الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيمة والقيمة التبادلية ۱

حسقيل قوجمان

2012 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


القيمة والقيمة التبادلية ۱
تعودنا دائما ان نتحدث عن ان كل انتاج انساني هو قيمة وقيمة استعمالية ولكني اشعر ان هناك خلط بين القيمة والقيمة التبادلية وعدم التمييز بين القيمة والقيمة التبادلية. والحقيقة ان القيمة شيء يختلف عن القيمة التبادلية اختلافا كبيرا.
لكي يستطيع الانسان ان يعيش عليه ان يعمل على تحويل جزء من الطبيعة الى مادة يستطيع استعمالها. فالثمرة الموجودة على الشجرة لا تصلح لاستعمال الانسان عليه ان يتسلق ويحصل على الثمرة لكي تصبح الثمرة مادة يستطيع استعمالها. والحيوانات الموجودة في الطبيعة ليست صالحة لاستعمال الانسان عليه ان يصيدها لكي يستطيع استعمالها لطعامه. لكي يستطيع الانسان الحصول على مادة طبيعية لاعالته عليه ان يعمل على الطبيعة لتحويلها الى مادة يستطيع استعمالها. كان هذا الوضع قائما منذ نشوء الانسان على الكرة الارضية وما زال. فالانسان اليوم ايضا لا يستطيع الحياة والحصول على معيشته الا عن طريق العمل على الطبيعة لتحويلها الى مادة يستطيع استعمالها.
وكما هو الحال في كل امر كان على الانسان ان يجد كلمة تعبر عن هذا العمل على الطبيعة فكان التعبير عنه الذي استقر في النهاية باللغة العربية كلمة قيمة وفي كل لغة اخرى كلمة تعبر عن نفس العمل. القيمة هي علاقة مباشرة بين الانسان والطبيعة. القيمة هي اسم العمل البشري على الطبيعة لتحويل جزء منها الى مادة يستطيع استعمالها واصطلح على تسمية المادة التي يحصل عليها الانسان في هذا العمل قيمة استعمالية لانها مادة تصلح لاستعمال الانسان نتيجة للقيمة اي العمل الذي بذله الانسان على الطبيعة من اجل الحصول عليها.
يصطلح باللغة العربية على عملية القيمة، العلاقة المباشرة بين الانسان والطبيعة، والمادة التي يحصل عليها في العملية، القيمة الاستعمالية، كلمة انتاج. فكل انتاج انساني هو قيمة، عمل انساني مباشر على الطبيعة، وقيمة استعمالية، مادة صالحة لاستعمال الانسان. الانسان منذ نشوئه كان انسانا منتجا.
وقد وجد الانسان طريقة لقياس كل انتاج وكل ظاهرة في الطبيعة. فقاس الاطوال والمسافات بالشبر والقدم واليارد والميل ثم بالمتر والكيلومتر. وقاس الارض بالدونامات والاكارات وبالمساحات من هذه المقاييس. وقاس الاجسام بالوزن القيراط والمثقال والغرام والكيلوغرام والرطل. وكذلك قاس القيمة، العمل المباشر على الطبيعة، بالزمان الذي يبذله الانسان في عملية الانتاج.
يلاحظ اننا نسمي المادة المنتجة مادة صالحة لاستعمال الانسان ولا نسميها مادة مفيدة للانسان. اذ يمكن ان تكون المادة التي ينتجها الانسان مفيدة للانسان كالطعام والملابس، وان تكون المادة المنتجة مفيدة ومضرة للانسان في الوقت ذاته، فانتاج السهم او البندقة او اي سلاح اخر نافع للانسان لاستخدامه كعامل مساعد على الانتاج ومضر للانسان عند استعماله لقتل الانسان. وهناك انتاج لا فائدة فيه للانسان بل هو انتاج لا يصلح للاستعمال الا لقتل الانسان، القنبلة الذرية والاسلحة الكيماوية واسلحة الدمار الشامل عموما. لذلك يصطلح على كل انتاج بانه قيمة، عمل انساني مباشر على الطبيعة، وقيمة استعمالية، مادة صالحة لاستعمال الانسان. وكل انتاج على هذا الاساس هو قيمة وقيمة استعمالية.
والانسان حاول دائما زيادة الانتاج، اي تقليص الوقت الذي يبذله الانسان عند انتاج نفس المادة الصالحة لاستعماله. فوجد مثلا ان العمل الجماعي يجعل الانتاج اسرع لانتاج نفس المادة مما يعمل كل انسان من الجماعة وحده على انتاج نفس المادة، وهذا يسمى بالعربية التعاون.
كذلك توصل الى استخدام قسم من انتاجه كعامل مساعد على الانتاج الجديد مما يقلص الوقت اللازم ويسهل على الانسان عملية انتاجه. فانتاج المحراث الحديدي واستخدام الثور المدجن لسحب المحراث يسرع عمل الانسان في حراثة الارض ويسهلها. واستعمال البخار وانتاج الماكنة البخارية، وانتاج الكهرباء واستخدام الالة الكهربائية هو الاخر يسهل الانتاج ويقلص زمن انتاج نفس المادة وحتى الوسائل الالكترونية والروبوت هي وسائل تسرع الانتاج اي تقلص زمان انتاج نفس المادة وتسهل عمل الانسان المباشر على الطبيعة.
ان تاريخ الانسان هو تاريخ تطور الانتاج نوعيا وكميا. وطالما كان الانسان ينتج ما يكفي لاستعماله الخاص فردا او جماعة كان الدور الاساسي لانتاجه هو القيمة الاستعمالية. ولكن تطور الانتاج كميا ونوعيا يؤدي الى انتاج ما يزيد على ما يحتاجه لاستعماله الذاتي. تصبح هناك حاجة الى التخلص من الانتاج الزائد عن حاجة الاستعمال الشخصي او الجماعي بتحويله الى شخص يحتاج الى نفس الانتاج مقابل انتاج شخص اخر ينتج انتاجا اخر يستطيع استخدامه استخداما شخصيا. يصبح الانتاج الفائض على استعماله الذاتي قابلا للتبادل.
راينا ان كل انتاج بشري هو قيمة، علاقة مباشرة بين الانسان والطبيعة، وقيمة استعمالية، قابلية الانتاج الناتج كمادة صالحة لاستعمال الانسان. اي ان الانتاج ايا كان هو وحدة قيمة وقيمة استعمالية، وحدة نقيضين. في الفترة الاولى من تاريخ الانتاج كان نقيض القيمة الاستعمالية غالبا على نقيص القيمة في الانتاج لان القيمة الاستعمالية هي المقصود من الانتاج. ولكن ازدياد الانتاج كميا ونوعيا خلق ضرورة تغلب القيمة على القيمة الاستعمالية فحصل نقض الانتاج، اصبح نقيض القيمة هو النقيض الغالب في تناقض الانتاج. اصبح هدف الانتاج منصبا على تحقيق القيمة قبل تحقيق القيمة الاستعمالية لان القيمة هي التي ينبغي على المنتج تحقيقها لكي تصبح القيمة الاستعمالية صالحة لاستعمال انسان اخر غير منتجها. هذا التحول ابرز دور القيمة في تناقض الاتتاج على دور القيمة الاستعمالية، وحول الانتاج الى سلعة.
تحول الانتاج الى سلعة سواء في البداية حين كان المنتجان والمستعملان يلتقيان مباشرة فيتبادلا سلعتيها لكي يستفيد كل منهما بالقيمة الاستعمالية للسلعة فيما يسمى المقايضة ام بتطور السلعة وتنوعها حين تحتم ايجاد سلعة يتفق عليها جميع المنتجين على مبادلة سلعهم بها وتحول هذه السلعة الى نقود. اخذ المنتج يبحث عن القيمة العامة، النقود، يبادل بها سلعته هي القيمة التبادلية.
بما ان القيمة لا تظهر في السلعة ذاتها لانها مدة العمل المبذول في انتاجها فان المنتج يرى في القيمة التبادلية قيمة معادلة لقيمته. القيمة التبادلية هي كالمراة تعكس صورة القيمة اذ تمثل قيمة معادلة للقيمة التي تبادلها.
القيمة هي مقدار عمل الانسان على الطبيعة المختزن فيها من اجل تحويل جزء من الطبيعة الى مادة صالحة لاستعمال الانسان. فهي خاصية ثابتة في المنتج في كل الاحوال اما القيمة التبادلية فهي قيمة منفصلة عن السلعة تشكل صورة للقيمة المختزنة في السلعة. اذا نظرت في المرآة فانني ارى فيها انعكاسا لصورتي ولكن زوال المرآة لا يعني زوال صورتي. كذلك الامر في القيمة فان صورة القيمة، لا تزول بزوال المرآة التي تعكس صورتها، القيمة التبادلية، بل الذي يزول هو القيمة التبادلية. القيمة هي صفة ثابتة في الانتاج سواء اكانت هناك قيمة تبادلية ام لا.
ان التطور الكمي والنوعي للانتاج يؤدي حتما الى تغير كيفي. زيادة الانتاج الشخصي عن حاجة المنتج يؤدي حتما الى نقض الانتاج. ففي حين ان القمة الاستعمالية للانتاج كانت القيمة المسيطرة في التناقض اصبحت القيمة هي النقيض الغالب على الانتاج. الانتاج السلعي بكل مراحله حتى قمة الانتاج السلعي في الانتاج الراسمالي يشكل النقض الاول للانتاج.
ان التغير الكمي والنوعي في الانتاج يؤدي حتما الى حدوث تحول نوعي ثان، النقض الثاني لتناقض الانتاج. النقض الاول كان حين اصبح نقيض القيمة هو النقيض الغالب في التناقض بين القيمة والقيمة الاستعمالية. النقض الثاني هو تحول نقيض القيمة الاستعمالية ثانية الى النقيض الغالب في تناقض الانتاج. التعبير الصحيح للنقض الثاني هو نقض النقض وليس نقض النقيض كما يدعوه البعض لانه نقض ثان للنقض الاول.
في النقض الثاني، نقض النقض، يعود تناقض الانتاج الى ما كان عليه في البداية. يعود نقيض القيمة الاستعمالية الى النقيض الغالب في الانتاج. يعود الهدف من الانتاج هو القيمة الاستعمالية ولكن بمستوى اعلى مما كان في البداية. يصبح المنتج في هذه الحالة هو المجتمع وليس المنتج الفرد. وما يرافق ذلك من نتائج كان تصبح ادوات الانتاج ملكا للمنتج الذي هو المجتمع. والانتاج كله هو قيمة استعمالية للمجتمع كله. تختفي في هذا المجتمع القيمة التبادلية ولكن الانتاج يبقى قيمة لان الانتاج هو علاقة مباشرة بين المنتج والطبيعة والقيمة تبقى مخزنا للعمل الانساني المباشر على الطبيعة. ويبقى الانتاج قيمة استعمالية لان هدفه هو تلبية حاجات المجتمع من القيمة اي الانتاج الاجتماعي. وتختفي في هذا المجتمع القيمة التبادلية وتختفي معها النقود التي تمثل القيمة التبادلية في مجتمع التبادل السلعي. القيمة التبادلية هي ظاهرة مقتصرة على مجتمع الانتاج السلعي ولا وجود لها في المجتمع الشيوعي.
في المجتمع الشيوعي تختفي السلعة والقيمة التبادلية والنقود. لكن نقض النقض لا يؤدي مباشرة الى مجتمع شيوعي. نقض النقض يحدث حين يكون المجتمع الراسمالي في اوج تطوره. ولا يمكن محو كل اثاره مباشرة عند تحقق نقض النقض. كانت القيمة في الانتاج الراسمالي هي الصفة الاساسية في الانتاج الراسمالي وكان قانون القيمة، او قانون التبادل السلعي، او قانون مبادلة المعادل بالمعادل، وهي كلها اسماء لنفس الامر، القانون المنظم للانتاج الاجتماعي الراسمالي رغم ارادة الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القيمة
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 8 / 23 - 14:16 )
الاستاذ حسقيل
تحياتي لكَ وأتمنى أن تكون بصحة طيبة وسلام
أستاذي الكريم
لو : سمحت لي بتعقيب صغير
تقول:وكذلك قاس القيمة، العمل المباشر على الطبيعة، بالزمان الذي يبذله الانسان في عملية الانتاج
هذا صحيح ولكن الأصح منه كما جاء في بؤس الفلسفة 1847 :
حيث عُرفت القيمة بمدّة العمل الضرورية..وبصفة ..أدقّ..الحدّ الادنى الضروري
وفي رأس المال: يؤكد ماركس أن قياس كمية القيمة أو مقدارها...wertgröße هو الوقت , ويتعلّق الأمر طبعاً , بالوقت الضروري اجتماعياً لإنتاجها

مع الاحترام والتقدير


2 - الديالكتيك في العمل
يعقوب ابراهامي ( 2012 / 8 / 23 - 18:08 )
لديّ سؤالان في الديالكتيك: 1. لماذا القيمة هي النقيض للقيمة الستعمالية؟
2. كيف يفعل قانون فناء الضدين هنا؟


3 - التناقض
محمد فيصل يغان ( 2012 / 8 / 23 - 19:07 )
لا بد للعمل كي يصبح قيمة أن يكون الناتج قيمة استعمالية, أي أن العمل بحد ذاته ليس قيمة الا إذا تجسد بشكل نوعي ذي قيمة استعمالية. ماركس يشير لهذه الحقيقة بقوله: -لا يمكن أن تكون للشيء قيمة بغير أن يكون ذا منفعة- و لكنه مع الأسف يعود و يدخل قراءه بالدور المنطقي للدجاجة و البيضة (بعدم توضيحه العلاقة الشرطية) حين بقول لاحقاً: -إن القيمة الاستعمالية أو الشيء النافع ذو قيمة لأنه يتضمن عملاً أنسانياً-. إذن قبل انتاج الفائض لا يوجد تناقض بين القيمة – العمل و القيمة الاستعمالية حيث لا تناقض بين الشارط و المشروط, أو هو تناقض كامن و غير فاعل. التناقض يظهر في حالة انتاج الفائض و ظهور شكل جديد للقيمة-العمل أي ظهور القيمة التبادلية و التي تحددها القيمة الاستعمالية للسلعة الاخرى (المعادل) أي أن القيمة تظهر كنقيض للفيمة الاستعمالية لذات السلعة بتقمصها لقيمة تبادلية مشروطة بقيمة استعمالية لسلعة أخرى


4 - للقيمة الستعمالية؟
علي عجيل منهل ( 2012 / 8 / 23 - 22:10 )
تعليق 2 ---- -القيم الاستعمالية


5 - إلى علي عجيل منهل 4: وضح واشرح
يعقوب ابراهامي ( 2012 / 8 / 24 - 07:56 )
أنت لا تفهم في الديالكتيك. لماذا تتدخل إذن في موضوعٍ لا تفهم فيه شيئاً؟ هذا يختلف عن موضوع الحمير يا عزيزي! هذا موضوع جدي


6 - سؤال
سامي عيّاش ( 2012 / 8 / 24 - 08:08 )
الاستاذ العزيز
ما الذي يحدث عندما تلغي دولة ما فائض القيمة من العملية الانتاجية دون ان تتمكن من العبور الى الاشتراكية ؟ ماذا نسمي هذه الدولة ؟


7 - إلى علي عجيل منهل 4 ثانيةً
يعقوب ابراهامي ( 2012 / 8 / 24 - 08:21 )
أنا تعهدت بالكف عن اصطياد الأغلاط اللغوية والمطبعية. لا أتذكر أنني أوكلت هذه المهمة لك


8 - إلى علي عجيل منهل 8: إنشقاق في الشلة
يعقوب ابراهامي ( 2012 / 8 / 24 - 10:05 )
هناك بعض الكائنات البدائية الحية التي تتكاثر عن طريق الإنشقاق


9 - الشلة
علي عجيل منهل ( 2012 / 8 / 24 - 10:21 )
اصبح وامسى لها-
راس الشلة- والولاء له-- ثابت لايتغير
ام الشلة
رئيس الشلة
الاب الروحى للشلة
اب الشلة وهو قدم استقالة
المنظر للشلة
سفير الشلة
اعضاء عاملون وفاعلون -


10 - النقض في القيمة
محمد البدري ( 2012 / 8 / 30 - 22:34 )
إذا كانت القيمة الاستعمالية وفقط غير قادرة علي انتاج فوائض، وهي كذلك بالفعل (بغض النظر لمن ستذهب الفوائض)، فان امر الانتاج بهدف الاستعمال سيكون مجرد تقليد وإعادة تكرار للحالة البدائية حين تسلق البشر الاشجار لجني الثمار او السطو علي اعشاش الفراخ أو جمع الحطب. فقام قانون الجدل عبر تراكم الفائض في الانتاج الي تحول القيمة الاستعمالية الي ما سمي القيمة في المقال حيث تم اكتشاف ان هناك من يمكنه العمل اقل وتحقيق نفس القيمة الاستعمالية عند من يعمل اكثر. تلك هي الاشكالية التي نتجت واصبح (الفائض) رأس المال قادرا علي انتاج المزيد من الثروة السلعية او الثروة المالية. ولماذا اقول اشكالية لانه عن طريق نمط الانتاج للاسنعمال وفقط لم يكن ممكنا التطور لان التطور يلزمه فائض كما حدث في الحالة البدائية لنمط المقايضة. وهنا فاننا في انتظار تحول نوعي للفائض كما مثلما تحول هو في نهاية عصر المقايضة. واتمني ان نجد طريقة غير تلك التي اتبعها كثيرون علي علي قاعدة من الانقضاض ليس فقط علي الفوائض بل علي الاصول فاصبحوا علي ما فعلوا نادمين. شكرا للاستاذ حسقيل قوجمان

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق