الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوكو والسلطة

ستار الدليمي

2012 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية




"إن السلطة تحول الإنسان إلى دمية سياسية"

تشكل مساهمة فوكو في نظرية السلطة قطيعة مع التاريخ الفلسفي الذي تناولها من زاوية فلسفية قانونية بوصفها (أي السلطة) نتاجًا للإرادة الفردية المعبّر عنها بصورة عقد يتنازل به الأفراد عن حقوقهم لتشكيل هيكل قانوني جديد، هو الدولة التي تأخذ على عاتقها حماية الحقوق والحريات لمجموع الأفراد الذين كانوا جزءا من عملية إبرام العقد.
تفترض النظرية القانونية للسلطة بوجود أفراد مكتملي الإرادة وعلى وعي كامل بضرورة الخروج من حالة الطبيعة نحو المجتمع المدني للتخلص من عيوب مرحلة ماقبل العقد الاجتماعي، التي لخصها هوبس بالأمن والتنافس على موارد الحياة، هذا التنافس الضاري هو الذي يجعل المجتمع في حالة حرب، الجميع ضد الجميع ومن ثم فإن الاجتماع الإنساني المعبر عنه بواسطة العقد الاجتماعي هو الكفيل بتحرير الإنسان من حالة الخوف التي تميز وضع ماقبل العقد. إذًا لامناص من اللجوء إلى الاجتماع البشري لتجنب حرب دائمة يكون فيها كل فرد قاتل محتمل للآخر.
يرى فوكو أن السلطة لا تعطى ولاتتم مبادلتها ولا تؤخذ بل تمارس وأنها لاتوجد إلا بالفعل، وهي ليست نتاجًا للعلاقات الاقتصادية ولكنها في جوهرها تعبير عن علاقات القوة، ويأخذ فوكو على نظرية السيادة أنها تنطلق في تحليل علاقات السلطة من الذات إلى الذات فهذه النظرية تفترض تكامل مقومات الذات بما يسمح لها الدخول في علاقات السلطة في حين يرى فوكو أن الفردانية لاتكون إلا نتيجة للعقد الاجتماعي وليس صانعة له، ذلك أن السلطة قائمة أساسا على القمع، فأن تكون السلطة جهازا قمعيا يعني أن تكون أولا تحليلا لآليات القمع، وإذا كانت السلطة حصيلة علاقات القوة وليست تنازلا أو عقدًا فأن ذلك يوفر مدخلا لدراستها من خلال مفاهيم المعركة والمواجهة والحرب، وهكذا يضعنا فوكو أمام فرضية ثانية للسلطة مفادها أن السلطة أو السياسة هي الحرب المستمرة بوسائل أخرى وهذا يعني أن علاقات السلطة هي علاقات القوة القائمة بالحرب وعلى الحرب صحيح أن السياسة توقف الحرب لكن لايعني هذا أن تتخلى أو تستبعد آثار الحرب. إن للسلطة السياسية في هذه الفرضية دورا في إعادة تثبيت علاقات القوة.
يقوم مشروع فوكو على فرضية اشتقاق السلطة لا من العقد الاجتماعي بل من علاقات الهيمنة وهو ينطلق من قاعدة تاريخية وليست افتراضية كالتي تؤسس نظرية العقد الاجتماعي، وهذا يعني أنه عوضا من الانطلاق من الذات يجب الانطلاق من علاقات الهيمنة ومآلها من حدث وفعل فهو لايطلب من الذات كيف ولماذا وبأسم أي قانون تقبل أن تكون خاضعة، ولكنه يبرهن أن علاقات الإخضاع هي التي تصنع الذات فعوامل الهيمنة ترتكز على بعضها بعضًا وإن وصف الأجهزة الكبرى للسلطة قائم على أساس المفاهيم الخاصة بالهيمنة .
يسعى فوكو إلى استخراج واظهار علاقات الهيمنة بدلا من مصدر السيادة التي تقوم عليها نظرية العقد الاجتماعي وهذا يعني أنه يحاول البحث في الأدوات التقنية التي تسمح بضمان السلطة ولانجده مهتمًا في متابعة مايشكل السلطة أو يكوَن شرعيتها الأساسية. إن أداة تحليل السلطة هي علاقات القوة والهيمنة وليس تصورا قانونيًا من خلق الذوات الحرة، فعلاقات السلطة هي علاقات مواجهة صراع حد الموت أي حرب، ولايمكن اتخاذ القانون كمرجعية للوصول إلى السلطة فالقانون كان ومايزال تعبيرا عن الحرب بوسائل أخرى.
يتبنى فوكو الخطاب التاريخي السياسي في تحليل علاقات السلطة وهذا الخطاب يختلف بشكل جذري عن الخطاب القانوني، فالحرب هي المولد للدول والقانون والسلم فالقانون لم يولد إلا من الدم ووحل المعارك وهو ليس نوعًا من المسالمة والتعايش لأنه في ظل القانون تستمر الحروب في عملها المرعب داخل كل آليات السلطة، الحرب هي محرك المؤسسات والنظام ولا يقوم السلم حتى في أصغر محطاته إلا بالحرب بمعنى يجب تحليل الحرب بالسلام فالحرب هي الوجه الآخر للسلام. نحن إذن في معركة تخترق المجتمع في مجمله معركة مستمرة ودائمة تضع كل فرد بمواجهة الآخر ولا وجود للحياد فنحن بالقوة خصوم لشخص من الأشخاص ولايمكن أن نصل إلى نهاية الحرب بالمسالمة أو المصالحة ولكن فقط عندما ننتصر حسب تعبير فوكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا