الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رُقادي صارَ نفياً للرُقادِ !

عمّار المطّلبي

2012 / 8 / 25
الادب والفن


إهداء: إلى الشّاعر الكبير عبد الستّار نور علي


رُقادِيْ صارَ نَفْياً لِلرُقادِ
وكيفَ ينامُ محزونُ الفؤادِ؟!
وذابَ الحدُّ بينَ كرىً وصُبحٍ
فما أدريْ مناماً مِنْ سُهادِ
وكنتُ مُعانقاً أخشى افتِراقاً
فإنَّ البَيْنَ عاقِبةُ الوِّدادِ
هشيماً يَنتَهي ما كانَ زَرعاً
وَ وَهْجُ النّارِ دوماً لِلْرّمادِ
وفي الحالَيْنِ دمعُ العَينِ جارٍ
كَفِعْلِ القُّرْبِ فِعلُ يَدِ البِعادِ !
و ما فارَقْتُها إلاّ اضطِراراً
ولَوْ خُيِّرْتُ مِلْتُ إلى فؤادي
نَأَيْتُ عنِ البلادِ وكُنتُ فيها
وحينَ بَعُدْتُ عادتْ لِيْ بِلادي
تَداوَلها مَنِ اسْتَفَلُوا فأضحَتْ
وما فيها يُرى غيرُ الجَرادِ (1)
و راياتُ الحِدادِ بكُلِّ فَجٍّ
نَبوءةُ وَصْفِها أرضَ السّوادِ
فلمّا أشرَقَتْ جاءتْ بِشمسٍ
كَلَونِ الليلِ أوْ لونِ المِدادِ
رَجونا العِتْقَ منْ وغدٍ دَعِيٍّ
فكُوفِئنا بِحُكْمٍ للفسادِ !!
و أُبْدِلنا بِسَفْكِ دمٍ و حَرْبٍ
مجازِرَ ذِكْرُها في كلِّ نادِيْ
وكانَ اللّصُّ فَرْداً صارَ ألفاً
و بِيعَ الشّعبُ بَيْعاً بِالمَزادِ
لُصوصٌ مالَهُمْ شِبْهٌ بِخَلقٍ
إذا حَلُّوا دَنا يومُ التَّنادِ
فليسَ لهمْ بآدمَ مِنْ نصيبٍ
إذا نُسِبُوا غَداً فإلى القُرادِ (2)
ترى الخيراتِ في نَقْصٍ وَشُحٍّ
و ما نهبُوهُ دوماً في ازدِيادِ
لَهُمْ نِفطٌ إذا ظمِئوا شراباً
فإنْ جاعوا الأُخيضَرُ خيرُ زادِ (3)
وَصَلْنا لِلمعالي حينَ جاءوا
و حزْنا السَبْقَ لكنْ بارتدادِ
وَ فَدْمٍ قائلٍ لِلناسِ صبراً
سَيُجزى صبرُكُمْ يومَ المعادِ! (4)
لهُ أُذُنٌ بها وَقرٌ و عَيْنٌ
بِها لَيلٌ و قَلبٌ مِنْ جَمادِ !
فَليسَ بِسامعٍ شكوى يتيمٍ
و ليسَ بِمُبصِرٍ جوعَ العِبادِ
ينامُ منعّماً و الناسٌ نامتْ
على فُرُشٍ نُسِجنَ منَ القَتادِ (5)
أريّاً بعدَ أنْ سَرَقوا فُراتاً
و دجلةُ سيّدُ الأنهارِ صادِيْ
بِلاديْ تُرْبُها نَدٌّ و عِدٌّ
بِها خيرٌ و أرضٌ لِلرشادِ (6)
فكيفَ غدَتْ مفازاتٍ يباباً
و نَهبا لِلأراذلِ والأعادي؟!
و جنّاتٍ بها حطَّتْ نُجومٌ
كَمِثلِ سحابةٍ فوقَ الوهادِ !!
عليكِ العَينُ يا بغدادُ تَبكيْ
و دُنيا غيّبَتْكِ لَفيْ حِدادِ
مُرادُ الناسِ في الدُنيا رخاءٌ
وليسَ لِغيرِها يَصْبو مُرادي
أبغدادُ اسأَليْ هلْ نمتُ يوماً
وَدَمْعيْ لمْ يَفِضْ فوقَ الوِسادِ
أُحدّثُ نَفْسيَ الثكلى حَديثاً
و ليسَ تُجيبُ إلا بالتَمادي
أقولُ لها نأتْ بغدادُ نَفْسي
رويدَكِ فاخلعيْ ثوبَ العِنادِ
وأحمِلُها على النِسيانِ حَملاً
فَتَحمِلُنيْ لها والشّوقُ حادِيْ !
فلا يَخبوْ بِقَلبيْ التوْقُ حتّى
يَثوُرُ كصاحبِ المرَضِ العِدادِ (7)
و ما أسلَمتُ لِلدُنيا قِياداً
و لكنّيْ لها سَهْلٌ قِيادي
فإنْ تَكُ تنفَدُ الأعمارُ يوماً
فما لِلشَوقِ عَندي مِنْ نَفادِ !
____________________________________________
1) إستفَلوا: إنحطّوا
2) القُراد: حشرة ماصّة للدماء و ناقلة للأمراض
3) الأُخيضَر : تصغير الأخضر. يُسمّى الدولار في العراق بالأخضر . والمقصود هنا المال
4) فَدْم: الفَدْم من الناس: العَيِيُّ عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم ( لسان العرب)
5) القتاد: شجر له شوك
6) نَدٌّ: طِيب، عِدٌّ: كثير
7) المرض العِداد: هو المرض الذي يهدأ حيناً، ثُمّ يعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكم محبتي
عبد الستار نورعلي ( 2012 / 8 / 25 - 09:25 )
الأخ العزيز المبدع الأصيل عمار المطلبي،
غامراً بالفرح والمحبة اشكر لكم اهدائي هذه القصيدة البديعة معنىً ومبنىً. وبخاصةٍ مبتدأها الذي الرائع
:
رقادي صار نفياً للرقادِ
فأدخلتَ القارئ في لبِّ الموضوع مباشرةً دون مقدماتٍ مما ألفنا من مطالع القصائد في تراثنا غزلاً أو وصفاً رقيقاً ثم الدخول الى مضمون القصيدة الأصل في صياغتها . وفعلتَ هذا ليتوقع المتلقي صدمة شعورية وعظمة حدثٍ لاحق ستتناوله في القصيدة ، وليتهيّأ لمشاعر حارقة محرقة ومتفجّرة بالألم المُمِضِّ الذي جعل الرقاد ضدّه ، فيا لكِتبر ما سيأتي مما سيقرأ! كما أنّها تلخيص لأحاسيس دافقة لم تستطع اخفاءها حتى متن القصيدة، فقد وُلدتْ بنتَ لحظة ألمٍ وغضبٍ وحِدّةِ مشاعر انفجرتْ لتتدفق حمماً من الكلام على ما عانيتَ وتعاني مما حلَّ بالوطن لتعيش مراقباً ومنتظراً ، ولكنْ دون أملٍ يلوح في أفقٍ بعيد!
العزيز عمار المطلبي،
لقد أكرمتني إذ قدّمت لي هذه الباذخة بما يثلج الذائقة من جزالة اللفظ وقوة السبك وخير المضمون. فالكلمة مسؤولية لا يحملها إلا مسؤول يعي قدسية الكلمة في انارة النفوس وسط الدياجي التي تغمر البلاد والعباد. كما أنه يدرك أهمية الجمال أي


2 - أستاذنا و شاعرنا الكبير عبد الستّار نورعلي
عمّار المطّلبي ( 2012 / 8 / 26 - 04:22 )
أستاذنا و شاعرنا الكبير عبد الستّار نورعلي:
سعيدٌ أنا جدّاً برضاكَ عن قصيدتي .. أهديتُها إليكَ عارفاً بحبّكَ الشديد لبغداد و للعراق ، و بذلكَ الحنين الذي يسكننا جميعاً لوطننا و لأبناء وطننا. و أهدائي أيضاً هو تعبيرٌ عن الامتنان العميق لك و لقصيدتكَ التي ترافقني في محنتي ، و هو فوق ذلك تعبيرعن مكانتكَ الشعريّة الرائدة و جهودك الرّائعة في الترجمة .
محبّتي لكَ و تقديري.

اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب