى الخلف ولا يعبر عن الأهلية المطلوبة لكسب الاستحقاقات التاريخية، وهو ما يتطلب الانتباه المتيقظ لما يقوم به هذا الحزب اليوم من الموقع الحكومي، الذي قد يجر البلاد إلى ما هو أفظع مما رأينا في تجارب بعض دول المنطقة في الآونة الأخيرة.
نحن اليوم أمام دستور جديد، لكن الثقافة السياسية الدينية التي تشكل منطلقا للتفكير بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي يقود العمل الحكومي اليوم لازالت تنهل من معين قديم غارق في تجارب التحكم والاستبداد والفساد، ولا يمكن للدستور الجديد أن يكتسب مفعوله الديموقراطي المنشود إذا لم يتخلص العمل الحكومي من منظور الحزب الذي يرأسه، ولم تتحرر الحكومة الحالية من ثقل الخطابات غير المشفوعة بالأعمال الميدانية، ولم تتبرأ من بعض ممارسات الوزراء التي لا يمكن أن تدخل سوى في إطار التراشق الحزبي الضيق، الذي لا يمت بصلة إلى النفس الاستراتيجي المطلوب في كل من يتحمل المسؤولية من هذا موقع تدبير وتسيير شأن كافة المغاربة دون استثناء.
فالشراكة الفعالة في البناء الديمقراطي بغاية تحقيق الكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية تقتضي من قوى الصف الديمقراطي اليوم رفع تحدي أخذ العبرة من نتائج اقتراع 25 نونبر 2011، والعمل على توفير شروط إعادة النظر فيما ترتبت عليها من نتائج، جعلت حزب العدالة والتنمية يتبوأ موقع قيادة العمل الحكومي الحالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها