الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال خائن

نبيل جديد

2012 / 8 / 20
الادب والفن



-هل تعرفون لماذا سمي الحمار حمارا ؟!
سألنا "سيخ التنظيف " هامسا ، وهو يناور خلف صخرة ، ويرمي الخنزير البري حجرا ، بينما نساعده من اتجاهات أخرى ، لدفع الخنزير إلى حقل الألغام ؛ وهذه عادة نمارسها في الليالي المقمرة ، بانتظار ليلة مظلمة من الشهر ، لنعبر الحقل في الممر الأكثر تخريبا ؛ إذ كثيرا ما يهمل الإسرائيليون إصلاح انفجار لغم أو آخر نتيجة عبور حيوان بري -فهذا حادث عارض -...وعندما طرح "سيخ التنظيف " سؤاله ، ابتسمت ساخرا ، لتوقعي حكاية طويلة و طريفة ،سيسردها صباح الغد مع الإفطار ، إجابة على السؤال؛ فهي عادته : يبدأ بالمقدمة كل ليلة، ومع إطلالة الشمس العدوانية ، يعرض القصة ، ويختمها مساء .
سأستطرد قليلا ، لإيضاح بعض المفاهيم : لماذا "سيخ التنظيف" ؟ فهو ليس اسما حقيقيا ولا حركيا ، بل لقب أطلقه أحمد على نفسه ، عندما لم يجد موضوع سخرية ، ففسر :طوله ونحوله .. كما أطلق تسمية "شو ربة" على عزيز منذ الدورة التدريبية ، عندما طالب عزيز بتحسين الطعام ، ووقف ليبرر طلبه ، فارتبك، وخاف غضب مدير الدورة ، إذا تساءل عن اللحوم وكميتها القليلة ، فجميع الحضور يعرفون مصير اللحم والشحم والزفر... لذا لمعت في ذهنه الفكرة الشيطانية -بعد تورطه بالوقوف - :
- نريد تحسينا لمستوى الحساء ..
وذهبت مثلا .. أما حضرتي ، الماثل بين يديكم ، فقد أسماني " البلوّ " ، معبرا عن ولعي بالطعام ، وكل ما في الأمر هو انصرافي بجميع غرائزي للاستمتاع باللقمة، وشعاري دوما : عند حضور الطعام يبطل الكلام.. ويعلق أحمد-عفوا- "سيخ التنظيف " : "البلوّ "يعادي الصحن الفارغ كمعاداته الصهاينة ، وكثيرا ما يضيف : " بلوّ من الحجم العائلي " ، موسعا المسافة بين كفيه إلى أقصاها..
ثم، لماذا أكدت عدوانية الشمس ؟ وتركيز الحكايات نهارا ... السبب هو : تواجدنا في المرحلة التحضيرية لعملية داخل الأرض المحتلة ، نتخذ قاعدة انطلاق قريبة من الحدود ؛ وفي الجنوب اللبناني ، من الاتجاه الشرقي ، تكثر الجبال والمغاور الطبيعية ، فنسكن إحداها ، ونعدم حركتنا نهارا إمعانا في التمويه ، فلا يتبقى أمامنا سوى : المرعى وقلّة الصنعة ، مع بعض الحكايات والمزاح والنوم ، وقد اعتدنا ذلك مرغمين ، لأننا في الجهة المقابلة ، ضمن الأرض المحتلة ، نلجأ إلى كهف آخر - ولكنّ والحقّ يقال : كهف ذو إطلالة جميلة - لذا أطلقنا على أنفسنا تسمية " أهل الكهف " . أمّا " سيخ التنظيف " فقد أكّد عدم استحقاقنا هذه التسمية ، بانفعال شديد ، وبلهجة ريف نابلس رقق القاف حتى صارت كافا : أقول (أكول) علنا ، بأننا لا نستحق ّ ( نستحكّ ) أكثر من"سكان المغاور" . مصرّا على المعنى البدائي ، بالرّغم من ثقافته التي تساوي الصفر ، وبالرغم من عدم تعصّبه للمواقف الدّينية ؛ فلقد فاجأنا مرّة بإحضار خروف إلى الكهف ، وادّعى اصطياده ، ولما رأى دهشتنا قال ضاحكا : حسن ، رأيته آخر القطيع ، منفردا ، متثاقلا ، فإما تعتبرونه صيدا ، أو أسير حرب....
نعود للحمار ، ورواية سيخ التّنظيف التي بدأها على ذمة الرّاعي - صديقنا الذي أضاع خروفا- إن الحمار يسمّى هكذا ، لأنّه يتباهى ويتأنّق بنهيقه -أبشع ما لديه ، وأنكر الأصوات - خاصّة عندما يرى أتانا تتحرك أمامه أو في الحقل المجاور، يعلن غرائزه بصوت ولا أعلى ... أمّا الأتان فتبقى صامته ، مؤدّبة ، وديعة ...تابع حديثه عن الحمار والجحش والفارق بينهما ، بينما أخذت الفكرة تهزني..لقد كانت مهمتنا تفرض علينا اصطحاب حمار لدفعه أمامنا أثناء عبور حقل الألغام ،..فكيف سنأمن للحمار بعد هذا ؟؟.. ومن يردعه عن التصويت في أحرج اللحظات ؟؟.. ياءا لهي ، ستكون فضيحة قاتلة هذه المرّة .. ولما طرحت مخاوفي عليهم ، صاح "سيخ التنظيف " :
- والله .. للمرّة الأولى أقتنع بأنّ للمعادن عقلا .
وهكذا استبدلنا مرافقنا بمرافقة ، حصلنا على أتان فتيّة ، أتممنا معها الرحلة إلى الطرف الآخر ، حيث الكهف ذو الإطلالة الجميلة ، دون متاعب أو نهيق...
مع تلاشي العتمة ، لحظت ، وللمرّة الأولى في حياتي ، قلقا يكتسح أعصاب "سيخ التنظيف " ؛ عزوت الأمر للخوف الذي يباشرنا مع مطلع كل مهمّة ، لكنه لم يهدأ ، ولم يتكلم ؛ يزحف خارجا من المغر ، ويعود دهشا ، حاولت امتصاص رعبه الواضح : اجلس ، وحدّثنا ...مالك ؟!
قال : الأتان ؟!
ابتسمت متخابثا : وما تريد منها ؟
صرخ جادّا : أيّها الأحمق ، أدخلتها إلى الكهف ، وربطتها جيّدا ، ها قد أفلتت . قلت : دعها ، فلتذهب لا أظنك خائفا من لقياها حمارا إسرائيليا ، فتطبّع العلاقات معه .
- يا بلوّ أفندي ..أكّد لي الراعي ، أن الأتان تستطيع العودة من حيث جاءت ، وتسلك لهذا نفس الدرب ، وهي تعرف مخبأنا ، فان وقعت بأيدي الجنود الصّهاينة ستجدهم كالجراد ...وبدأ حركته في الكهف الواطئ ، كالمكوك ، لا يهدأ ولا يمل .. خاصّة بعد أن أكّد " شو ربة " رؤيته جنديا إسرائيليا ، يقود الأتان إلى المعسكر القريب ، سألته ساخرا :
- وكيف ميّزتها ؟. فأجابني مد هوشا :
- ألا أعرف( حمارتنا )؟!
وهكذا تتعرّض مهمّتنا للخطر ثانية ، قبل التنفيذ ، وعند وصول اللقمة للفم، بسبب الحمير وسلالتهم ، وكالبارود يهبّ "سيخ التنظيف " ، ويعلن خطّته :اغتيال الأتان ، وليست من طريقة سوى الذبح ، من الوريد إلى الوريد . ثم شرع بتحضير مديته ، ولم يعد يرى أيّة إمكانية أخرى : إما نحن أو ..هي..
مع الليل ، انطلق "سيخ التنظيف " لتنفيذ المهمّة الطارئة ، ثم لم يعد ، فهل : نفّذ مهمّته ؟! ، أم أن الراعي كان كاذبا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر