الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جيوبولتيكية الصراع في أفغانستان...ومراحل الحكم المضطربة
فؤاد حمه خورشيد
2012 / 8 / 19مواضيع وابحاث سياسية
جيوبولتيكية
الصراع في أفغانستان ..ومراحل الحكم المضطربة
نشأت دولة أفغانستان المعاصرة على يد القائد القبلي أحمد خان عبدالي, اثر وفاة الملك الفارسي نادر شاه عام 1747 ، والذي كان في زمانه ، قائدا لأحد فيالقه القتالية المؤلفة من عشيرة البشتون الأفغانية الكبيرة التي لا تزال تلعب دورا رئيسيا في حالات الصراع السياسي الحالية في هذه` البلاد. استغل احمد خان الحدث وأعلن استقلاله من مدينة قندهار ونصب نفسه ملكا على الأفغان في ذلك العام.
هكذا ظهرت أفغانستان بالتشكيل ملكية الطابع، على غرار نظام دولة الفرس السابقة. لكن هذه البلاد ضلت منذ ذلك التاريخ تشهد تغيرات وصراعات داخلية ، وتدخلات خارجية أجبرتها على خوض حروب دامية ومريرة مع قوى اكبر منها ، وان تخللتها فترات من الهدوء النسبي ، ولعل هذا هو احد أهم أسباب بقائها متخلفة حتى هذا القرن.
يمكن تقسيم فترات الحكم في أفغانستان، وفق جيوبولتيكية الصراع ، إلى فترتين متميزتين هما:
1-الفترة الأولى: وهي فترة الحكم الملكي التي استمرت من عام 1747ولغاية سقوط الملكية فيها عام1978.
2- الفترة الثانية: فترة الحكم الجمهوري المضطربة والتي بدأت عام1978 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
لم تكن فترة الحكم الملكي في أفغانستان بأحسن حالا من عهدها الجمهوري في الاضطراب وعدم الاستقرار والفوضى والدمار والقتل. فالفترة الملكية شهدت صراعات مريرة بين أسرتين رئيسيتين من عشيرة البشتون الحاكمة، هما : أسرة (سادوزاي)وأسرة (محمد زاي) .الأولى توارثت الحكم الملكي من عام 1947 ولغاية عام 1826.لكن هذه الفترة المبكرة شهدت هي الأخرى صراعات دموية أيضا من اجل السلطة والجاه. فما إن توفي مؤسس المملكة احمد خان والذي سمي بأحمد شاه، حتى دب الاقتتال بين أبنائه وبين زعماء القبائل الآخرين، ولما كان ابنه تيمور يملك القوة الأكبر فقد سيطر على الوضع ونودي به ملكا على البلاد والذي سرعان ما نقل العاصمة من قندهار ، مركز الاضطراب وقلبه إلى كابل عام1775 لموقعها الإستراتيجي.
ورغم توارث أبناء تيمور شاه الحكم من بعده لكن ذلك لم يجري بسلاسة, بل عبر المواجهات المسلحة بين الأبناء وبني عمومتهم من جهة, وبينهم وبين زعماء القبائل من جهة ثانية , الأمر الذي جر البلاد إلى حرب أهلية من عام 1818 ولغاية 1826 كانت حصيلتها انتقال السلطة والحكم بكاملة من أسرة(سادوزاي) إلى أسرة (محمد زاي) بقيادة الأمير( دوست محمد) في عام 1826, ومع إن الأسرتين الملكيتين تنتميان إلى عشرة البشتون ,إلا أن هذا الانتقال تم عبر قتال ضروس بين الفريقين.لحد هذه الفترة لم تكن القوى العظمى آنذاك تكترث لما يجري داخل هذه الدولة الفتية القبلية المتخلفة ما دامت لا تزال بعيدة وغير مؤثرة في ميزان القوة آنذاك بين بريطانيا العظمى في شبه القارة الهندية و روسيا القيصرية في أسيا الوسطى .
كان أول إجراء اتخذه الملك الجديد هو مطالبة بريطانيا ، التي كانت تحتل الهند آنذاك، بإعادة إقليم بيشاور إلى أفغانستان ، وكانت تلك حجة كافية اغتنمتها بريطانيا جيوبولتيكيا للتدخل العسكري وشن حرب مبكرة على هذه الدولة لاعتقادها آن هذه الجسارة من الملك جاءت بتحريض من روسيا القيصرية التي كانت لديها علاقات تجارية جيدة معها . وهكذا خاض الأفغان حربهم القاسية الأولى مع القوات البريطانية استمرت ثلاث سنوات(1839-1842).دخلت خلالها القوات البريطانية كابل العاصمة ، واضطر الملك إلى الهرب خارج البلاد، ونصب البريطانيون صنيعة لهم ملكا هناك هو (شاه شجاع)، مع كل ذلك ضلت البلاد تعيش في فوضى عارمة لم يستطع البريطانيون تهدئتها ، وأدى ذلك إلى ثورة القبائل الأفغانية
وأبناء الملك ، أجبرت البريطانيين على توقيع معاهدة الانسحاب وعودة الملك الهارب دوست محمد إلى عرشه.وسبب ذلك كرها دائما لدى الأفغان عموما ضد الانكليز.
بعد وفاة الملك دوست محمد عام1863 ، اندلعت مجددا حرب الأهلية دامية بين أبناء الملك وأنصارهم المتنافسين على العرش تمخضت عن استيلاء ابنه الأكبر( شير علي خان )على السلطة والعرش(1868-1879)،ومن الأمور السياسية الخطيرة التي انتهجها الملك علانية ضد بريطاني هو معارضته للوجود البريطاني في شبه القارة الهندية، وهو أمر لن تستطيع اتخاذه أي قوة آنذاك، فضلا عن رفضه استقبال بعثة تجارية بريطانية، في وقت كانت فيه حكومته تتفاوض مع بعثة روسية مماثلة، وأدى ذلك السلوك الدبلوماسي غير الواضح إلى آن تشن بريطانيا حربها الثانية على أفغانستان والتي استمرت عامين تقريبا(1878-1879) أسفرت عن احتلال القوات البريطانية للمدن الأفغانية-جلال أباد، قندهار ، والعاصمة كابل، وإجبار الملك على التنازل عن عرشه لابنه(محمد يعقوب خان)، لاعتقاد البريطانيين بان الملك كان ذا ميول روسية. وان وجود مثل هذه الميول كان من شانه آن يخل بقواعد لعبة أفغانستان كدولة محايدة وعازلة بين القوتين العظميين في أسيا انئذن. ولم تكتف بريطانيا بذلك بل فرضت على الأفغان توقيع معاهدة (كوندماك)التي من ابرز موادها هو قيام بريطانيا بالإشراف على شؤون السياسة الخارجية الأفغانية، و انسحاب قواتها من أفغانستان .
ساهمت هذه الحرب و المعاهدة في زيادة الغضب والحقد داخل أفغانستان ضد بريطانيا، وخلقت فيها فوضى عارمة أدت إلى اغتيال رئيس المقيمية البريطاني في كابل، في الثالث من أيلول 1879، وكان ذلك حجة كافية لقيام القوات البريطانية بشن هجوم جديد على أفغانستان عرفت بالحرب الأفغانية البريطانية الثالثة ، فدخلت القوات البريطانية الغازية مجددا إلى كابل العاصمة ، وقامت بتنحية الملك( محمد يعقوب شاه) ونفيه إلى الهند، وتنصيب الأمير( عبد الرحمن خان )ملكا جديدا(1880-1901) ، والذي وقع مرغما على اتفاقية خط الحدود الدولية المشتركة بين أفغانستان ومناطق الاحتلال البريطانية في شبه القارة الهندية في 1893، وال>ي يعرف حتى اليوم ب(خط ديوراند) ، مع موافقته على استمرار خضوع السياسة الخارجية الأفغانية للإشراف البريطاني وفق المعاهدة السابقة.
اتبع الملك حبيب الله (1901-1919) الذي تولى الحكم بعد وفاة والده نفس السياسة التقليدية الموالية لبريطانية، بل وقع معها اتفاقية جديدة عام 1059، يخول فيها بريطانيا الإشراف على توجهات السياسة الخارجية الأفغانية مقابل منح الحكومة الأفغانية منحة سنوية بمبلغ 160 ألف باون.
يتضح إن بريطانيا، بسبب مخاوفها الجيويوليتيكية من توسع مناطق النفوذ الروسي في أواسط أسيا وخاصة باتجاه حدود أفغانستان، مارست منذ عام 1879-1919 سياسة التدخل المباشر في الشؤون الداخلية الأفغانية تحسبا لمنع وقوعها ضمن مدار السياسة الروسية ،المنافس القوي و الأوحد ، للسياسة الاستعمارية البريطانية في القارة الآسيوية آنذاك . جيوبولتيكيا كان العداء التقليدي بين بريطانيا وروسيا القيصرية قد ولد لدى أصحاب القرار السياسي فيهما حساسية مفرطة تجاه نوايا الطرف الثاني ، فكانت بريطانيا ، بالأخص ، تعتبر أي محاولة من المملكة الأفغانية باتجاه تحسين وضعها الاقتصادي مع روسيا ، خطوة من تحريض الروس وجب معارضتها والوقوف ضدها ، كل هذا ولد شعورا متزايدا بالكراهية ضد بريطانيا وسياساتها وتدخلاتها العسكرية وقسوتها تجاه القبائل الأفغانية، وبخاصة لدى الشباب ونخبة المثقفين النامية فيها. اغتيل الملك حبيب الله في 20شباط 1919 من قبل مجهول ! فحاول شقيقة (نور الله) واثنين من أبنائه اقتناص الفرصة ، إلا أن ابنه الثالث (أمان الله) الذي كان في تلك اللحظة في العاصمة كابل ، الرجل الأقوى ، تمكن من إعلان نفسه خليفة لوالده، ملكا على أفغانستان ، لكن هذا الملك سرعان ما تبنى خطا مغايرا لكل سياسات سابقيه من الملوك، فبعد أن قام في الفترة من كانون الأول 1927-نهاية تموز1928 بجولة خارجية ، زار خلالها مجموعة من الدول الأوربية(ايطاليا،المانيا،سويسرا،بلجيكا،فرنسا،انكلترا،بولونيا،وروسياالسوفيتية،وايران ومصر وتركيا) ، أعجب بالتغييرات التي أجراها أتاتورك في المجتمع التركي من تحديث ، فحاول نقل التجربة إلى أفغانستان، فضلا عن توطيد علاقته بالدولة السوفيتية الجديدة ، لذلك خلقت هذه النقلة في تفكير الملك الأفغاني مخاوف كبيرة لدى البريطانيين فناصبوه العداء ، وحاولوا التخلص منه بتأجيج و إثارة القبائل ضد إصلاحاته وبخاصة خطواته باتجاه تحرير المرأة الأفغانية من عبوديتها في المجتمع الأفغاني المتخلف ، مستغلين في ذلك امتعاض رجال الدين من الملا لي ، وزعماء القبائل المحافظين الناقمين على توجهات الملك الهادفة الى تغيير المجتمع.
بهذا الأسلوب، عم التذمر كل قطاعات الشعب الأفغاني بما في ذلك( اللويا جركه) أي البرلمان الأفغاني( غالبيته من رجل القبائل والملا لي) والذي كان يتألف آنذاك من 1000 عضو، فعمت الفوضى والاضطراب والعنف والتمرد ، فقام احد قطاع الطرق المعروفين، المدعو حبيب الله ، من أقلية ألتاجيك، والملقب بابن السقا( بجي سقو) ، بعد أن هرب الملك أمان الله إلى خارج البلاد(14كانون الثاني1929)وترك الحكم لأخيه عناية الله ، باستغلال الموقف هو وزمرته من البلطجية بدخول العاصمة كابل في 17كانون الثاني وإعلان نفسه ملكا عليها باسم (الملك حبيب الله غازي) ، أي بعد ثلاثة أيام من حكم عناية الله، واسمر يحكم زهاء عشرة أشهر.
استطاع فخذ العبدال من عشيرة البشتون من دحر هذا الشقي التاجيكي واخذ السلطة منه وتنصيب( نادر شاه) ملكا على أفغانستان في 16تشرين الثاني 1929، إلا أن ه>ا الملك اغتيل في عام 1933، فحل محله أخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه(1933-1973) الملك الوحيد ال>ي ضل في الحكم 40 عاما، اتسمت أفغانستان خلاله بالعزلة والحياد في سياساتها الخارجية.ويرتبط ذلك بالتغير الذي حصل في موازين القوى المحيطة بأفغانستان ، كظهور الاتحاد السوفيتي كقوة فاعلة في السياسة الدولية، وخروج بريطانية الاستعمارية من شبه القارة الهندية واستقلال كل الهند والباكستان. يضاف إلى ذلك تبني الحكومة الأفغانية لسياسة الحياد في علاقاتها الدولية ، حفاظا على وظيفتها الجيويوليتيكية كدولة عازلة، وهي الوظيفة التي ارتضتها لها القوى الكبرى في حينه .
لكن احتدام التنافس والصراع ، والتخندق الجيوبوليتيكي الذي خلقته الحرب الباردة بين المعسكرين ، الشرقي والغربي، ومحاولة كل معسكر التوسع والانتشار باتجاه مناطق نفوذ الأخر، اسقط في النهاية حسابات الوظيفة العازلة لأفغانستان ، فضلا عن إسهام الأفكار الجديدة التي أخذت بالانتشار في كل القارات في تبلور معارضة نوعية منظمة ضد نظام الحكم الملكي المحافظ ،كل ذلك جعل من حدوث المفاجأة الجيويوليتيكية أمرا ممكنا في هذا البلد بحدوث الانقلاب ، ذو الصبغة اليسارية ، الذي نفذه ابن عم الملك ،( محمد داوود خان) عام 1973، واسقط فيه النظام الملكي وحول أفغانستان إلى جمهورية لم تعرف الاستقرار حتى يومنا هذا، والذي هو موضوع حلقتنا القادمة.
يتضح مما تقدم ان العائلة الملكية الأفغانية الحاكمة لم تتعلم ، طيلة القرنين والربع من الحكم ، ولم تتبن أية تقاليد من فن الحكم ، سياسية كانت أم إدارية او قانونية ، ولم تختار لنفسها أسلوبا لانتقال السلطة الوراثية ، رغم وجود دستور وبرلمان ، بل ضلت على عشائريتها القديمة، وبقي العامل الأكثر حسما في ذلك يتمثل في القوة التي تقف خلف الوارث ، والتي يهيئها له فخذه في العشيرة ، إضافة الى العامل الخارجي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم