الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا – السياسة و -المقامرة-

قصي مسلط الهويدي

2012 / 8 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


سنحت لي الفرصة كي أتشرف بالتتلمذ على أستاذ أعتز به كثيراً ، حيث كان يفتتح محاضرته بالقول : "ما أقوله مادة للنقد و ليس للتبني" .

إن هذه "المقالة" لا تدّعي بأنها ستأتي بما "لم يأتي به الأوائل" ، كما لا تطمح إلى كشفٍ لم يسبقها إليه أحد . كل ما هنالك : أنها تسعى إلى "تحليل المشهد" السوري ، و "تجميع" متفرقاته ، ثم إعادة تركيبها "برؤية جديدة" مغايرة .

لتكن البداية من المشهد الدولي ، و لنبدأ بقراءة "الموقف الروسي" : مما لاشك فيه أن روسيا اليوم ، تختلف كثيراً عن روسيا بُعَيد انهيار الاتحاد السوفييتي ، كما عن روسيا إبان اجتياح العراق ، حيث بدأت باستعادة "حلمها الإمبراطوري" و خصوصاً بعد عودة "بوتين" على سدة الرئاسة – و هنا استخدمنا حرف الجر "على" بوعي و ليس سهواً – حيث أنه يمثل أحد أهم الصقور "القيصريين" ، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق ، و الذي يعي تماماً بأن خروج روسيا من اللعبة الدولية ، هذه المرة ، نهائي و إلى الأبد ، كما يعي بأن سوريا ليست إلا الحلقة الأولى في سلسلة حلفائه ، و التي إن خسرها ، ستمتد ( أي سلسلة فقدان الحلفاء ) إلى أبعد من أذربيجان و باقي "الجمهوريات السوفييتية الإسلامية " السابقة المطلة على بحر "قزوين" – بما يمثله من مخزون استراتيجي مستقبلي للبترول – مروراً بـ "إيران" التي من المرجح أن تكون الحلقة التالية ، و ذلك على الأقل من وجهة النظر الروسية . تلك السلسلة التي إن خسرتها ، فستخسر كل ما لديها خارج حدودها الجغرافية ، إضافةً إلى فقدان السيطرة على منابع و ممرات مصادر الطاقة ، بما في ذلك "ممرات و أنابيب الغاز" ، الذي يشكل ورقة الضغط الأقوى بيد روسيا ، ضد "أوربا" .
فلنحاول أن نرى المشهد ، بصورته السابقة ، من وجهة النظر الروسية ؛ إذا تمت خسارة سوريا فستمتد سلسلة الخسارة إلى "كل" المتبقي من حلفاء و مناطق نفوذ روسيا ، مرةً و إلى الأبد ، إذاً لن يتبقى ( لروسيا ) ما تخسره ، و هنا مكمن الخطر ، حيث "ستحارب" حربها "الأخيرة" دون هوادة أو خوف من الخسارة ( إذ كما سبق و قلنا : لم يتبقى لديها ما تخسره ) . لذا فهي مصرة – هذه المرة – على "لي" ذراع الغرب في سوريا ، و محاولة "كسر" أحادية القطب الأمريكي . إنها "حرب" الفرصة الأخيرة .

لننتقل إلى محاولة قراءة "الموقف الإيراني" : قد ينطبق على إيران كل ما ينطبق على روسيا ، مما ذكرناه سابقاً ، و لكن قد يضاف إليه – و هذا مرجح – أن إيران ستخسر "كل" ما لديها ( خارج حدودها الجغرافية و داخلها ) ، حيث سينتهي "مشروعها/حلمها" الأيديولوجي ، بكل مكوناته ، القومية و المذهبية ، مضافاً إليها وسيلتها إلى ذلك ( أي مشروعها النووي ) .
عند أخذ هذا الفارق بنظر الاعتبار ، نجد أن إيران هنا ستكون في مأزق أشد و "أعظم" من المأزق الروسي ، بما لا يقاس ، و هنا تماماً مكمن "بارقة الأمل" ، حيث من المحتمل ظهور بداية "افتراق" قد تتطور إلى "شقاق" و ربما يكون "كبيراً" ، في داخل إيران ، بين إيران/النظام و إيران الدولة/الشعب و وجوده التاريخي/المستقبلي ، أي بين إيران المشروع/الحلم الأيديولوجي و نظام الثورة الحامل له ، و بين إيران الشعب التاريخي الذي يشكل جزءً مهماً من شعوب المنطقة ، و الذي إذا وضع في حالة اختيار حقيقي ، ما بين "الضربة العسكرية" التي قد تعني دماره الكامل ، و ما بين التخلي عن ذلك المشروع/الحلم – بكل مكوناته بما فيها المشروع النووي – نقول : إذا ما خير الإيرانيون/الشعب ، بين هذا و ذاك ، فمن المرجح بأنهم سيغلبون صوت "العقل" على الأحلام "الغير ممكنة" .
فإذا كان ذلك كذلك ، فإن "السلسلة" ممكنة التفكيك ، و يكون هناك فرصة محتملة .

أما "موقف دول مجلس التعاون الخليجي" : فيمكن "الجزم" بموقفها من ( الربيع العربي ) حيث أنها أعلنت عنه و بكل وضوح ، في تونس و مصر ، و بشكل أقل وضوحاً في اليمن ، أما في ليبيا فإن الموقف الدولي – كاملاً – أخذ مساراً مختلفاً ، لا مجال لنقاشه هنا . بناءً على ذلك نرى أن من المهم دراسة هذا الموقف من الثورة السورية ، و الذي يبدو "مختلفاً" للوهلة الأولى . فما هو المختلف في سوريا ، الذي جعل الموقف الخليجي يأخذ "منحىً" مختلفاً .
إن الخلاف الخليجي – الإيراني لا يخفى على أحد ، و الذي أخذ شكل عداء سافر ، بعد استلام "الثورة الإسلامية" ، الحكم في إيران ، و بدء اشتغالها على تصدير الثورة إلى المنطقة ، الأمر الذي أدى – بشكل طبيعي – إلى معاداتها من قبل دول الخليج ، و فيما بعد ، مساندة العراق في حربه ضدها ، في مطلع ثمانينات القرن الماضي . العراق الذي كان بقيادة ( صدام حسين ) و حزب البعث ، الذي كان يناصبها العداء أيديولوجياً ، و يصفها بالرجعية و بذيول الاستعمار و غيرها من الأوصاف ، و رغم ذلك "دعمته" و حزبه الحاكم ، في تلك الحرب . لا شك بأن الخلافات "المذهبية و القومية" ، كانت هي الأقوى ، في الاختيار ما بين "الخصمين" ، و بالتالي خلق "تحالف" لدعم حرب ، تنجز ما تعجز عن إنجازه تلك الدول .
حرباً كتلك ، كفيلة بإنهاء "العدوين" معاً ، إن طال أمدها ، وكبر حجم خسائرها ، و غذيت بحيث لا يخرج منها منتصر ، و إنما فقط نظامين منهكين كليهما. هنا لا بد لنا من تذكر قول الملك فهد بن عبد العزيز : " فلتموت الأفاعي بسم العقارب " ،عند تعليقه على تلك الحرب . و هو ما حدث بالفعل .
لكن إيران عادت مرةً أخرى ، و بشكل – ربما – أكثر قوة من ذي قبل ، مع برنامجها النووي ، و من النوافل ، التذكير بتحالفها مع النظام السوري ، و الذي دخل (أي هذا التحالف ) في تصادم مسارات ، مع ( الربيع العربي ) ، الذي وصل "ظافراً" إلى سوريا ، ذلك الربيع الذي سيكون وصوله إلى دول الخليج العربي ، مسألة وقت ليس إلا . مرةً أخرى تجد دول الخليج نفسها بين "خطرين" ، و لكن مرةً أخرى "ينقذها" القدر ، حيث – كما سبق و قلنا – فإن "الخطرين" دخلا في تصادم مسارات في سوريا . الشيء الذي سيعقد و يصعب مهمة الثورة السورية ، و يجعلها تتحمل عبء صراع لا حول لها فيه و لا قوة ، إضافةً إلى صراعها الأساس مع النظام . نقول : مرةً أخرى تجد نفسها ( دول الخليج ) ، أمام "المشكلة و حلها" ، إذ لن يكلفها الأمر سوى إيصال "النزاع" إلى مرحلة صراع عنفي دموي ، طويل الأمد ، لا يخرج منه أحدٌ منتصراً . و قد عملت كل ما بوسعها ، لتحقيق ذلك ، من خلال الشحن الطائفي – الذي أشعله النظام – و تأجيجه . إضافةً إلى استخدام كل نفوذها في منع أي محاولة دولية لحسم الصراع ، بحجة عدم اتحاد المعارضة و ضعفها ، و منعها ذلك الإتحاد بالتالي ، من خلال الضغط على حلفائها داخل المعارضة ، كما حدث مراراً في القاهرة ، و تحت مظلة الجامعة العربية . لتصل – أخيراً – إلى مقولة : "فلتموت الأفاعي بسم العقارب" . مع ملاحظة أنها ليس لديها ما تخسره في سوريا ، هي الأخرىً .

و مع إهمال الموقف الإسرائيلي ، لعدم فاعليته بشكل مباشر على الأرض ، إضافةً إلى إمكانية إلحاقه بالموقف الغربي ، يبقى لدينا – إقليمياً – "الموقف التركي" : إذاً تركيا ، الدولة الصاعدة ، و المحملة بكل ما ترى نفسها أهلاً له ، إضافةً إلى ما تحمله إدارتها الحالية – ممثلةً بحزب العدالة و التنمية – من "حلم" إمبراطوري ( عثماني ) – غير خافٍ على أحد – تجد نفسها أمام تحدٍ كبير ، في سوريا ؛ فمن جهة ، تقتضي مصالحها الاقتصادية ، دعم الاستقرار في المنطقة ، و استقرار أسواقها ،لاسيما ، بعد التوجه الذي اتخذه ( حزب العدالة و التنمية ) ، و المتمثل في التوجه "شرقاً" ، عوضاً عن التوجه إلى "أوربا" ، التي عارضت كثيراً من دولها ، دخولها ( أي تركيا ) إلى الاتحاد الأوربي ، و التي عملت كل ما في وسعها لتحقيقه ، دون جدوى . يضاف إلى ذلك ، ما يقتضيه أمنها القومي ، إزاء المشكلة الكردية ، و مشكلة الأقليات ( العرقية و المذهبية ) الأخرى ، التي يستطيع النظام السوري و حليفه الإيراني ، اللعب بها ، و من خلالها . و من جهةٍ أخرى ، و جدت نفسها أمام "شارع" سوري – أقل ما يوصف بأنه عظيم – قوض أركان هذا الاستقرار ، و يقوضها – باستمرار – على مدى أشهرٍ طوال ، دون "أمل" في تراجعه ، أو إمكانية لإخماده أو السيطرة عليه ، و الذي هو – بالمصادفة – "يتقاطع" معها في حلمها ( العثماني ) ، على الأقل في شقه المذهبي ( و نقول هنا "يتقاطع" و لا نقول "يتطابق" أو يتفق مع ذلك الحلم ، و إن كان هناك بعض الفرقاء ، من المعارضة ، يتفق معها ، إذ لا يرى ضيراً في ضم لواء الاسكندرون إليها – مثلاُ – طالما أنه ضمن الدولة الإسلامية ، التي يحلم بها ) ، الأمر الذي يجعل تركيا في وضع لا تحسد عليه ، و يجبرها على التذبذب و التأرجح ، في مواقفها ، بين التصعيد "العنيف" – كلامياً على الأقل – و الصمت المريب ، مع الإبقاء على الدعم الغير رسمي ، عبر حدودها ، سيما إذا أضيف كل ذلك إلى الضغط الخليجي ، و أن تركيا هي الدولة الوحيدة الفاعلة إقليمياً ، التي تمتلك "ما تخسره" بشكل فعلي ، في سوريا ، و هنا مكمن افتراقها في الرؤية ، عن الجميع ، و الذي يجعل منها حليفاً استراتيجياً للثورة ، و ربما رغماً عنها .
هل من داعٍ – أخيراً – للتذكير بأن تركيا هي الدولة الوحيدة ، من دول الإقليم الفاعلة في سوريا ، التي يحكمها نظام ( ديمقراطي – تداولي ) ، تحكمه بالتالي مصالح "عليا" للدولة ، التي يتشارك في إدارتها ، قوى و تيارات سياسية متباينة ، تجعل من المستحيل على تيار معين ، أن يفرض رؤيته ، حتى و إن كان يشكل الأغلبية ، لثلاث دورات انتخابية متتالية . تفصيلة ، على صغرها ، إلا أنها قد تفسر عجز الشارع العربي و السوري – الذي لم يعتد على هذا النمط من الأنظمة ، و آليات اتخاذ القرار فيها – عن فهم الموقف التركي ، و الذي يراه محيراً .

يبقى لدينا – أخيراً – "الموقف الأوربي – الأمريكي " ، و الذي نراه متباين في الدرجة فقط ، إلا أنه متفق في الرؤية ، إلى حدٍ كبير : لن نسهب كثيراً في رصد هذا الموقف ، نظراً لكونه معلن إعلامياً ، و قابل للرصد ، حيث أن "العقل السياسي" الغربي براغماتي/ نفعي ، و هو بالتالي قابل "للتعيين" من خلال تحديد منظومة المصالح العليا له ، بخلاف "العقل السياسي" الأيديولوجي ، الذي يكون محكوماً "بفكرته الجامعة" ، و ما يقتضيه الوصول إلى تحقيقها ، حتى و إن أدى هذا إلى "التفريط" بمصالح الدولة/المجتمع . لكن هناك مجموعة من الأمور يتوجب علينا أخذها في الحسبان ، أهمها :

• أن الدول الغربية تنظر إلى سوريا ، كموقع جغرافي مهم ( و هذا بدهي ) .
• يضاعف من هذه الأهمية ، جوارها لإسرائيل .
• مما "يضاعف" بالتالي من "محظور انفجارها" ، و خطورته .
• التعامل مع النظام السوري ، كجزء مهم من سلسلة التحالف مع إيران و من بعدهما ، روسيا .
• النظر إلى ذلك "المحور" – إضافةً إلى الصين و ربما كوريا الشمالية بدرجة أقل – على أنه ( قد ) يشكل خطراً محتملاً في "مستقبلٍ" ما . و بالتالي يجب تفكيكه بكل السبل .
( و نحن هنا لا نقصد "محور الممانعة" المزعوم ، و إنما هو مجرد محور ذو طبيعة "أيديولوجية" يتعارض مع مصالح ما يدعى بـ "العالم الحر" )
• و بالتالي يجب التعامل معه ( أي النظام السوري و تحالفاته ) على أساس "تقاطعات" المصالح ، الإقليمية و الدولية ، و "توازناتها" .
• إن "الغرب" ، و إن كانت له مصالح حيوية في الشرق الأوسط ، فإنه – رغم ذلك – ليس لديه "ما يضغط" به على النظام السوري ، بالتالي ، ليس لديه "ما يخسره" معه .
(هذا فارق نوعي مع كل ما تقدم ، قد ينبني عليه قراءة مختلفة – بالتالي – عن كل ما تقدم ) .


و حتى يكتمل "المشهد السوري" ، يبقى أن نحاول رصد "مواقف الأطراف الداخلية" . التي هي – بكل تأكيد – ليست مجرد ( نظام / معارضة ) أو ( نظام / شعب ) . و البداية من النظام : لن نطيل في تحليل بنيته ، فلا داعي لذلك ، و لكن سننوه إلى نقطة نرى أنها من الأهمية بمكان ، حيث كان لها الأثر الأكبر في تحديد "شكل" و "طبيعة" معالجته "للأزمة" ؛ لقد عمل النظام ، طيلة العقود الماضية – (شأنه شأن كل الأنظمة الدكتاتورية الشمولية) – على إعادة صياغة الدولة ، بحيث تصبح هي ملحقة به ، ما يكون مؤداه : نظام يمتلك دولة ، و ليس العكس (أي دولة تمتلك نظام / إدارة ) الأمر الذي يجعله عصياً على التغير و الإصلاح ، و ينتج عنه "جبرية" التعامل مع النزاعات على مبدأ ( 0 ، 1 ) أو مبدأ "إما كل شيء أو لا شيء" ، مما يقوده إلى خوض كل صراعاته على أنها الأخيرة – إذ أن خسارة واحدة كفيلة بإنهائه – ليجد نفسه ، في كل مرة ، أمام صراع "وجود" ؛ إما أن ينتصر فيه ، أو أن ينتهي مرة و إلى الأبد ، و هنا تماماً يلتقي مع ( روسيا / الحلم ) التي "تراود" بوتين و إدارته ؛ الخوف من الخروج من التاريخ ، نهائياً . إنها "المقامرة" و مبدأ ( 0 ، 1 ) .

يظل الطرف الآخر من المعادلة السياسية الداخلية ، هو الأصعب على التحديد و التعيين ، و لكن سنحاول إجماله في قطاعات عريضة عامة ، إذ يمكن أن نقسمه "إجرائياً" إلى :

• تيارات "دينية" : عانت الكثير من الاضطهاد و القمع و العنف المفرط و بالتالي الإقصاء الكامل على يد النظام ، مما نتج عنه "خسارتها لكل ما تملك" بالمعنى التنظيمي على الأرض .
• تيارات "يسارية و قومية" : عانت هي الأخرى – و إن بدرجة أقل – الاضطهاد و القمع و العنف من قبل النظام ، و أيضاً الإقصاء ، فكانت النتيجة أن خسرت كل إمكانية لخلق بدائل "مدنية حديثة" عن النظام/الدولة . و كانت النتيجة الأخرى : "خسارتها لأغلب ما تملك" و أيضاً بالمعنى التنظيمي على الأرض .
• "مستقلين" و "تيارات ليبرالية" : لم تعاني بقدر التيارات الأخرى ، و ذلك لعدم تبلورها على الأرض – سياسياً و تنظيمياً – كبقية "القوى" الأخرى ، مما جعل ارتباطها "بمشاريع" سياسية راسخة قي نسيج "البنى المجتمعية" السورية يكاد يكون هامشياً . و لكنها عانت ، مثل جميع السوريين ، من الإقصاء و التهميش الكاملين ، الأمر الذي أدى إلى عجزها ، هي الأخرى ، عن إمكانية خلق بدائل "مدنية حديثة" عن النظام/الدولة .
• المكون الأخير – و هو في تقديرنا الأهم و الأقوى – "الشارع" الغير مسيّس ، ذلك الشارع الذي لسنا بصدد وصف "عظمته" ، و لكن يهمنا تقرير حقيقة واحدة ، و هي : "إن هذا الشارع ، وحده ، الذي يمتلك ما يخسره في سوريا ، ألا و هو سوريا كلها" . حيث من المستغرب ، تماماً ، أن يتعامل مع الأزمة/الثورة ، بنفس الأسلوب الذي فرضته عليه ، كل الأطراف السابقة الذكر – دون استثناء – و المتأتي من حقيقة : أن لا أحد من تلك الأطراف ، لديه ما سيخسره في سوريا ، لذلك ما المانع من المقامرة ، و ما المانع بالتالي ، من حسم كل صراعاتهم – (جميعاً) – على الأرض السورية ، و على حساب الدم السوري ، الذي يبدو أنه لا يعني لأحد شيء ذو قيمة .

ما الذي يمكن أن يقال بعد كل الذي قد قيل ؛ اجتمعت و تضافرت ، ضد "الشارع" السوري ، رغبة "مرضية" لدولة/إدارة مهزومة ، تحلم بماضيها القيصري (روسيا) ، و حلم "طائفي/قومي" إيراني يكاد نجمه أن يأفل ، إضافةً إلى "رعب" خليجي من وصول الربيع العربي إليه ، و بقايا "أحزاب" فشلت في الماضي – ( ليس على صعيد الوصول إلى الحكم فقط ، إنما ، و هذا هو الأهم ، على صعيد خلق بدائل يرتكز عليها مشروع الدولة "الحديثة ) ، و ليس لها وجود حقيقي على الأرض – و هي بالتالي ، مستمرة في "الفشل" ، كل هذا يلتقي مع إجرام نظام لا مثيل له ( لا في التاريخ و لا في الجغرافيا ) ، و كلهم يخوض حربه التي ليس لديه ما يخسره فيها . إنهم يقامرون جميعاً ، حتى آخر سوري .

يبقى أخيراً أن نقول : إن مبدأ "المقامرة" ، و التعاطي السياسي مع الأمور على أساس ( إما كل شيء أو لا شيء ) ، يجعل "الفوز" – إن كان هناك من فائز – مستحيلاً إلا لطرف واحد دون غيره ، إذ أن ( الكل شيء ) غير قابلة للقسمة إلا على "واحد" – ( و هذا ما يفسر اقتتال المعارضة دون هوادة ، فيما بينها ، حتى قبل سقوط النظام ) – و بالتالي ، يؤسس "لاستبداد" بديل ، و بذا تكون الثورة السورية ، عدواً لنفسها و لأهدافها التي قامت من أجلها . هل هناك كارثة أكبر من ذلك ، أم هل هناك بؤس بعد هذا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن|فيديوهات مرعبة! هل انتقلت البلاد إل


.. مصابون في قصف من مسيّرة إسرائيلية غرب رفح




.. سحب لقاح أسترازينكا من جميع أنحاء العالم.. والشركة تبرر: الأ


.. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: اجتياح رفح سيؤدي لنتائج كارثية




.. نائبة جمهورية تسعى للإطاحة برئيس -النواب الأميركي-.. وديمقرا