الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات تبدو حرة...الغائب الأكبر فيها الوطنية العراقية

محسن صابط الجيلاوي

2005 / 2 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عند الحروب تتوحد الأمة خلف الدبابة، وعند الثورات خلف الشعار المهيج، وفي الدول الديمقراطية مقدار تحقيق مصالح الناس... أما في الحالة العراقية فقد كان حاضرا كل شيء وغائبا ذلك الأهم من الوطنية وتجلي وحدة الأمّة، تلك هي صورة الانتخابات التي جرت، نعم إنها حالة جديدة ورائعة أن يلمس المواطن العراقي ورقة صغيرة يختار فيها حريته المفقودة التي داسها العسكر بقوة منذ عام 1958 حتى سقوط الصنم، ولكن قدر الأمم أحيانا أن تتوحد خلف قادة عظام وبين أن يكون الفراغ هائلا لكي يُملى بذلك الخراب..لقد أثبتت البشرية بلا شك أن الشعوب نفسها تكون على خطا، عندما تُغلب الشعار على صوت العقل، تلك هي قدر أمم عظيمة مثل ألمانيا، روسيا، اليابان، إيران...وغيرها، فمن المسيرات المليونية لدعم أنظمة جديدة إلى مسيرات مليونية لإسقاطها، فالواقع هو كنز غني لحفر المعرفة وتلمس الخطأ من الصح...وبعد كل تلك التجربة الغنية للشعب العراقي نراه يخرج ليصوت إلى العشيرة والقومية وطوائف وحارات وشيوخ، إن الشكل الخارجي متحضر، لكن في جوهره قائم على تحطيم ثوابت الوحدة الوطنية والخيارات التي تزدهر عليها ثوابت الأمم المتطلعة لوحدة قوية تندمج وتنفتح على العالم، يكون فيها الإنسان تلك القيمة العليا التي تزدهر بها كل مفردات النمو والبناء....لقد انتصرت قوائم الطائفة والقومية والعروق، وغابت كليا قوائم يتشكل فيها تنوع العراق، فنحن ( سحلنا )الطائفية السياسية(سحلا )إلى المجتمع، على عكس المطلوب تماما، فأمام كل فئة كان حاضرا غبار الفئويات وغائبا جسد العراق الجريح...تلك هي الحقيقة المؤلمة، فأمام الأكراد مطالب طويلة لقضم أجزاء أخرى من الآخر، وأمام الشيعة مهمة سلطة الأكثرية المصنفة، وأمام التركماني ذلك الغزو الكردي، وأمام المسيحي واليزيدي سوى الصراخ، لكونه غائبا عن معادلة الكبار بحيث لم يتاح له حتى مجال التصويت، تلك هي بكل تأكيد مخلفات الدكتاتورية التي خربت وشظت إلى ابعد الحدود لكي يكون كل شيء طيعا في يدها.....لقد أنتصر الجميع كما هو معتقد سلفا، لكن الخاسر الأكبر في حسابات المنطق والفعل المستقبلي هو الجميع وذلك الوطن الذي سيتحول إلى تجارب كثيرة حتى نعي سعة الخراب ونقول كفى، ونعود لتجارب الشعوب الماثلة، وكيف بنت أوطانها..!
السؤال في بلد من أول المهام المائلة لإعادة الحياة إليه، هو البناء الاقتصادي، وبهذا يحتاج أولا لفكر اقتصادي معين شديد الوضوح والمقاربة مع الحياة، ذلك ما جرى بالضبط بعد حروب ومآسي لألمانيا واليابان مثلا..سؤالي ما هو الفكر الاقتصادي للفائزين في الانتخابات العراقية ؟لقد خرج هذا الشعب ليهتف لهذا المعمم أو ذاك ( بعضهم استبدل العمامة باللحى – رمزية حركية للتدين العراقي ) وهي رغبة تسوقها العاطفة دوما، وإلا ما هي صناعة المعممين في كل تاريخ العراق وفي كامل تاريخ الحضارة الإسلامية، ؟؟ لقد ازدهرت الدولة في عصورها العباسية والأموية بقدر ابتعادها عن سلطة المتدينين.. وانتصرت أوربا على التخلف وخرافات الكنيسة بعد أن شبعت ظلما لأكثر من 800 سنة، وماثل اليوم ما يعانيه الإنسان الإيراني والسعودي على أيدي أنظمة شعارها ولحمتها الإسلام السياسي...فأوربا الاشتراكية بعد أن حطمت أنظمتها التلوتارية لم تهرب نحو فكر ماضوي بل اغتنت بتجربة البشرية في مناطقها الأكثر تقدما وانتمت إليها فكرا اقتصاديا وفلسفة حياتية وشكل أنظمة سياسية...والجوهري في فكر العولمة، وفي الفكر السياسي الذي حقق شيئا يحترم الإنسان هو تلك الغنى في التنوع، في حقوق الإنسان، في الوطنية التي تتسع للجميع، في قوة الدولة المستمدة شرعيتها من الناس، في رفض العنصرية، وفي تحقيق مفهوم الشعب القائم على الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو القومية أو الطائفة أو اللون أو الجنس، ذلك هو الواضح في أكثر الأمم ازدهارا وتنوعا مثل أمريكا، كندا، استراليا، هولندا، السويد...حيث هناك أمم مزدهرة لأنها ابتعدت عن التآكل الداخلي في تصنيف الناس، وهذا ما فهمه نيلسون مانديلا العظيم حيث أدخل بلادة إلى بر الأمان رغم ما تعرض له شعبة من عذابات مغلبا المسؤولية الكبرى للمفكر والإنسان بصياغة ورسم ملامح قابلة للثبات لوطن يحترم الجميع... وكم هي حاجة العراق لذلك، ولكن على الأرض العكس تماما، فنحن ندخل ما لفظته الشعوب وتركته ورائها بعد عذابات ومنذ أزمان طويلة...فالشيعي هائج بالتشيع وبضرب الرأس واللطم، والقومي هائج باستحضار قوة قوميته على سحق الآخر سواء بالحيلة أو بالسلاح، لقد سقط القومجي جنوبا ليستحضر شمالا وعلى نفس الإيقاع من حيث الجوهر ولو في الشكل الجنيني للاستبداد كسلطة حديثة ... ومعها يستمر استبدال صور الرئيس القائد بصور جديدة، تماما في نفس المكان وبنفس المنطلقات، فقط شكل( القائد ) تبدل، في السبعينات رفع الشعب عاليا السيد النائب، وكنا نشعر بالحصار لكوننا نعيش وسط كثرة تصفق وتصفق، واليوم يستمر التصفيق والهتاف لقادة لم نجربهم بعد، شكل المظاهرات لم يتغير، معها تم استبدال عناوين القصيد بالقادة الجدد مما يعطي انطباعا سوداويا على عدم فهم التاريخ والاتعاظ بنتائجه، أننا أمام فرادة في جدل هذه الأمة التي ابتليت بتلك الثقافة، إنها ثقافة تقوم على انتزاع الإنسان من مكانه ووجوده في هذا العالم، وجعله منغلقا ومسكينا وهائجا، لكي يحقق رغبات قيادات لا تنتمي لأي فكر بقدر انتمائها لما يجعل وصولها للسلطة أمرا قائما...انتخابات فاز فيها التاريخ الآني، كون العراقي مارسها لأول مرة بعد عقود طويلة، وخسر فيها ذلك المستقبل الذي نتركه لأجيالنا اللاحقة حيث البحث عن شكل للخروج من المحنة، ووسط هذا يستمر ضياع هائل لمصالح العراق ولثرواته ولمستقبله القريب.. أن التاريخ يعيد نفسه بمأساة على شكل دائرة، السؤال متى تنتهي..؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن