الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب في السعودية

هالة موسى

2012 / 8 / 20
الادب والفن


حب في السعودية رواية داخل رواية

إن رواية " حب في السعودية " لابراهيم بادي التي رآها البعض صادمة وطامحة لكشف المسكةت عنه ، حيث مازج بين ذات ساردة وأخرى استفادت من فكرة الميتاقص ، حيث يقدم لنا بطلا داخل رواية مركبة من سيرتين مع محاولة الإيهام بالسيرذاتية ، فالسارد في الرواية ليس هو عينه المؤلف الضمني ، وإن كان الكاتب عمد إلى تلك الحيلة السردية حتى يخرج من منطقة المحاسبة على ما قدم من عمل يكشف عن خبايا مجتمع مغلق محافظ حتما سيحاسب فيه على تلك الجرأة المقصودة في العمل السردي .
ولقد نجح إبراهيم بادى أن يجعل من مؤلف رواية ( رجل وخمس نساء ) صوتاً معبراً عنه ، ومتحدثاً بضميرالمتكلم ليكشف فى نفس الوقت عن موقفه وهواجسه تجاه تجربة الكتابة الشائكة فى المجتمع السعودى ، وكأنه بهذه الحيلة يحاول تجنب أصابع الاتهام التى ستوجه إليه، إنها حيلة ذكية ليقول لنا : أنا لست كاتب هذه الرواية الفاضحة ( رجل وخمس نساء) إنه مؤلف آخر وأنا فقط أحكى عنه ولست مسؤلاً عن كل ماكتبه هذا المؤلف لهذا نجد تنبيهاً من إبراهيم بادى فى أول الكتاب بأن روايته ( حب فى السعودية ) لا علاقة لها بالواقع ، بل محض خيال وفوضى تعبر عن نفسها .
رجل وخمس نساء ) الشاب الذى نشأ فى أسرة انفصل عنها عائلها بعد أن اتهم زوجته بالخيانة ، فيما عجزت الزوجة ( أم إيهاب بطل الرواية ) عن الدفاع عن نفسها ، بسبب جذورها غير السعودية ، وقبلت مثل أى امرأة مقهورة أن تعيش فى مجتمع الرفاهة على الهامش وبأقل الإمكانات .
أرادت الأم أن تدافع عن نفسها ، وتثبت جدارتها ، إذ كرست كل طاقتها وحياتها لابنها، لتثبت لأبيه أنها أما صالحة .
أفاد إبراهيم بادي من فكرة كادرات السينما التي أصبحت ضمن أهم الحيل الفنية التي يستخدمها كتاب السردي الجديد ، فإيهاب الابن الذي تربى في بؤرة صراع مجتمعي بين المركز السلطوي الذي بيده مقاليد الأمور المتمثل في الأب ، وبين الهامش المقهور المتمثل في الأم يحاول الآن أن يعيش الحياة على طريقته الخاصة ، فهو يتحايل على المجتمع وقيمه الهيراركية الطبقية من أجل تحصيل متعته بطرائقه الخاصة التي يكسر فيها سطوة ذلك المجتمع .
" يبدأ من تقاطع طريق «الملك فهد» مع شارع «التحلية»، متجهاً شمالاً إلى طريق «الرياض – القصيم». يلتف بسيارته، من مخرج «العمارية»، ليعود في اتجاه جنوب الرياض. ينحرف مع مفرق «الدمام» إلى طريق «الرياض – الدمام»، متجهاً إلى الشرق. يقود عائداً، إلى تقاطع «الملك فهد» مع «التحلية»، قبل أن يصل إلى نقطة التفتيش التي تبعد نحو 20 كيلومتراً من الرياض، ثم يعيد الدورة ذاتها. لم ينتظرا، موعد انتهاء مُقابلتها، ليفعلا ما تعوّدا عليه، في " مشاوير" كهذه"
إذن إيهاب الذي هو في حالة جوع مستمر ، جوع نفسي وجسدي لا يجد وسيلة يطفئ فيها هذا الجوع سوى الطرقات ، والأماكن المهجورة ومعه فاطمة الفتاة التي يقيم علاقة عابرة معها ، ويحاول أن يستمتع معه بعيدا عن أعين الرقباء . وبعد لحظات تتحول السيارة ، كما ستتحول أماكن أخرى عامة مثل خلوات المطاعم والمبانى المهجورة إلى بيئة مناسبة لمداعبات جنسية سريعة وغير مشبعة ،ولكنها تسفر عن خبرات جديدية وطريفة ، فإيهاب يدرب نفسه على خلع سرواله فى السيارة من غير أن ينتبه أحد ، وفاطمة تهيئ عباءتها الفضفاضة لتكون ساترا لهما ،غير أن مثل هذه اللحظات المسروقة فى الطرقات لم تعد مشبعة .
كان إبراهيم بادي واعيا تماما بتلك المنطقة الملتبسة بين السرد التخييلي والسردي السيرذاتي ، فحاول أن يضع القارئ في ذات المنطقة الملتبسة ، حتى لا يقدر على الجزم حقيقة بأن هذا العمل الروائي هو رواية تخييليه لللبطل إيهاب ينوي المؤلف إيراهيم بادي أن يكتبها أم هي سيرة ذاتية للمؤلف غلفها بتلك الحيلة السردية ؟
طالب البعض ساعة صدور هذه الرواية بمصادرتها ورفضها بدعوى أنها تشوه سمعة المجتمع السعودي الذي هو مجتمع محافظ بطبيعته ، ودعوى هؤلاء أن تلك المشاهد الصادمة في الرواية إنما جاءت سعيا وراء الشهرة التي يحصلها المؤلف حين تصادر روايته ، ولكن في الحقيقة أن الرواية رغم أنها تبدو مجموعة من المغامرات لشاب مصاب بالهوس الجنسى ، لكن هذه الجرأة في الرواية لاتصطدم مع قيم المجتمع السعودى ( الأخلاقية والدينية ) بصراحة ولا ترفضها ، بقدر ما تشير إلى نمط الاضطراب والاغتراب السلوكى والنفسى الذى يعانيه جيل من الشباب توافرت له كل وسائل الرفاهة التى تجعل العالم مفتوحاً متواصلاً فى مجتمع مغلق محافظ على تقاليده وقيمه ،إنها إشكالية المفارقة بين الداخل والخارج أو بين الذات والموضوع وإذا كانت الرواية توجه الاتهام إلى شيئ بعينه ، فإنه موجه إلى اللحظة التاريخية المربكة التى تعيشها المجتمعات المحافظة ، وهى تستقبل الألفية الثالثة بكل مافيها من انفتاح ثقافى وقيمى ومعرفى وما ينتج عنه نوع من التشوش والاغتراب ، فبطلة الرواية ( فاطمة ) ليست فتاة منحلة بقدر ما هى ضحية مجموعة من الضغوط تنشأ عن فوران الرغبة لشابة محملة بمخاوف العنوسة
فى مجتمع يضع شروطاً صعبة للزواج ، لهذا نراها بعد لحظات اللقاء مع إيهاب
تبكى وتلجأ إلى الصلاة طالبة الغفران وتدعوا الله أن يخلصها مما هى فيه
ولكنها لاتلبس أن تعود إلى سيرتها الأولى مع رجل آخر بعد أن وجدت قدراً من
الأمان والاكتمال لتواصل هذه العلاقة ، إنه رجل ثرى مرموق ، يستطيع أن يوفر لها الحماية التى تنشدها مع وعد بالزواج لن يتحقق ، لتشير هذه العلاقة فى طرف آخر إلى أسليب استغلال السلطة ، فعشيقها الجديد هو مدير البنك الذى تعمل به . إنها عاجزة عن وقف النزيفين النفسى والحسى . يقول إبراهيم بادي في الكادرات الأولى من الرواية على لسان بطله المتخيل إيهاب : " لحظة اللقاء. تُوافق دائماً على ما يفعلانه. ثم تبرره بـ «سكْرة الشهوة»، رغم أنها تقترح فعل ذلك عليه، وتُخطط له أحياناً. لكنها تبكي بعد كل مرة. تتساءل: «هل تصلح السيارة حتى لو كُنا زوجين؟
تبكي حتى لو فعلاها في مطعم، أو في منزلها حين يكون والدها في العمل أو نائماً.
تنتظر أن يُجيبها! لا يبرر لها، بل يسألها :
- ما الذنب الذي نقترفه؟ شابٌ وفتاةٌ مولعان ببعضهما. كل منهما راغب بالآخر. أدمنتُها وأدمنتْنِي. أدمنّا تكرار جنوننا. أين يمكن أن نفعل ذلك؟ ما الفرق بين السيارة وأي مكان آخر؟ فاطمة في هذه الرواية أيضا مثال صارخ على المرأة التي تمارس المجتمعات الشرقية عليها ضغوط مركبة ، فهي رغم أنها تنساق للبطل وتشاركه غواياته إلا أنه هو نفسه يمثل عبئا نفسيا عليها ، ولا يغفر لها مشاركته المتعة ، فهو يحاسبها على متعتها التي تحصلها معه ، ويفكر بذات النمط الشرقي في التفكير ، أن هذا الشبق التي تتمتع به إنما هو ناتج عن تجربة سابقة ، وهل يغفر الرجل الشرقي لامرأته مثل هذا ولا يفكر أن هذا الشبق وهذه المعرفة الجسدية إن هي إلا بنت تجربة سابقة يقول " لكنه سرعان ما يتأسف منها. فهي تحس بأنه يؤنبها حين يبرر ويسأل. يبدو ذلك على وجهها. يقول لها: " أقتنع بأنّكِ توافقين بدافع حُبكِ فقط، مُكرهة"
لم يستفسر، إلا مرة، عن خبرتها وجُنونها وإثارتها. سألها: «كيف لم تُجربي؟ أنتِ ناهزت الرابعة والعشرين. درستِ خارج السعودية». لم تغضب من سؤاله. أكدتْ له: «خبرتي بالفطرة. نابعة من إثارتك لي وحُبكَ (لن يصدق، لاحقاً، هذا الكلام. سيطرد تبريراتٍ زرعتها فيه. سيؤمن بأنها " كانت شبقة… لا أكثر" سيقتنع بأنها ستفعل كل شيء مع غيره، وبالطريقة والأسلوب ذاتهما. سيؤكد لنفسه، أيضاً، أنها تكذب على الشاب الجديد (خالد)، وتقول له: «لا أحب فعل ذلك. أقرف مما نفعل»، وتسأله: «هل يحق لنا فعل ذلك "
بهذا العمل السردي حفر إبراهيم بادي لنفسه مكانا متميزا وسط الروائيين الجدد ، ليس لكونه عملا صادما في لغته وحالاته التي يقدمها ، بل بالألعاب والحيل السردية المتميزة التي قدتها رواية " حب في السعودية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت