الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة عصام العريان!!

صالح سليمان عبدالعظيم

2012 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت تصريحات الدكتور عصام العريان، القائم بأعمال حزب الحرية والعدالة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الأخيرة، والتي وجه فيها نقدا لاذعا وتجريحا لا يليق بالمرحلة التي تمر بها مصر الآن للتيار اليساري المصري، حيث قال بأن "التمويل الخارجى واحتقار الدين والتعالي على الشعب أبرز أسباب فشل قوي اليسار في العالم العربي"، وهي تهم إن لم تثبت صحتها يمكن أن تصل بالعريان إلى السجن، مثله مثل حالة توفيق عكاشة.
والواقع أنني كنت أظن أن العريان أعقل من توجيه تلك الاتهامات بمثل هذا الشكل المفضوح، والبالغ العمومية. فاليسار المصري له شرف الدفاع عن العريان وغيره حينما كانوا يقبعون في السجون والأمثلة كثيرة يأتي في الصدر منها المرحومان المحامي النبيل أحمد نبيل الهلالي والصحفي اللامع محمد سيد أحمد.
وعموما وبدون الدخول في سخافات ما قاله العريان فإن المسألة أعمق من ذلك بكثير؛ فالواقع المصري يكشف عن عمق الكراهية بين التيارات الإسلامية نحو غيرها من التيارات الأخرى. ويمكنني القول بأن تلك التيارات تكن العداء نفسه فيما بينها حينما تختلف المشارب وتتوزع المصالح وتتضارب. ولقد لمست ذلك أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأميركية ومعايشتي لتلك التيارات والصراعات القائمة فيما بينها، وهي صراعات لا يحكمها منطق أو أساس علمي حقيقي لمعني الصراع، بقدر ما يحكمها الكثير من الرغبة في الإستئثار بالمناصب والمزايا أو حتى إمامة المصلين، كما يحكمها الحقد والضغينة ناهيك عن استعلاء البعض على البعض الآخر. ويكفي أن أذكر أن أصحاب التيارات الإسلامية كانوا يتصارعون في المدينة الصغيرة التي كنت أدرس بها الأمر الذي جعلهم ينقسمون إلى جماعتين لكل جماعة المسجد الخاص بها وربما طرائق العبادة الخاصة بها.
وعموما يمكنني القول من خلال ملاحظاتي الإثنوجرافية التي امتدت لسنوات خمس بوجود تصورات محددة مستقرة في أعماق من ينتمون لتيارات دينية بعينها، وهي ملاحظات أعتقد أنها يمكن أن تنسحب على أي دين في العالم يتحول من طابعه المتسامح الذي يربط العبد بربه إلى طابعا أيديولوجيا وقيميا يصنف البشر ويقيمهم وفقا لأهواء صاحب الأيديولوجيا ومُحددها، فمن يطيع ويقبل يصبح مؤمنا ومن يرفض ويتمرد يصبح كافرا. وهنا يكمن مأزق كافة التيارات الفكرية وليس الدينية فقط في عالمنا العربي؛ فنحن لم نتعود بعد على ثقافة الاختلاف والقبول بها، ولم نعي ثقافة التسامح التي أمرتنا بها الأديان ودعى إليها الأنبياء.
وما قاله العريان ينم عن ضحالة فكرية تامة، كما ينم عن شعور بالقوة، وتغول على الآخرين واستعلاء عليهم. فالعريان وهو سجين سابق، يتناسى ما مر به من سجن، ويتناسى ما مر به من حرمان، وأغلب الظن أنه سوف يقبل بسجن كل من يخالفه في التوجه، ناهيك عن تعذيبه أو قتله. حينما يتحول العريان بين ليلة وضحاها، وينسى ما قاله أيام الثورة وتصريحاته الثورية وحديثه عن الثورة والثوار، فهو إما شخص غير ناضج فكريا، وإما شخص مأزوم بفكر الثورة تواطأ مع الحدث رغبة منه في اعتلائه والتكسب منه، وإما أنه في العمق منه شخص فاشستي دموي لديه بنية مهيأة لممارسة القتل والتعذيب؛ بمعنى آخر نحن أمام الوجه الآخر لجلاده الذي كان يسجنه ويحقق معه ويسلب منه حريته.
لا تصب تصريحات العريان إلا في خانة التهييج والتصريح بالقتل، مثلما حدث قبلا مع الراحلين نجيب محفوظ وفرج فودة، وهي مسألة لن تفيد أحدا في مصرنا العزيزة، ولن تصب في مصلحة الإسلام والمسلمين. يا أخى إذا كنت تتصور نفسك مسلما تطلق اللحية وتبدأ حديثك بذكر الرسول العظيم صلوات الله عليه وسلامه، فقد نهى الإسلام عن تكفير البشر ونهي عن توجيه التهم جزافا، كما أوجب التحوط فيما يقال أو يوجه للآخرين من تهم؛ ألا تعرف الآية الكريمة الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" سورة الحجرات رقم 6. فوفقا للآية الكريمة لا يجب عليك أن تطلق التهم يمينا شمالا ضد الآخرين، ويجب أن تتقبلهم وتتسامح معهم، هكذا كان يفعل الرسول الكريم مع المخالفين له في العقائد والتوجهات والأيديولوجيات.
على ما يبدو أن تصورات التيارات الإسلامية لليساريين مازالت توجههم، وتحرك أحكامهم، وهي تصورات مغلوطة وقاصرة وتنم عن قلة وعي وخبرة بمن يخالفونهم في الأفكار والتوجهات. وعموما يا شيخ عصام، لا أعلم هل أناديك بالشيخ أم بالدكتور أم برئيس الحزب أم بالسجين السابق أم بالناشط أم بالحركي أم بعصام أم بالعريان، لنفرض إن إبنك أو بنتك أو أخيك أو أحد أقاربك أعجبته الأفكار الليبرالية أو اليسارية، هل سوف تقتله، أم سوف تعتبرها فضيحة، أم سوف تستنجد بالمرشد والجماعة لاتخاذ ما يلزم من قرارات!!
يا سيد عصام لا يغرك واقعك الآن ويمنحك تلك الفجاجة القميئة في توجيه الإتهامات للناس جزافا، فالواقع المصري المرن قوي بتعدد تياراته وإبداعاته، ولن يلقى بالا لتلك التفاهات التي تفتأت بها على الآخرين وتكيل من خلالها الإتهامات؛ هو واقع وسطي محب لله ومحب للحياة ومحب للتنوع، فبالله عليك كن ضمن هذا التنوع ولا تتصور نفسك مثل شيوخ فتاوى القتل قيما على صدور وأفكار وتوجهات الآخرين!! "أَوَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنّ الْمُنَافِقِينَ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد