الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحريري الذي مات

منير شحود

2005 / 2 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في لحظات ما, عندما تسيطر اللاجدوى, ويتعمق الإحباط, تصبح الكتابة ترفا وسفسطة. ولعله من الأفضل أن توقد شمعة لراحة نفسك أولا, لتتذكر أنك مازلت على قيد الحياة, وأن دورك لم يأتِ بعد على قائمة الظلاميين مهما اختلفت تلاوينهم الأيديولوجية.
اغتيل الحريري بلؤم فاضح, وقد تجرد قاتلوه من كل رحمة, فكان عليه أن يموت وتموت معه الحياة في أقصى دائرة يمكن افتعالها. فماذا فعل ذلك "المجرم" حتى يُنسف بهذه الطريقة؟ وإذا جانبنا السياسة قليلا, فإن الجانب الإنساني التصالحي فيه هو الذي كان يجب أن يصفى! فالحريري رجل أعمال طموح وغني, لكنه عرف كيف يقوم بواجبه دوما تجاه وطنه, ولعل مساهمته النبيلة في تعليم عشرات الآلاف من الدارسين في مختلف المراحل الدراسية لتشهد على ذلك. وهو بذلك قام بما لم تستطعه دول وحكومات تضن على العلم أيما ضنين, بينما تبذر أموال رعاياها على أتفه الحاجات والممارسات.
لعل الحريري نقيض لكل أولئك الذين جمعوا ثرواتهم بطريقة النهب المنظم, مستغلين صدفة امتطائهم لشعوبهم المغلوبة على أمرها, هؤلاء الذين لا تعرف قلوبهم الرحمة ولا البر, ويختبئون في زوايا التاريخ العاتمة. فكيف وأن الحريري لاعب سياسي بهذه المهارة, وطامح إلى دور لا يلغي الأوطان ولا يقزِّمها, إنما تسمو به ويسمو معها؟.
لم أكن أعتقد بأنني سأكتب يوما عن الحريري بهذه الطريقة, مع أنني كنت معجبا بطريقته البسيطة في الإقناع. ولم أحبذ يوما مظاهر الغنى, أو أود التعرف على الأغنياء؛ لأن الجانب الآخر من اللوحة, حيث الفقر والظلم, كان يستولي على مخيلتي. ولكن الحريري, بالفعل, كبر عندما سُفك دمه, واتضحت نبالته, التي لم يرثها, أكثر فأكثر. ولم يكن بحاجة إلى أن يسطو على سلطة ما بالحديد والنار, ليكون معتبرا.
ننحدر من درجة إلى أخرى, وننفث العنف من كل الحواس, بينما نحبس عقولنا ورغباتنا الحقة في تلافيف أدمغتنا, ونعيش مجد القبيلة وقيمها: فالرحمة والتسامح... ضعف وتخاذل, والحب... حرام, والعقلانية والتنمية مؤجلتان حتى تحرير الأرض, والتي يبدو أنها لن تتحرر إلا منا, وليس بنا. كل هذا والعالم يرتقي نحو هامات العلم والمعرفة, متسلحا بالعقل والقيم الإنسانية المشتركة.
أيكون اغتيال الحريري ضربة اليائس الأخيرة, أم أنها لعبة الدم القديمة, والتي يراد لها أن تتكرر وتسود, حيث القاتل بريء وحامل للنعش؟ ألسنا مسؤولين جميعا عما يحدث, أم سنبقى شهودا إلى أن نصير شهداء؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو