الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الشاعرة لطيفة الشابي

سعيد بودبوز

2012 / 8 / 20
الصحافة والاعلام


حوار سعيد بودبوز مع الشاعرة لطيفة الشابي



سعيد بودبوز/كاتب مغربي لطيفة الشابي/شاعرة تونسية


بعيدا عن التقاليد الصحفية، وقريبا من المطلق الأدبي، الذي يسمح لما نمتطيه من التلقائية باختيار العبور المناسب لبحر القضايا الإنسانية، على اختلافها، بما هو عليه من لحظات (حالات) المد والجزر بين الإجمال والتفصيل، والتعميم والتخصيص، يرسو هذا الحوار الثقافي الذي دار بيني وبين الشاعرة التونسية لطيفة الشابي التي تعرفت عليها مؤخرا، وكان ذلك صدفة من الصدف التي تجري بها أنهار النت. أكيد لي حوارات عديدة مع الكثير من الكتاب والكاتبات العرب، لكنها تبقى سرية وغير مصممة للنشر، وإن كانت في بعض الحالات مطولة ومفصلة وموسعة، فأنا لست أميل إلى إجراء الحوارات ذات الطابع الإعلامي، أعني الحوارات المصممة للنشر، إلا في الحالات التي أعتبرها متميزة. ولقد كان من ذلك أن أجريت حوارا مع أصغر كاتبة عربية، وهي الطفلة المصرية "أشرقات راضي"، لمجرد أنها أصغر كاتبة عربية، أي أن حواري معها لا يعني أنها كاتبة خارقة، أو ما شابه، لكني طبعا لا أنفي أن تكون كذلك، وعلى كل حال تبقى الحقيقة أن الذي دفعني لإجراء حوار منشور مع أشرقات راضي، هو كونها أصغر كاتبة عربية لا أكثر ولا أقل. وكذلك، أؤكد هنا بأن سبب محاورتي للشاعرة التونسية لطيفة الشابي، في البداية، هو كونها من عائلة عريقة في الثقافة والأدب، ويكفي أن واحدا من هذه العائلة كان من أبرز الشعراء العرب، وربما امتدت شهرته عبر العالم أجمع، ألا وهو ابن عمها أبو القاسم الشابي الغني عن التعريف.

موجز من السيرة الذاتية للشاعرة لطيفة الشابي:

"لطيفة الشابي، شاعرة وقاصة وروائية أصيلة الشابية من مدينة توزر بالجمهورية التونسية، مراقبة الصحة الحدودية بمطار توزر- نفطة، نائبة رئيس اتحاد الكتاب التونسيين بتوزر، عضو بالهيئة المديرة لمهرجان الشعر العربي الحديث بالجريد صائفة 2011، عضو الهيئة الاستشارية العليا لوكالة بعرار، عضو بحركة شعراء العالم بالتشيلي، عضو بملتقى مبدعي الضفتين من أجل التغيير، مشرفة على قسم الشعر الفصيح بدار الأدباء الثقافية. لي قصائد مدوّنة ضمن الموسوعة الكبرى لشعراء العرب، ديوان إلكتروني بموقع أبيات للشعر و الشعراء النجوم. وسام من الشيخة أسماء بنت صقر"منتدى صدانا". جائزة على مقال – العرب و العولمة – من مرآة الوسط. كرّمت بالمنستير - شركة الحرية للتوزيع والنشر سنة2003. كرمت من طرف مؤسسة الكلمة نغم "مصر"2011.
أصدرت ديوان شعر بعنوان "العام المطير" سنــــة2007"، أصدرت مجموعة قصصية بعنوان "الغاوون" سنة2009 ، و كانت موضوع شهادة ماجتسير بالجامعة الفرنسية باريس-8- في 25 جوان 2012، من طرف إبنتي الشاعرة منال بوعبيدي، والتي ترجمتها إلى الفرنسية، حيث كانت محل إشادة كبيرة لتميزها الفائق ( 18 من 20 ) وستبقى مرجعا بمكتبة الجامعة. رواية بعنوان الخطيئة على ذمّة النشر عن طريق اتحاد الكتاب بتوزر. ديوان شعر جاهز للطباعة، ومجموعة قصص قصيرة جدا جاهزة للطباعة".

• سؤالي الأول لا يختلف عن الكثير من الأسئلة النمطية التي تطرح على المبدعين عادة، وهو: متى بدأت الكتابة عموما، وكتابة الشعر خصوصا؟ ومن هم الشعراء الذين ساهم إنتاجهم في بلورة موهبتك الشعرية؟

• البداية كانت في سنّ مبكّرة ، و لم تكن تزيد عن شعور داخلي يدفعني لكتابة بعض الخواطر البسيطة ، ومع الأيام تنامت هذه الرّغبة إلى أن أصبحت هوسا بالكتابة نثرا و شعرا ، و لا أخفي أني في البدايات كنت أكتب للطيفة الشابي ، ثمّ بدأت أفرج عن بعض الأشعار للصحف اليومية ، و المشاركة في الملتقيات الأدبية ، فكانت الإنطلاقة للخروج من تقوقعي لأحلّق في الفضاء الأدبي الرّحب الميداني ، و الرقمي ، والنشر الورقي . وفي ما يتعلق بالإنفتاح على الأدب و الأدباء فقد توزّعت اهتماماتي صوب مختلف الأجناس و الأنماط و العصور والجنسيات وقد فتحت المكتبات الإلكترونية المجال رحبا لواسع الإطلاع على عديد التجارب و التوجهات الأدبية ، و التّنقل بين خمائل الحروف يترك بالتأكيد أثره في والجدان بالألوان المختلفة ولعلّ التجاوب يكون متفاوتا من حيث التأثر و الإعجاب ببعض الاقطاب دون غيرهم وأذكر في هذا السّياق المتنبي والمعري في الأدب القديم وأشير في الأدب الحديث إلى الشابي ، محمود درويش، أحمد مطر، نازك الملائكة ، البياتي ، أدونيس ،سميح القاسم و غيرهم .


• أين تجدين ذاتك بشكل أفضل؛ في السرد أم في الشعر؟

• أذكر أنّ محاولاتي الأولى انطلقت بالتوازي في ذات الوقت وكنت كالأم لا يتسنى لها أن تفاضل بين أبنائها من صبيان و بنات وتربى هذا الشعور وهذا الإحساس معي عبر السنوات فأنجبت ريشتي من الشعر و النّثر ما لاقى الإستحسان و أنا سعيدة جدا بهذه الإزدواجية.

• ديوانك "العالم المطير" يحمل عنوان القصيدة التي نشرت لك في 19 أبريل سنة 2008 عبر الإنترنت، في موقع "مكتوب" تحديدا. مطلع القصيدة كالتالي:


هَذَا عَامٌ مَطِيرٌ
بُشْرَاكِ يَا نفْسِي
بِالجَنْيِ الوَفِيرِ
خَفِّفِي الوَطْءَ
وَقَصْقِصِي
رِيشَ أَحْلاَمِكِ البِيضِ
كَيْ لاَ تَطِيرَ
*********
حَرُّ أَنْفَاسِي
تَلَظَى
وَ تَشَظَّى
قَلْبِي البَاكِي الحزين
سَمَائِي تَلَبَّدَتْ
بآهَاتِي
و صَبْرِي
تبَخَّر على لَفْحِ السَعِير
يَا توأم حَمَاقَاتِي
لا تَخْجَل
و لا تَوْجَلْ
يا رفيق الدرب
أيها الدليل العثير
تَمَاسِكْ
لَيْسَ مِنْ حَرَج
و لا لومٍ
عَلَى الحَظّ ِالضَّرِير ِ
********
دَمْدَمَتْ بَيْنَ ضُلُوعِي
وَ الوِهَادِ
رِيَاحٌ عَاتِيَاتٌ
مِنْ سُهَادِي
صَفَّقَ المَوْجُ لَهَا
مِثْلَ الجَرَادِ
لَمّا بَدَتْ
بَادَتْ لِعَصْفِهَا
نَفْسِي
مثلما بَادَتْ مِنْ قَبْلِهَا
إِرَمُ ذَاتِ العِمَادِ
******
أَبْشِرِي، يَا نَفْسِي
بِاليَوْمِ المَطِيرِِ
وآسْرِجي
أَحْلَى القَوَافِي
وآنتقي
حلل الكَلام
وآمْتَطِي مَتْنَ
قَصِيدي
فَالقَصَائِدْ
أَنْبَلْ جِيَادِي
صَهيلُها
في مُهجتي
رَكْضُها
فِي دَهْشَتِي
تَخِبُّ خَبّا
فِي دَمِي
مَا بَيْنَ وَرِيدِي
وَشَرَايِينِ الدَّوَالِي
وَ حَالِي
يَحْكِي لِحَالي
عَنْ خُرَافَاتِ السنين الخوالي
عَنِ العَنْقَاءِ
عَنِ الغُولِ
عَنِ المَارِدِ السِّحْرِي
وِالخِلِّ الوَدُودِ
أَنَا المَخْزُونَةُ
فِي ذأكِرَةِ النِسْيانِِ
سَرَابا في مِعْصَمِ
سالِفِ العصرِ
و الأَوَانِ
و مِنْ قديمِ الزمان
أَبْحَثُ هَيْهَاتَ
عَنْ أَيْنِي
*******
و مَا بَيْنَ هَذَا الوُجُودِ
وَبَيْنِي
تساؤلات
بِحَجْمِ مَا بَيْنَ
هاتِيِكَ الطِباق
وَ عَيْنِي
فَقُرِِّّي عَيْنًا
وَاهْنَئِي بِالعَدْْمِِ
يَا عَيْنِي
وَ لو سألوكِ
فِيمَا أَنْتِ شَارِدَة
قُولِي ولن يَفْهَمُوكِ
أَبْحَثُ عَنّي
و عَنْ أَيْنِي
فِي المَسَافَاتِ البعيدة
فيمَا بَيْنِي وَ بَيْنِي"...الخ
باختصار، ألاحظ بأن العنوان يدل على مظهر تفاؤل، ولكن المتن يقوم على التشاؤم. يتمدد هذا التفاؤل عبر المقطع الأول من قصيدتك، لكنه سرعان ما يضمحل، ويستبدل بالتعبير عن الألم في المقطع الثاني. وفي المقطع الثالث يتبين وجه "القلب" البلاغي لهذا العام المطير، حيث نلاحظ بأنه عام مطير على عالم القصيدة بما خلفه من غبار الألم في عالم الواقع. هل يمكن اعتبار الواقع الأليم أكثر إنتاجا لفن القول الشعري من جو السعادة بالنسبة إليك؟

• بداية يطيب لي أن أنوّه بنظرتك الفاحصة التي التقطت دقائق الأمور و خباياها، وامتدادا لما أثرته من مادة للنقاش أشير إلى ازدواجية مدلول الماء، فهو معنى الحياة، و الخصب، ورغد العيش، وهو يحيل في ذات الوقت إلى الحزن و الدموع والطوفان، و يكفي في هذا السياق أن أذكّر بقصيدة سميح القاسم "أشدّ من الماء حزنا"، وبيت المتنبي:
أظمتنيَ الدّنيا فلما جئتها .... مُستسقيا مطرت عليّ مصائبا
هذا و أشير إلى أن الأديب لا ينفصل عن محيطه و لا غروة أن يرشح بما فيه من ألم.
• إذا قلنا صراحة بأن هذه القصيدة جميلة شكلا ومضمونا، فلعل قمة جمالها أجدها في قولك:

" أَنَا المَخْزُونَةُ
فِي ذاكرة النِسْيانِِ
سَرَابا في مِعْصَمِ
سالِفِ العصرِ
و الأَوَانِ
و مِنْ قديمِ الزمان
أَبْحَثُ هَيْهَاتَ
عَنْ أَيْنِي".

وبالنسبة لكلمة "أيني" فربما لكوني شخصيا أستخدم هذا النوع من إعادة العجن للغة كما أزعم، أجد فيها إدراكا شعريا عندك بانوراميا؛ فبدل أن تجعلي "الأين" مجرد ظرف مكان، تحولينه إلى كيان جامع للزمان والمكان والحركة والسكون، لأن قولنا مثلا "ليس لي أين"، لا يقع في مستوى الإجابة على سؤال "أين أنت؟"، والذي يتضمن الإشارة إلى حيز مفترض من المكان، بل هو جواب على سؤال من قبيل "هل لك امتداد عبر الزمان والمكان؟". فيكون الجواب المفترض هو :" ليس لي أين، لذلك ليس لي خيار في أن أكون هنا أو هناك أصلا". بنظرك أستاذة لطيفة، إلى أي حد يمكن للمرأة أن تنشغل بالقضايا الوجودية بعيدا عما هو عاطفي؟

• مرة أخرى لا يسعني إلا أن أشيد بمقدرتك الفائقة على الغوص في النصوص أما من ناحية السؤال فلا أرى من زاوية نظري أيّ دخل لمضامين الكتابة على أساس جنس المبدع فالمرأة كما هو الحال بالنّسبة للرّجل لا يمكن لها أن تنفصل عن قضايا عصرها فهي قلب وعقل بذات الوقت و بنفس درجة الإهتمام.

• شخصيا قرأت حوالي 500 نص روائي، ولاحظت بأن الكتابات النسوية عادة لا تبتعد عما هو عاطفي، بينما ألاحظ بأن أدب الرجال واسع يشمل مساءلة كل القضايا ذات العلاقة بالإنسان، ورغم ذلك قلت في إحدى مقالاتي، بأن كلامي هذا لا يستند إلى أدلة علمية متينة، فقد أكون مخطئا، وربما كان علي أن أقرأ الكثير من الكتابات النسوية قبل أن أصدر هذا الحكم، والآن يسعدني أن أسألك: ما رأيك في هذه المسألة؟ هل يمكن القول بأن الأدب النسوي لا يختلف عن أدب الرجال من حيث قدرته على تغطية أكبر فضاء ممكن من القضايا على اختلاف طبائعها وأنواعها؟ هذا من حيث القدرة، ثم أريد أن أعرف رأيك حول ما إذا تحقق ذلك على أرضية التاريخ الأدبي للنساء؛ أي هل تعتقدين بأن النصوص النسوية المكتوبة لا تقل عن نصوص الرجال على مستوى مساءلة أكثر مما هو عاطفي مثلا؟

• إذا سلّمنا بأنّ العاطفة جياشة لدى المرأة فهذا لا يمكن أن يكون سوى دافع إضافيّ لها لتوجّه قلمها إلى صميم قضايا مجتمعها و عصرها فلعلّ المراة تعاني أكثر من غيرها من المرارة المتدفّقة فهي الثكلى والأرملة و المغتصبة والمخدوعة و المغلوبة على أمرها و من واجب الأديبة أن تصوّر بقلمها المشاهد المؤلمة للإنسان أينما كان فالنّص الأدبي إنسانيّ أو لا يكون ، أما التقوقع على الذات فلا يمكن أن يرتقي بالأديب متى ظل سجين تجاربه العاطفية الشخصية وسأوافيك ببعض نصوصي شعرا و نثرا لتكون مادة للتقييم من هذه الزوايا .
لقد صادفني فيمن صادفني الأديبة و الباحثة المصرية ملك حنفي ناصف التي اهتمت في بدايات القرن العشرين بقضايا المراة المصرية ونادت بمساواتها مع الرجل وكذلك الأديبة الكويتية د.سعاد الصباح التي اهتمت بقضايا حرية الرأي وحقوق الإنسان وأذكر أيضا مي زيادة التي طرحت في كتاباتها عديد القيم الإنسانية ، مثل حقوق المرأة ، حقوق الإنسان، المساواة، وحب الوطن، و أذكر أيضا الأديبة السورية غادة السمان التي استطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية هذه بطبيعة الحال عيّنة رمت من خلالها التدليل على أنّ المراة معنية بالقضايا الإنسانية مثلها مثل الرجل.

• . عودة إلى ظرف المكان "الأين" الذي ورد في قصيدتك المشار إليها سالفا. أعتقد أن هذا النوع من التعبير لا يقوم على استخدام اللغة كوسيلة لتقييم موضوع لغوي معين فحسب، وإنما يستخدم الموضوع أيضا كوسيلة لإعادة عجن اللغة وفق الواقع الوجداني للشاعر، فهل توافق الشاعرة لطيفة الشابي على أن اللغة سلطة، وأن الأدب هو تمرد على هذه السلطة كما يقول رولان بارت؟ ما تعليقك على ذلك، سواء كنت توافقين أو تختلفين مع هذه الفكرة؟

• أتبنى هذا الرّأي على اعتبار أنّ الأديب يرى بعين ثالثة و التعبير عما يرصده يقتضي أحيانا ركوب مطايا لغوية غير مألوفة تختصر المسافات بالوصول إلى ذهن القارئ الذي يكون في الغالب توّاقا لمذاق آخر للحرف ونكهة أخرى للكلمة.

• في قصيدة أخرى نشرت لك في نفس السنة 2008 بعنوان " بلغ سلامي إلى قاتلي" وهذا مطلعها:

"باسْمِ الخُضُوعْ الذِي
لنْ أَرُومْ
بَلِّغْ سَلاَمِي إلى
قََاتِلي
وَرَدِّدْ مَعَ الذََّارِيَاتِ
تَرَاتِيلَ السَّمَاْءْ
وآشْرِبْ عَلَى نَخْبِ الهَوَى
مِنْ دَمِي
أَمَا أَنْصَفُونَا
بَلاَ آثَرُونَا
فَقَدْ خَيَّرُونَا
زَوَالٌ سَرِيع
أَوْمَوْتٌ
بَطِيئْ
بآسْمِ الصُّمُودِ
وصِدْقِ الوُعُودِ
قِوَى الغَدْرِ
لَنْ تَفْرَحِي
مَعَ كل فَجْرٍ
أَعُودُ
أُلَمْلِمْ رُفَاتِي
بِمِلْءِ يَدِي
وأَنْظِمْ قَصِيدًا
على دَفَّتَيْهِ
أَمُوتُ صَليبًا
ولاَ أَنحَنِي"

هل هذا يعني أنك كنت ممن يهيئون الفضاء الأدبي للثورة الاجتماعية والسياسية التي حصلت في تونس مؤخرا؟

• لا أخفي أنّ كتاباتي سواء النثرية منها أو الشعرية تضمنت نفسا ثوريا جليّا وذلك قبل الربيع العربي و بعد.

• بفضل التعدد الدلالي الذي يستطيع النص الأدبي أن يحمله في طيته، يمكن للقارئ الرومانسي (إن جاز التعبير) أن يقرأ هذه القصيدة على أنها قصيدة رومانسية، ولكن في نفس الوقت، يمكن أن يقرأها الثائر على أنها ثورية محضة، وأنا، بعيدا عن وجهة النظر النقدية، أسأل الشاعرة لطيفة الشابي: لحظة الكتابة، هل كانت هذه القصيدة رومانسية أم ثورية؟ وهل كان من الممكن أن تكونهما معا؟

• أرجّح المنحى الثوريّ للقصيدة، ولو أني أفضّل ترك مهمة التأويل للقارئ.

• إذا سلمنا بأن الشاعرة لطيفة الشابي ثورية، وأنها لا تختلف عن غيرها من الشعب التونسي الذي هبَّ ليضع حدا للفوضى التي كانت حاكمة في عصر الليل السياسي المظلم، فهل في شعرك الآتي (على الأقل) مكان لما أفرزته ثورتكم من الثورات التي سادت المغرب الكبير، وامتدت عبر البلدان العربية، أم أنها مشغولة بما يحدث في نطاقها المحلي فقط؟. ما أريد أن أعرف بالضبط هو: هل تركت في وجدانك الثورة التونسية مكان لغيرها من الثورات المغاربية أو العربية ؟

• الرّواية التي أجهّزها للنشر تحت عنوان الخطيئة تكاد تتعلّق بالكامل بالوضع التونسي أما بالنسبة للنصوص الشعرية فقد تجاوز مداها حدود الوطن تتعداه إلى ما أبعد من ذلك وسأضع على ذمّتك قصيدة تحت عنوان رسالة إلى المتنبّي وهي مقروءة ومسموعة ولك أن تستشفّ من خلالها بمالك من حسّ أدبيّ مرهف ما يكفي للخروج بالاستنتاجات لرصد توجّهي .

• تعرفين بأن السعي نحو الشهرة بالنسبة للمبدع ليس خيارا، بل هو ضرورة تشتد بقدر إيمانه بنفسه وبقدرته على العطاء، فتكون الشهرة طريقه إلى القارئ، أو المشاهد، أو المتلقي، ما دام النص، أو أي منتوج إبداعي، لا يكتمل إلا بالوصول إلى المتلقي، فما هي الفضاءات الإعلامية التي استطاعت أن تقربك إلى جمهورك أكثر من غيرها ؟

• المطايا إلى الشهرة متعدّدة فمنها اللقاءات المباشرة من خلال التظاهرات الأدبية والنشر الورقي والنشر الإلكتروني المقروء و المسموع دون إغفال الإنتشار الإعلامي الصحفي والإذاعي و التلفزي وأشدّ ما يؤرّق الأديب العربي في جميع هذه المجالات هو عزوف الإنسان العربي عن القراءة و المطالعة ومن المؤلم أن تكون أمّة إقرأ لا تقرأ !

• تعرفين بأن السعي نحو الشهرة بالنسبة للمبدع ليس خيارا، بل هو ضرورة تشتد بقدر إيمانه بنفسه وبقدرته على العطاء، فتكون الشهرة طريقه إلى القارئ، أو المشاهد، أو المتلقي، ما دام النص، أو أي منتوج إبداعي، لا يكتمل إلا بالوصول إلى المتلقي، فما هي الفضاءات الإعلامية التي استطاعت أن تقربك إلى جمهورك أكثر من غيرها ؟

• كما أسلفت القول عزوف الإنسان العربي عن القراءة الورقية يحتّم على الأديب أن يتّجه بالموازاة للنشر الإلكتروني، حيث يكون التّواصل متاحا إلى حدّ كبير وتكون الإستفادة في الإتجاهين .

• هل تمت استضافتك على إحدى الوسائل الإعلامية التقليدية كالتلفزيون والراديو مثلا؟ وهل تحبين الظهور على التلفزيون أو التحدث عبر الراديو، أو تعتقدين بأن ذلك سيمنحك فرصة للتعبير عن نفسك بطريقة أفضل؟. أسألك هذا السؤال لأنني أعرف مبدعين يرفضون الظهور على شاشة التلفاز.

• ظهرت في الوسائل السمعية و البصرية عديد المرات علما وأني لم أسع لذلك أبدا، ولكن، و في ذات الوقت، لا أرفض الاستضافة التي أتلقاها بكل عفوية.

• كونك شاعرة، وابنة عم الشاعر التونسي الشهير أبي القاسم الشابي، فهذا يعني أن التاريخ الأدبي لبيتكم (وحده) يبدأ منذ أكثر من قرن، أي منذ 1909 إلى يومنا هذا، أي منتصف العام 2012. السؤال الذي أود طرحه عليك في هذا الصدد هو: إلى أي مدى تستحضرين عطاء ابن عمك أبي القاسم الشابي في حياتك الإبداعية؟ هل تشعرين بأهمية السياق الثقافي الذي توجد فيه لطيفة الشابي، والذي بدأ مع أبي القاسم الشابي الغني عن التعريف؟

• في هذا المجال أودّ أن أذكّر فقط بأن الشابي في نفوس كل التونسيين كما أنّ إشعاعه عالميّ، فقد ترجمت أشعاره إلى الفرنسية والإيطالية والإسبانية و الرّوسية والصّينية واليابانية، كما أنّ الكتب التي تناولته بالدّرس ناهزت الخمس مائة أثر أدبيّ، ويكفي أن أشير إلى أنّ صورة الشابي موجودة بالعملة التونسية، وشعره بالنشيد الوطني التونسي، ودعوته للتحرّر مازالت ملء الأفواه و الحناجر دونما اعتراف بحدود المكان و الزمان، ولنا أن نتذكّر جميعا العبارة الشهيرة "إذا الشّعب يوما أراد الحياة ". وبالتالي فلا غرو أن يكون للشابي التأثير الكبير والدّافع الخفيّ للمحيط العائلي لمزيد التّعلّق بالإبداع الذي نسعى للمسك بناصيته علّنا نبلغ النّزر القليل مما حققه الشابي.

• هل تعتقدين بأن أبا القاسم الشابي قال كل ما كان يريد قوله؟ هل تعتقدين بأن قدرته الإبداعية كانت في خط تصاعدي، وأنه لو لم يباغته الموت لأضاف الكثير كميا ونوعيا؟ مع الإشارة إلى أنه كان يعيد تقييم عطائه الإبداعي، لدرجة أنه قال عن بعض أعماله المبكرة "في رسالة إلى الأستاذ محمد الحليوي: "وإن قسما كبيرا مما نشر لي لا أريد نشره لأنني أراه لا أهمية له، إما في روحه أو في أسلوبه، ولأنني أرى فيه سذاجة كسذاجة الأطفال، أبتسم لها الآن، وأعجب لنفسي كيف سوَّلت لي نشره في حينه، ولكن هي الأيام"[1]..وفي نفس الوقت أسألك ما إذا حدث أن ندمت على قصيدة مما كتبت أم لا؟.


• الشابي لم يعمّر في هذه الدنيا سوى 25 سنة ومع ذلك فقد ترك في الساحة الأدبية دويّا لا يبلغه إلا القلّة القليلة من فطاحلة الأدب وفي تصوّري كما في تصوّر الكثيرين لو كان كتب له أن يعيش عمرا مديدا لأثرى الادب العربي بنفائس غزيرة ولكن لله وحده الحكم من قبل و من بعد. ومن ناحيتي لم أتعرّض لمثل هذه الوضعية ببساطة لأني كما كنت أسلفت القول انطلقت في بداياتي بالكتابة للطيفة الشابي.

• علمت بأن عائلة أبي القاسم الشابي فيها كتاب وشعراء آخرون، بالإضافة إليك، فهل كان للاسم "الشابي" من دور في حياتكم الإبداعية من ناحية الشهرة مثلا؟ أو بعبارة أخرى: هل تعتقدين بأن هذا الاسم ساعدكم في الانفتاح على أكبر عدد ممكن من القراء والمهتمين بالأدب التونسي؟

• في نظري يبقى المستوى الشخصي المحدّد الرئيسي لتصنيف الأديب بعيدا عن علاقة روابط القرابة التي قد يكون لها الدّور الثانويّ البسيط.

• حسب علمي أن اسم أبي القاسم الشابي كان أكثر شهرة حتى من بعض الشعراء الذين كانوا يكبرونه سنا وتجربة، وأذكر منهم، على سبيل المثال، الشاعر محمد الشاذلي خزندار الذي ذكر رضوان إبراهيم أنه "اشتهر عام 1910 بأنه أمير الشعراء التقليدي الراسخ العقيدة"[2]، ما تعليقك على ذلك؟

• الفرق بين الشابي وغيره من أدباء عصره بتونس أنه كان الوحيد من بينهم جميعا من لم يكبّل كتاباته بحاجزي الزمان و المكان، فرفرف أدبه دون قيود عبر أصقاع الدنيا و عبر الأزمان، وهذا هو فضل الكتابة للإنسانية، وأذكر على سبيل المثال قصيدة "ارادة الحياة"، فكل الشّعوب معنيّة بهذه القصيدة دونما اعتراف بحدودي التّاريخ والجغرافيا.

• رغم أن القصيدة التقليدية في تونس، كما كانت في البلاد العربية، كان جزء كبير منها مكرسا لآل البيت الحاكم، أو المدح بصفة عامة، إلا أن ابن عمك أبا القاسم الشابي يبدو على خلاف ذلك، إذ يقول في قصيدته "شعري": " لا أنظم الشعرَ أرجو به رضاء الأمـير
بمدحـه أو رثـاء تُهدَى لربِّ السرير
حسبي إذا قلت شعراً أن يرتضيه ضميري"[3].
لو كان ممن نذروا أنفسهم لمدح السلاطين مثلا، هل كان سيكون أكثر شهرة وعطاءً مما هو عليه الآن برأيك؟

• بالتأكيد لا فالأقلام الرخيصة تُشترى ثم تُكسر ويُرمى بها في المزابل.

تعرفين بأن الزمان الذي عاش فيه أبو القاسم الشابي كان من الصعب أن ينفتح فيه المبدع على المتلقي، وكانت وسائل التواصل محدودة آنذاك، لا تتجاوز الصحف الورقية، والمجلات، مما يعني أن حركة شهرته لا شك أنها ستكون بطيئة، ومحصورة على نخبة من ذوي الاهتمام بالإبداع، وبهذه الصحف والمجلات، ومع هذا استطاع أبو القاسم أن ينال شهرة واسعة، وإن لم يتسع نطاقها حتى توفى. لو كان قد عاش في عصر هذه الشبكات، هل تعتقدين بأن شهرته ستصل المستوى العالمي قبل رحيله مثلا؟

• زمن الشابي كان الانتشار محدودا عبر الصّحف والمجلات والتراسل والمحاضرات بالجامعة والمسامرات الأدبية بين النّخب، وهو الأمر الذي أجّل الشهرة إلى ما بعد الوفاة، ولك الحقّ كل الحقّ فيما ذهبت إليه، ومع ذلك فإنّي أبقى وفيّة لرأيي الذي يقوم على أن الأهمّ هو خلود الأثر الأدبي الذي يفرض خلود اسم صاحبه، و يكفي أن أذكّر على سبيل المثال بأنّ المتنبي لا يزال يعيش بيننا.

• هل تجدين في أدب ابن عمك أبي القاسم الشابي ما يستجيب لتطلعات المرأة التونسية، على الأقل بالنسبة إلى الزمن الذي عاش فيه؟

• إحقاقا للحقّ لم يضطلع الشابي بدور رياديّ في الدّفاع عن قضايا المراة مثلما فعل الطاهر الحداد، بقي أن أنوّه بتناوله للمراة كذات وقيمة ثابتة بعيدا عن الوصف المادي المبتذل مثلما يبرز ذلك في قصيدته صلوات في هيكل الحبّ.

• أود أن أضيف بعض النقاط من أجل بلورة ما أريد قوله بالضبط في هذا الصدد. يقول بعض الباحثين بأن أبا القاسم الشابي "كان يضع شعره في صميم حركات الإصلاح التي كانت تعتلج بها النفوس آنذاك من بعث لحركة الشبان المسلمين ودعوة لتجديد الجهاز الثقافي التقليدي، ومناصرة لحركة تحرير المرأة"[4]. مشيرين في ذلك إلى أنه "ناصر صديقه الطاهر الحداد واضع الكتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع". شخصيا لا أستبعد من مثقف منفتح بوزن ابن عمك أبي القاسم الشابي أن يكون مناصرا لقضية المرأة في تونس، ولكن أعتقد بأنه من الصعب أن تكون القصيدة الشعرية المذكرة العربية أصلا مناصرة لقضية المرأة، ليس لعيب في الشاعر، بل لمرض ذكوري في ذات المتلقي العربي النمطي ربما. ذلك لأن أي حديث شعري عن المرأة يذهب بهذا المتلقي إلى إدراجه ضمن ما يسمى "الغزل". هذا بالنسبة للقصيدة التي ينسجها الرجل، أما قصيدة المرأة، فاعتقد أنها بإمكانها أن تتحمل مثل هذا النضال. ما رأيك وما تعليقك على هذه النقطة؟

• المتداول عن الشابي أنّه لا تعوزه الجرأة للإصداع برأيه و قد برز هذا جليا في القضايا الأدبية على غرار محاضرته حول الخيال الشعري عند العرب التي زجّت به في أتون معارك أدبية ساخنة لم تثنه عن الثبات في مواقفه، و بالتالي أكرّر من منظوري الخاص أنّ الشابي لم يسخّر شعره لتناول قضايا المرأة، وقد تكون وفاته المبكّرة حائلا دون تناول أكثر من قضيّة إنسانية.

• أستاذة لطيفة، ألا تعتقدين بأن هناك تداخلا دقيقا بين الشعر الداعي إلى تحرير المرأة، والشعر الذي يبرز مفاتنها كأنثى لا أكثر؟

• من ناحيتي أميل إلى تناول المراة بصفتها ذات بشرية و عقل مفكّر و حاملة لرسالة إنسانية مثلها مثل الرّجل .

• كيف يمكن للشعر (الذي يكتبه الرجل) أن يصب في تحرير المرأة من الرجل برأيك ؟

• هذه بالطبع خاصية " الكبار " الذين لا يناصرون الباطل البتّة، ومن البديهي أن نجد من الرجال من يعادي استعباد المرأة مثلما نجد من يعيش بدول مستعمرة و يناهض الإستعمار، أو من يعيش في أحضان العنصرية و يجهر بمناهضتها ومعاداتها ومحاربتها، فالأمر إذاً لا يعدو أن يكون سوى التزام بقضيّة، وهو ما يستدعي الثبات على المبدأ.
• ألا ترين بأن النص السردي عموما أقدر على مناصرة قضية المرأة العربية من النص الشعري؟

• إذا كانت قضايا المراة كغيرها من القضايا الإنسانية فأنا بدوري أتساءل كيف للنص الشعري أن يكون نافذا هناك و عاجزا هنا ؟ و لعلّي أرجّح فرضيّة قابلية النص الشعري ليكون مطيّة بليغة للدّفاع عن قضايا المرأة .

• لعل أكبر عائق تواجهه قضية المرأة العربية هو أن معظم الرجال يعتقون بأنها محرَّرة أصلا منذ ظهور الإسلام، ولكن لو قسنا ما قدمه الإسلام للرجل، منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، لتبين لنا بأنه لا مجال للمقارنة بين ذلك وما قدمه للمرأة. لأن هذه الأخيرة ببساطة لم يتم تحريرها على يد الإسلام إلا من الوأد، وكان من الواجب أن يتطور تحريرها كما تطور تحرير الرجل مع تطور الدين، أو ما يضمن له حسن التكيف مع تطور العصر في الحد الأدنى، لكن هذا لم يحصل إلا في ذهن الرجل العربي، فهل تتفق الشاعرة لطيفة الشابي مع هذا الرأي؟ وإلا فما هو عنوان فلسفتها في ذلك؟.

• موقفي الثابت أنّ الإشكال لا يكمن في الدّين بل يكمن في تعدّد تأويلاته حسب الأهواء والإنتماءات و المرجعيات فحمّلوه اكثر من تمويل علما وأنّي لا أساند التحرّر المراد به التفسّخ الأخلاقي و الدّيني.

• مزيدا من النقاش حول قضية المرأة في نظر الشاعرة لطيفة الشابي. رغم رفضي المطلق للاستعمار الأجنبي، أعتقد بأنه، أعني الاستعمار الفرنسي على وجه التحديد، قد ساهم في التطور الثقافي المغاربي عموما، وفي إيلاج المرأة إلى الثقافة على وجه الخصوص. على سبيل المثال، كان المستعمر هو السبب في السماح للنساء بحق التعلم، فلولاه لربما بقيت المرأة جاهلة إلى يوم يبعثون، باسم الدين الذي لم يكلف الرجل عناء تأويله حق التأويل فيما يتصل بالمرأة. فبعد الانفتاح على الحضارة الفرنسية، نجد أنه ظهرت نخبة من التونسيين، ذوي العقول الحية، الذين استطاعوا أن يستشعروا إيجابيات المدنية الأوربية، فكان من نتاج ذلك ما كتبه الباحث التونسي الطاهر الحداد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" (أنصح القارئ المغاربي والعربي بقراءة هذا الكتاب من بدايته إلى آخره) الذي سبقت الإشارة إليه، وغيره ممن وجدوا أنفسهم أمام جبال شاهقة من العقليات المتخلفة التي لا يمكن تغييرها إلا بتهذيب صورة الدين المنقوشة على جدران هذه العقول. ولذلك نجد الكتاب يكافح التخلف على أكثر من جبهة؛ منها استهداف البنية العاطفية للرجل المتحجر من خلال تذكيره بفضل المرأة عليه، ومنها تطرقه إلى صورة المرأة في الشريعة الإسلامية، فيقول: "المرأة أم الإنسان. تحمله في بطنها وبين أحضانها. وهو لا يعي غير طابعها الذي يبرزه في حياته من بعد. وترضعه لبانها. تغذية من دمها وقلبها. وهي الزوج الأليف تشبع جوع نفسه "[5]. ثم يدخل في تفكيك البنية الدينية لعقلية الذكر المتخلفة فيقول:" إن الحياة طويلة العمر جدا. وبقدر ما فيها من الطول بقدر ما فيها من الأطوار المعبرة عن جوهر معناها وأخص ميزاتها. ونحن عشرين سنة من حياة النبي في تأسيس الإسلام كفت بل أوجبت نسخ نصوص وأحكام بأحكام. اعتبارا لهذه السنة الأزلية فكيف بنا إذا وقفنا بالإسلام الخالد أمام الأجيال والقرون المتعاقبة بعد بلا انقطاع ونحن لا نتبدل ولا نتغير؟ " ذاك بالضبط هو السؤال، فما جوابك أستاذة لطيفة؟. برأيك أنت، إلى أي مدى استطاع أمثال الطاهر حداد، من المثقفين التونسيين المنفتحين، أن يؤثروا على العقلية التونسية التقليدية، وكيف تقيمين تطور المرأة التونسية عبر أكثر من نصف قرن؟

• الطاهر الحداد وجّه سلطة إبداعه لمناصرة حقوق المرأة، وله بالتأكيد فضل في ذلك، ولكن هذا لا ينسينا الزعيم الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق لتونس الذي ارتكز على " إبداع سلطته" ليفرض تحرير المرأة بإصدار مجلّة الأحوال الشخصية والذي نادى بإجبارية التعليم للجنسين، و فتح لها المجال لتكون النصف الفاعل للمجتمع، و أعود ثانية لأؤكّد أن المرأة مطالبة بثبات جدارتها وأحقيّتها بهذه المكاسب، بل و دعمها دون الإنزلاق نحو التفسّخ.
• يضيف الطاهر حداد في كتابه المذكور منبها الرجل المتخلف إلى الواقع فيقول: "هاهي الحكومات الفرنسية في تونس قد أخذت منذ حين تستثمر تطور امرأتنا طبق السياسة التي وضعت أصولها في برامج تعليم البنات المسلمات بالمدارس الابتدائية". أستاذة لطيفة، بكل آسف أسألك: ماذا لو لم نتعرض للاستعمار؟ هل كانت ستصل امرأتنا إلى ما وصلت إليه الآن؟
• الإستعمار يبقى في كل الحالات بغيضا وتلاقح الحضارات يظل متاحا مع الحفاظ على الحرّية والعيب كان ولا يزال كامنا فينا قديما بتوالي عصور الإنحطاط و التخلّف وحديثا بعودة الحنين للتّزمّت و الإنغلاق الفكري.
• في جو صعود بعض الجماعات الدينية إلى الحكم هنا وهناك، ربما أصبح سؤالي أدناه على ألسنة كم هائل من المبدعين عموما والنساء خصوصا. سؤالي لك كشاعرة ومثقفة مغاربية هو: هل هناك مشكلة جوهرية بين الإسلام والفن عموما؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل تعتقدين بأن الأدب النسوي، على الأقل، مهدد بالخنق أكثر من أدب الرجال؟

• كنت أشرت سابقا إلى الإشكال القائم من حيث تعدّد التأويلات للدين والتكفير يطال المراة و الرجل على حدّ السواء والفيصل هو الموقف من حدود المباح و المحرّم حسب موقف الجهة التي تعطي لنفسها شرعية إصدار الأحكام.
• أعتقد بأن الثورات السياسية، في عالمنا الإسلامي على الأقل، يمكن أن تكون سببا في تسجيل خطوة هامة نحو الأمام، ولكن كلما كانت صعبة، أصبحت أقدر على فرز الاتجاهات الراديكالية والمتدينة حد التحجر، ذلك لأن الإنسان المسلم، على وجه الخصوص، عندما يشعر بتهديد الموت يميل إلى الاتجاه الروحي، إن لم نقل ينجرف أحيانا، ويغلبه على جميع الاتجاهات والاعتبارات. وحين تنتهي الثورة، يجد بعض المتاجرين بالدين وجدانا شعبيا مهيئا ليمارسوا عليه سيطرتهم بشكل أو بآخر، وبالتالي يكون المجتمع شبه دائر في حلقة مفرغة، إذ لا يكاد يعرف هل تخلص من الطغيان أم نجح في بنائه من جديد. أنت كمثقفة من عالم ما بعد الثورة، ما تعليقك على هذه الفكرة؟

• أشاطرك الرأي تماما بل ما ذهبت إليه تؤكّده الأحداث السائرة هنا و هناك ، أضيف فقط أن الإنحراف يكون نحو اليمين وكدلك نحو اليسار دونما اعتدال و رفضت مجتمعاتنا عن جهالة أن تكون " أمّة وسطا " وقد تكون المغالاة في اتجاه اليسار خير دافع لانحياز الوسطيين نحو اليمين المتشدّد.

• أستاذة لطيفة، يبدو أنه لا خلاف حول ضرورة إسقاط الأنظمة المستبدة التي تساقطت تباعا، ابتداء من ثورة الشعب التونسي، ثم المصري، ثم الليبي، واليمني، لكن حين نأتي إلى ثورة الشعب السوري نجد أن هذه الثورة أصبح فيها نظر، إذ حتى بعض العرب الذين احتفلوا بنجاح ثورتكم في تونس، ونذكر على سبيل المثال حزب الله في لبنان، نراهم يقفون إلى جانب النظام في سوريا اعتقادا منهم، أو إيحاءً، بأن هذا النظام البعثي كان عادلا بخلاف الأنظمة التي سقطت، وأنه يشكل أهم ركيزة في محور ما يسمى بـ "الممانعة"، والمقاومة، حتى وإن كنا الآن نشاهد الجيش النظامي في حربه الضروس ضد المتظاهرين، وهي الحرب التي ربما كانت ستكون ذات فائدة لو أعلنها على إسرائيل التي ما تزال تحتل أرض الجولان. سؤالي هو: كيف تنظرين إلى الثورة السورية؟ هل تعتقدين بأنها تختلف عن ثورتكم في تونس، وأن النظام البعثي في سوريا فعلا كان ومازال عادلا ورمزا للكرامة العربية وممانعتها ومقاومتها، أم تعتقدين بأن هذا النظام لا يختلف عن غيره من الأنظمة التي سقطت، وبالتالي "فلا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر" في سوريا أيضا؟

• الخوض في واقع العرب معقّد إلى أبعد ما يكون و يبعث في غالبه على الإشمئزاز ولا تكفي مساحة ضيّقة ولا حيّز زمنيّ محدود للخوض في متاهاته المريرة لذا سأكتفي بطرح بعض الأفكار التي من شأنها أن تحفّز على مزيد إحكام الرأي ومن ذلك :
- ماهو دور الأيادي الخارجية ؟ وبمنطق الرّبح و الخسارة ماهي الأسباب التي تحرّك القوى العظمى ؟ وهل صحيح أنّ الدول الغربية تروم تمتيع الشعبين الليبي والسوري بنعيم الديمقراطية ؟
- إن كان الأمر كذلك أين هي جحافل هذه القوى على الأراضي الليبية بعد رحيل القذابي ؟
- ماذا خلّفت هذه القوى وراءها بالأراضي العراقية
- هل تجنح روسيا ومعها الصين لحماية النظام السوري لمتانة العلاقة أو لمناصرة الحقّ وفق زاوية الرؤية ؟
أخي الفاضل أنا لا أرى غير فخار عربي يكسر مثيله لتذهب ريحنا جميعا ولنحقّق مصالح الدول الغربية و الشرقية على حدّ السواء .
الأنظمة المتهاوية نالت ما تستحقّه نتيجة الجور و الفساد و التسلّط و التشبّث بالسلطة مدى الحياة بل تعدّوه إلى التوريث و النظام السوري كسابقيه من الأنظمة التي تهاوت يندرج في نفس السلّة العفنة ولكني كنت أتمنى أن تكون الثورة بعيدة عن الحرب الأهلية وأن تكون في منأى عن تحريك القوى العظمى ومن يريد أن يقيّم حجم المأساة فعليه فقط أن يتساءل عمّن يتموقع على هضبة الجولان وهو يتلذّذ بالفرجة على العار العربي فلم يعد عدوّنا في حاجة لقتلنا فقد كفيناه مشقّة طلق النار وحسبهم من الأمر إطلاق بذور الفتنة ولا يخفى على عاقل أنّ وراء ما يحدث سعي الغرب إلى كسر التحالف الإيراني السوري و حزب الله وما يتبعها من رغبة روسيا و الصين للحفاظ على موضع قدم في تلك المنطقة الإستراتيجية الحساسة .
بقي أن أضيف أنّ الأرضية العربية جدّ خصبة لإنبات الفتن بين الإخوة بتعلّة اختلاف المذاهب والعرقيات و من حظ اسرائيل أن تشرب على نخب دمنا والثورة لتكون ثورة يجب أن يكون وقودها نور عقل المفكّرين لا مكائد الأعداء وهذا بالطبع ما فاض من ألم ما انفكّ يؤرقني.

• ما هي الصورة السائدة للأدب المغربي في الفضاء الثقافي التونسي؟

من العيوب القائمة بين أقطار الدول المغاربية ثقافيا، هي قلّة اللقاءات المباشرة، و تبادل التجارب في شتى الألوان الأدبية، ولعلّ العوائق هي مادية بالأساس من حيث تحمّل النفقات، وما يثلج الصّدر، أني وقفت بعد الثورة على تحسين في هذا الجانب، حيث أشركنا في جهتنا إخوة من المغرب الشقيق في مناسبتين "الملتقى الوطني دورة منور صمادح" و"الأيام القصصية البشير خريف". وهذه لا يمكن أن تكون سوى خطوة أولى، يجب أن تتبعها خطوات أخرى في الإتّجاهين.
• هل هناك مبدع أو مبدعة مغربي (ة) استطاع (ت) أن يـ (ت)ـؤثر في في جانب من جوانب الثقافة الأدبية التي تحملها لطيفة الشابي؟

• يحقّ لي هنا أن أصل هذا السؤال بسابقه ، لأعرّج على جدوى تبادل التجارب الثقافية، و لا أخفي أنّ اللقاءات التي جمعتني بالأخوة من المغرب الشقيق رسّخت فيّ أكثر فأكثر إعجابي بالدور الرائد للأخوة المغاربة في مجال القصة القصيرة جدّا ، التي استهوتني و بعث في رغبة جامحة لخوض غمارها.
• كيف سيكون جوابك، لو طلب منك أن تجيبي، في غضون ثوان (دون تفكير)، على السؤال التالي: ما هو الاسم المغربي الذي يشكل نموذجا للأدب المغربي بالنسبة إليك؟

• أقدّر جميع الأدباء المغاربة حقّ قدرهم ، و يحقّ لي أن أثني على جودة مخزونهم الأدبي ورفعة أخلاقهم ، وليس من السهل إفراد أحدهم بالدور الرّيادي ، ولكن يمكن لي أن أذكر في هذا المجال إسم الأديب أحمد بوزفور باعتباره من أبرر روّاد القصّة القصيرة الحديثة بالمغرب الشقيق.
• كشاعرة مغاربية (تونسية)، كيف تقيمين علاقتك بالكتاب المغاربة (أعني المغرب الأقصى)؟
في مستهلّ الإجابة يطيب لي أن أنوّه برفعة أخلاق الأخوة المغاربة و أن أثني على سهولة التواصل معهم لعفويتهم وصدق أخوّتهم، و قد لمست ذلك من خلال اللقاءات المباشرة التي كنت أشرت إليها، وكذلك من خلال التواصل عبر النّت سواءا في المنتديات الأدبية، أو مثل هذا اللقاء الإعلامي، و أستحضر على سبيل الذكر لا الحصر الأخوة و الأخوات :
- فاطمة بوهراكة
- عبد الله المتقي
- مصطفى لغتيري
- حسن بوشو
- د. فدوى أحمد التكموتي
شكرا أستاذة لطيفة على خصوبة هذا التفاعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:

[1] أبو القاسم الشابي: أغاني الحياة، الدار التونسية للنشر، تاريخ الطبعة مجهول، انظر مقدمة (كلمة التمهيد).
[2] رضوان إبراهيم: التعريف بالأدب التونسي، الدار العربية للكتاب، الطبعة 1977م، ليبيا-تونس، ص49.
[3] أبو القاسم الشابي: المرجع السابق.
[4] أبو القاسم الشابي: المرجع السابق، ص13
[5] الطاهر الحداد: امرائتنا في الشريعة والمجتمع، انظر مقدمة الكتاب. ملاحظة: حصلت على نسخة رقمية لا يعتد على تنقيط الصفحات فيها.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا