الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمر الدراما و التاريخ

جقل الواوي

2012 / 8 / 19
الصحافة والاعلام


عمر الدراما و التاريخ
كسر حاتم علي تابو تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية و لكنه بقي "رغما عنه" أسير تابو عدم المس بعدالتهم و فضلهم ،تحيز النص لهذه التفصيلات و اظهرهم مبتسمين مستبشرين واثقين و متضامنين و هو بذلك برأ ذمته تجاه سيرة ابن هشام و أحاديث البخاري و الشهير المتداول في كتب الأخبار و التاريخ، و لم يخيب رجاء القرضاوي و بقية الأئمة الذين وافقوا على ظهور عمر و زملائه المبشرين بالجنة،أراد حاتم علي كذلك أن يمتص الهزات الإرتدادية التي قد تنشأ عن تجسيد عمر فأختار ممثلا لم يعمل “كممثل” من قبل و أشترط عليه ان لا يعمل إلا بعد خمس سنوات و كأنه أرتكب إثما و يريد أن يحفر حفره عميقة و يطمر إثمه فيها فلا يظهر له أثر بعد ذلك.

تتبع النص أخبار عمر و مزجها بأخبار البعثة النبوية و أخبار مكة، بدأ مع شباب عمر و بداية نبوة محمد و لم يشر الى ما كان قبلها و لعل قلة أو إنعدام المصادر التاريخية سببا في ذلك، ظهر عمر و منذ المشهد الأول متأملا ممسكا بعصا معقوفة النهاية و هي العصا التي لم تفارق "يساره" طوال المسلسل، كان يستمع كثيرا و يتكلم قليلا، لا ينفعل مع الحدث يكتفي بالمراقبة و الشرود، و هي حالة كاهن أكثر منها حالة صاحب موقف معارض للدين الجديد، لم يظهر عمر معاديا لمحمد “في صورة تعابير وجهه على الأقل” كما صورته كتب التاريخ بل كان حياديا "إيجابيا" و ربما متعاطفا الى حد كبير أفصحت عن تعاطفه نظرات عينية و تأملاته العميقة التي لا تنتهي و ساعدته موسيقا المشهد في تكوين صورة رجل تقبل روحه طرح محمد الجديد و ينتظر فرصة ما ليلتحق به. لذلك فشل مشهد دخوله في الإسلام الذي بدأه عازما على قتل النبي و أنتهى و هو مؤمن عميق الإيمان.و لعل حاتم علي كان أكثر توفيقا من ابن اسحاق فحاتم مهد لإيمان عمر بمجموعة مشاهد تظهر عمر متأملا و مفكرا الأمر الذي لم يظهره ابن إسحاق الذي لجأ الى ما يشبه الإنعطاف في سيره عمر عندما نقله من الكفر الى الإيمان بمجرد قراءته لعدة آيات من سورة طه.فشل المشهد لا يسأل عنه حاتم علي و هو الذي نقل عن ابن اسحاق و لكن المسؤول هو الخبر “غير المعقول” ذاته الذي أراد أن يضفي على عمر صورة الرجل المتأثر بالقرآن من “أول نظره” و كأن عمر يستمع الى القرآن لأول مره.

ركز المسلسل في بدايته على ما تصفه المصادر قوة عمر الجسدية تحت سطوة هذه الفكرة أظهر حاتم علي عمر في الحلقة الثانية كبطل في المصارعة الرومانية و هي حالة بدت نشازا وسط هالة الكهنوت التي لم تفارق عمر منذ المشهد الأول و حتى النهاية،شهرة عمر التاريخية لا تقوم على قوة جسدية و من هو مثله ليس بحاجه الى مثل تلك القوه مع ما يتمتع به من حسن تقدير و نظره ثاقبه و حضور طاغ، و لكن الخيال الشعبي الذي لا يقبل بطله إلا كاملا وضع في عمر قدرات المصارعين، و أعطاه شكلا غير متناسق بطول فارع يتجاوز طول الجمل مع سنامه وهي صورة غير معقولة و قد يثير مثل هذا الرجل الرعب اكثر ما يثير الإهتمام و الإنتباه.تعود شهرة عمر و نجاح فترة خلافته الى مقدرته “الإدارية” الفذه، و حاسة التنظيم العالية لديه فقد كان وراء مجموعه من الإجراءات التنظيمية ذات التاثير غير العادي منها التأريخ الذي لا يزال سار بتأثير عمر حتى هذه اللحظة و تبنيه لفكرة الدواوين لتسجيل اسماء المقاتلين و رواتبهم و رتبهم و جمع القرآن و تنظيم المدن، و الأدهى من كل ذلك حسن إختياره للولاة و القادة و عدم تردده في عزل غير المناسب منهم حتى غدت تعيناته مرجعا للعهد الذي تلاه.تقود تلك المواهب شخصية قوية حاضرة صلبه و مؤمنه بشكل عقائدي لا يقبل الشك، وفوق كل ذلك إلتزامه “البيروقراطي” الذي يدعو الى الدهشة حتى نُقل بأنه لم يجد داع لتقبيل الحجر الأسود ولولا مشاهدته النبي يقبله ما قبله ابدا.و هذه النقاط لم يلتفت إليها المسلسل إلا بالقدر الذي اتاحه ابن اسحاق و من تلاه من مؤرخي ذلك العصر الذين تناولوا الأخبار كما تبدو و لم يحاولوا عبور قشرتها الخارجية الى عمق نقدي يظهر منها وجوها غير مرئية..

إخلاص حاتم علي للتاريخ أضاع منه الدراما فمن يرى عيني عمر في المشهد الأول كمن يرى عينية في المشهد الأخير و الأمر ينطبق على كل قسماته زاد البياض في شعره و فقد القسم الأمامي منه و ما بقي منه ظل على حاله، لم نجد قصة تتصاعد أو تخبو لم نصادف تلك المشاعر و العواطف التي تستخدمها الدراما لتمسك مشاهدها أطول فترة ممكنه لم نجد إلا مشاهد متلاحقة تصور بالكاميرا و بأكبر عدد من المجاميع خبرا من أخبار الطبري أو ابن اسحاق بما يمكن تسميته تصوير التاريخ،لم تغب هذه النقطة عن حاتم علي فخلق بعض “الدراما” في قصص جانبيه كان التاريخ خلفية مضيئة لها كقصة حبشي قاتل حمزة و هي من اللمحات المضيئة التي برهن فيها حاتم علي عن فهمه لمهمته الدارمية و رضوخه لقسوة حضور التاريخ الذي قيد يديه بخلق واقع درامي لعمر كذلك الواقع الذي ابتكره لوحشي.

ممثل حاتم علي ذو طاقة تعبيرية جيده و لكنه لم يفلت من تقليديات قديمة صورت المشركين بشكل بشع و ألوان قاتمه و اسبغت على المسلمين ألوانا بيضاء رزينه و هو ما التزم حاتم علي بحرفيته و كثف البشاعة على وجوه “الكفار” باشكال الذقون و اللغة القاسية و الضحكات الهستيرية التي تصدر عن المهوسين،و كانت معاركه تقليدية رغم البذخ الواضح و أعداد الخيول و المقاتلين و الفيله. أما شقلبات الرجالة و مبارزات الفرسان فقد تكررت في أفلام و مسلسلات سابقة بشكل شبه مستنسخ و ظهر متاثرا الى حد ما بأجواء فيلم الرسالة بالملابس و القلادات، و كانت مي سكاف “هند بنت عتبه” مميزة و لكنها لم تتجاوز منى واصف قيد أنمله رغم مرور عقود بين العملين،بعكس فيلم الرسالة أختار حاتم علي أن يخفف الإضائة مما أضفى على الصورة شيئا من التعتيق عزز الصدق فيها، أما المرحى التي يسحقها كاتب و مخرج العمل و منتجوه فلأنهم أخرجوا عمر من بطن التاريخ المغلف بالتقديس الى وسط أضواء الدراما الرمضانيه حيث أمكن لمسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا