الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب القذرة الصراع المسلح بين السوريين إلى أين؟

احسان طالب

2012 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في أول يوم من أيام عيد الفطر 19-8-2012- يسقط في سوريا ما يقرب من مئة وخمسين شهيدا جراء القصف والحرب الدائرة بين شعب ثائر ونظام قاتل، لم يعرف التاريخ شبيها له، يقاتل أبناء وطنه ويقتلهم ليحكمهم شاؤوا أم أبوا.
المكان مدينة زملكا الصغير ة التي تبعد عن العاصمة دمشق بضعة كيلو مترات الزمان 30- 6- 2012 الحدث مئات من المشيعين يسيرون خلف نعش محمول على الأكتاف لشهيد سقط بالأمس برصاص رجال الأمن، قذيفة تسقط فوق رؤؤس المشيعين فيسقط عشرات بين قتل وجريح ، بعد أسابيع يتكرر المشهد في قرية حجيرة قذائف تسقط فوق رؤوس مشيعين لشهداء الأمس وإذا بهم يتحولون لقتلى اليوم ، في الحولة بريف حماه يقر المراقبون الدوليين بوجود ما يقرب من مئة وعشر جثث لمدنيين أكثر من نصفهم نساء وأطفال ، في ذات الريف الحموي وفي قرية التريمسة وقبل مرور أسابيع يتكرر مشهد مأساة الحولة وتتكرر شهادة المراقبون دون جزم بتحديد المسؤولية مع التأكيد بأن السلطات استخدمت في كلتا المنطقتين كافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وحتى المروحيات، اليوم 24- 7-2012 تحتدم المعارك بين كتائب النظام ومسلحين معارضين في أحياء رئيسة من دمشق العاصمة السياسية وحلب العاصمة الاقتصادية السورية، وتواترت أنباء عن انسحاب الجيش النظامي السوري من مدينة القامشلي في الشمال الغربي وما حولها من مدن وبلدات وسيطرت قوات مشتركة بين المجلس الوطني الكردي والمجلس الشعبي الكردستاني، كما تواتر أنباء عن سيطرة قوات المعارضة المسلحة على معابر حدودية رئيسة بين سوريا وتركيا في ظل هذه الأوضاع المتفاقمة يتصاعد عدد القتلى السوريين ليتجاوز عتبة 200 شهيد يوميا
الحرب هنا تدور رحاها دون توقف حتى تحقيق النصر المؤزر دون مراعاة لحجم الخسائر أو الأثمان الباهظة فلا مراعاة لقيم إنسانية أو حضارية أو قواعد ومواثيق دولية ، المهم فقط هو دحر العدو وتحطيمه وقتله، تدمير الإرث الحضاري مباح ، تدمير الإنسان وقتل الروح الإنسانية في نفوس المقاتلين ليتحولوا إلى وحوش شرسة عنيفة ، لا يردعها عويل نساء أو صرخات أطفال، انتهاك الأعراض وهدم المقدسات ، مفردات عابرة في قاموس تلك الحرب الشاملة ، تنتشر أفقيا وتتوسع دون قيد أو شرط ، تستخدم كل أنواع الأسلحة الفتاكة، المباحة والمحرمة ، هناك هدف رئيس لابد من تحقيقه بصرف النظر عن كم الدماء وحجم الدمار.
الوصف المذكور أعلاه ليس توصيفا لغزوات المغول والتتار على بغداد ودمشق وليس، فصلا مكررا من فصول الحرب العالمية الأولى والثانية ، إنه فصل راهن من فصول الصراع الدائر على جنبات التراب السوري ، وبين أحضان النساء والأطفال العزل ، المحرومين حتى من حق المطالبة بمعاقبة ومحاسبة الفاعلين والمجرمين، فالمجتمع الدولي لا يتجرأ على إدانة الفاعل ولا يملك قدرة على وقفه ، فهو متردد ومنافق يبيع ويشتري، تقود تحركاته حسابات إستراتيجية بعيدة عن الاهتمام بتخفيف معاناة الشعب السوري ومساعدته لتحقيق مطالبة المشروعة المتفق عليها عالميا، حتى أولئك الذين لا يحرك فيهم ساكنا مئات الجثث من الأطفال والنساء ، يوافقون على ضرورة التغيير الحقيقي الحاسم بنقل السلطة لمن يرضى عنه الشعب.

لا يستطيع أحد إنكار غياب القيادة السياسية الكلية أو على الأقل انفصالها الجزئي عن الحراك الثوري المسلح ، كما لا يمكن إغفال إمكانية وجود جماعات مسلحة غير منضبطة ، بل ووجود عناصر إجرامية تستغل حالة الفراغ الأمني لتقوم بعمليات سلب ونهب واختطاف ، واللافت أن تلك المجموعات عندما تقوم بعملها عادة ما تعرف عن نفسها بأنها جماعات لا تنتمي للقوات النظامية أو قوات الجيش السوري الحر ، ومن المؤكد أن النظام كان له دور بارز بإنشاء جماعات متطرفة، وإرهابية ، فتح الإسلام ، جند الشام ، جماعة غول أغاسي الذي كان يدرب المسلحين ويدعو للعمليات الإرهابية من على منابر مساجد مدينة حلب ، وغيرهم كثير يشكلهم وينشرهم وهم الآن متواجدون أكثر من أي وقت مضى، ولما كان النظام قد استعان بهم في ظروف أقل تعقيدا وأقل خطرا مما هو عليه الآن ، كان من الطبيعي والمألوف جدا استعانته بهم في ظل هذه الظروف ،من هنا يزداد الوضع السوري غموضا وتعقيدا ، خاصة وأن الغرب يرى الأحداث في سوريا بالمنظار الإسرائيلي ، وروسيا ترى المشهد السوري من خلال مصالحها القومية العليا دون اهتمام بمأساة شعب يذبح ويقتل يوميا بسبب توقه للحرية والكرامة والديمقراطية ،لذا نرى المجتمع الدولي يعمل على جدولة القضية السورية ويرحلها لما بعد الانتخابات الأمريكية ، وفي هذا السياق يأتي التمديد النهائي للمراقبين الدوليين لمدة 30 يوما بدأ من انتهاء مهمتهم بتاريخ 20-7-
بظل هذه التعقيدات والتشابكات المرتبطة بالصراع في سوريا نتساءل هل للثوار السوريين رأي آخر وهل هم قادرون على فرضه على الأرض ، الوقائع تفيد بتنامي قدراتهم، العسكرية والعددية والمخابراتية. تفاوض النظام مع الثوار في خان شيخون على إطلاق سراح اثنين من المعتقلين مقابل دبابة مدمرة ، كذلك ما يحصل من تفاوض على انسحاب الجيش الحر من منطقة ما ودخول الجيش النظامي إليها بغية التقليل من الضحايا المدنيين حدث أكثر من مرة وفي أكثر من منطقة كمدينة الزبداني وناحية رنكوس، هذه الوقائع تفيد بإقرار السلطة بوجود الجيش الحر، وربما كانت تصريحات الخارجية السورية بطلب التفاوض بين الأمم المتحدة والجيش الحر ، لكن هذا ما تراجعت عنه الخارجية السورية لاحقا ، ذلك دليل على ثقل القوة المسلحة للثورة السورية في مواجهة النظام، ناهيك عن عرض أسماء وصور الضباط والجند ممن سقطوا في معارك بين الجيش النظامي والجيش الحر ، تنشر صورهم ومراسيم تشييعهم على شاشات الإعلام الرسمي ما يشير إلى رغبة ملحة لدى الجيش النظامي السوري في إظهار حجم ما يواجهه من قوة لعامة الناس، ليكون ذلك مبررا لتأخره بالقضاء على القوة العسكرية المسلحة المناهضة للنظام. وربما كان لافتا ما جاء في تصريحات وزير الخارجية الروسي بعد مؤتمر جنيف حيث كرر الوزير ذكر الجيش الحر ثلاث مرات وأنه تفاوض مع ممثلين للجيش السوري الحر ما يشير إلى اعتراف بواقع يسود الصراع الدائر في ميدان القتال يثبت حقيقة التصدي والتمكن لقوات معارضة للنظام من إنزال خسائر فادحة بالقوات النظامية وإخراجها من مساحات واسعة من الأراضي السورية.
كم هو منفر ومقزز أن يتجرأ جيش على المناطق المدنية بهذه الصورة المثيرة للرعب ويدعى بأنه انتصر على شباب سوريين حملوا السلاح في وجه القوات النظامية . إن تصرف القوات المسلحة بهذه الهمجية والوحشية في أحياء دمشق كبرزة والقابون والتضامن ومخيم اليرموك، إنما يشير بلا لبس إلى إي مدى بلغ ضيق النظام بالاحتجاجات ورغبتة الجارفة بإنهاء التمرد مهما كلف الثمن ، لكن المثير للغضب ما يقوم التلفزيون السوري الرسمي به من عرضه لجثث متفحمة ومنازل مهدمة في حي الميدان الدمشقي العريق والتعليق على الصور بأن جيشنا الباسل قام بهذه الأعمال،
الإستراتيجية العسكرية للنظام السوري في إخماد الثورة أو إنهاء التمرد المسلح لم تتغير،كم أنها لم تأتي ثمارها فإستراتيجية الحسم العسكري بكل الوسائل المتاحة ومها ارتفع عدد الضحايا ومهما بلغ الدمار مبلغا لا يبقي بناء قائما أو حيا يرزق لم تفلح . وما التمادي في قصف أحياء دمشقية مأهولة بالسكان أو إلقاء مناشير من الحوا مات فوق رؤوس سكان حي ركن الدين الدمشقي تطالب السكان بمغادرة الحي إنذارا بقصفة إلا دليل واضح على الإفلاس السياسي والأخلاقي لنظام لا يفهم ولا يريد أن يفهم ،
ربما يمكننا طرح تساؤل ساذج ، في ظل فوضى السلاح وفوضى الفعل السياسي، ما هو دور السلطة المفترض بها ضبط الأمن وتقديم شرط الانفكاك من الأزمة ، بمعنى هل الانفلات العسكري والسياسي سمة للثوار والمعارضة فقط أم أنه سمات أساسية للسلطة أولا ، أنتج تلك الحالة من التشتت والفوضى المتعمدة ، لقد صدق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما قال : إن النظام السوري فشل في حماية المدنيين.
راهنت القوى الغربية لمدة عشرة سنوات على حدوث تشقق أو تصدع في نظام صدام حسين تحت ضغط العقوبات الصارمة والحصار الدبلوماسي والاقتصادي ، وحتى بوجود منطقة حظر جوي في شمال العراق وجنوبه ومع ضربات عسكرية مؤلمة بعد تحرير الكويت ، كل ذلك لم يسقط نظام البعث في العراق ، حتى تكون تحالف دولي مكون من 190 ألف جندي واحتلوا العراق من غربة لشرقه وأسقطوا نظام البعث العراقي وأسقطوا الدولة العراقي وأزالوا قيادة صدام حسين بالكامل ، الملفت الفارق بين العراق وسوريا ترحيب الشعب العراقي بالقوات الغازية، خاصة في الأشهر الأولى لغزو العراق، كذلك تمكن قوات صدام حسين من إنهاء التمر الشعبي الشامل في جنوب البلاد ذي الأغلبية الشيعية بتسعينيات القرن الماضي ، في حين تؤكد الوقائع على الأرض تراجع القوات النظامية السورية أمام التمرد العسكري للمنشقين عن الجيش من ضباط وأفراد نذروا أنفسهم لحماية المدنيين وإسقاط النظام. لا بل وعجزها عن إعادة السيطرة بالرغم من القصف الكثيف والحشد العسكري الضخم على مناطق أخرجت منها ،كمناطق حمص القديمة ومدينة الرستن وتلبيسة مثلا في الريف الحمصي، كذلك ما يشهده الريف الدمشقي من حشود عسكرية هائلة وقصف لا يهدأ تتردد أصداؤه في الأحياء الدمشقية كافة منذ ما يزيد على عدة أسابيع ما يشي بصعوبات جمة تعاني منها قوات النظام في إعادة السيطرة جزئيا على بلدات بعينها بكل ما تملكه من كتائب منظمة تستحوذ على أعداد كبيرة من الجنود والضباط مسلحين بعتاد ومعدات وخدمات لوجستية ومخابراتية هائلة ناهيك عن الاستعانة بخبرات أجنبية ، روسية وإيرانية وتغطية جوية من سلاح الحوامات المقاتلة في بلدات ومدن الغوطة الشرقية والغربية المحاذية لدمشق العاصمة.
يتطور الصراع المسلح في سوريا وتنامي مخاوف من استخدام أسلحة جرثومية وكيميائية خاصة بعد تصريح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي بأن الأسلحة الكيمائية وغيرها مخزنة ومؤمنة تحت رقابة وحراسة القوات السورية وأنها لن تستخدم إلا في حالة العدوان الخارجي على سوريا ، أرواح آلاف بل مئات الآلاف من السوريين على المحك و الحلول السياسية ما زالت ممكنة، لكن الإرادة السياسية لدى النظام لقبول حلول توافقية غير متوفرة على الإطلاق بل مازال العناد والإصرار على الانفصال عن الواقع وإغماض العين عن التحولات العظيمة في موازين القوى لصالح الثوار، كل ذلك يوحي باستمرار القتال، فالثوار لم ولن يتراجعوا أو يتنازلوا عن مطالبهم المشروعة، ولا النظام بات قادرا على رؤية الحقيقة كما هي على الأرض ، حقا إن الغرور هو آفة النظام السوري القاتلة ليس له فقط بل للآلاف السوريين فهل من منقذ أو مجيب.
الحل السياسي الممكن هو الإقرار بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية تمثل السوريين بكافة أطيافهم . تحضر لبناء نظام ديمقراطي بعيدا عن الحكم الجبري والقهر السلطوي الذي مورس عليهم طيلة عقود خمسة، وباتوا اليوم يرزحون تحت نيران الطائرات والمدافع والصواريخ ، التي تريد اسكات صوت الحرية الذي سيرتفع عاليا كلما تعالت أصوات المدافع والقاذفات الجوية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان: بدعم غربي من خلف الستار.. إسرائيل يبدو أنها وجهت أن


.. قضايا مصيرية تهيمن على الانتخابات الرئاسية الموريتانية




.. مساران لتفادي انهيار السلطة الفلسطينية ماليا.. واحد اوروبي و


.. شاهد| آثار سقوط صاروخ مضاد للدروع أطلق من لبنان على مستوطنة




.. أردوغان يتهم الغرب بدعم خطط نتنياهو لتوسيع الحرب في المنطقة