الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن .. وفن الحركة الى الأمام .

حامد حمودي عباس

2012 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


غير أن تكون امريكا ملعونة وكافرة وبنت كلب ، فهي ، شأنها شأن بقية دول العالم الاول ، مصدرا من مصادر التنوير العلمي ضمن مجالات التكنولوجيا عموما ، وهي قامة من قامات التطور الاكاديمي الموصوف بكونه فخر من مفاخر العصر الحديث ، وبالتالي فان أمريكا قد وضعت معالم هذا التقدم في خدمة شعوبها على الأقل ، قبل أن تمنح بركاته الى غيرها من الشعوب .
أمريكا أنانية جدا ، عندما يقدر لها أن تكيل بمكيالها الخاص لتزن مصالحها مقابل مصالح الباقين ، وهي بالتالي لا تفهم معنى للتواصل بينها وبين بقية اركان المعمورة اعتمادا على لغة التفاهم طويل الأمد ، ومن لا يريد أن يتفهم نواياها وبالفطرة ، فعليه ان يتلقى عاقبة ذلك راجمات وطائرات تهد في داخله الجسور والقصور ، والتهمة الجاهزة على الدوام هي الارهاب وحيازة الاسلحة الكيمياوية المهددة للسلم العالمي .
ولكن .. في أمريكا المتحضرة ، وليست المتجبرة ، يجري التحامل على ثوابت الزمن ، في محاولة جادة لضغطه بحيث يمتد اليوم الى حدود ابعد من حدوده الفلكية المعروفة .. والغاية دوما هي معرفة كنه حركة المجتمع ، بهدف توجيهه باتجاهات تخدم الغاية السامية في صنع أمة عظيمة يرضخ لها العالم برمته ..
ليست هناك في امريكا المتحضرة ، وليست المتجبرة ، مؤتمرات يعمرها التصفيق ، ويشق عنان فضائها الهتاف .. فالوقت لا يسمح بترهات لا تنفع .. انها عبارة عن تحالفات يوحد اطرافها حب الوطن ولا شيء غير الوطن .. وتؤطرها محاولات إنارة دهاليز المجهول ، للكشف عن حقائق توفر للفرد والمجتمع على السواء ، وسطا زاخرا بمباديء الحريه .
انهم في أمريكا ، يبحثون مثلا في تداعيات الانفراد بالنفس لدا المواطن ، ومن ثم البحث عن مسببات تلك التداعيات ، وباتجاه يوفر للمعنيين بعلوم التربية مراجع معرفية تخدم سبل التقويم النفسي .. اننا في شرقنا الغافي على رمال حكم القضاء والقدر ، نعرف بان الانسان حينما يركب في باص النقل العام ، يبحث فورا عن أي مقعد يوفر له الجلوس على انفراد ، رغم وجود مقاعد اخرى بامكانه الاشتراك مع غيره بالجلوس فيها ، ولكننا لم نشأ ، أو لم يشأ مفكرونا أن يبحثوا في اسباب هذا السلوك .. ولو طرح أحدنا مثل هذا الاستفهام على جلاس ديوان خاص ، لأعتبروه مخبولا لا محاله ..
لقد جلبت انتباهي مؤخرا ، دراسة تشترك فيها عدة أطراف أكاديمية ومن جميع الولايات الامريكية ، لوضع أسس توفر للفرد الامريكي سهولة الحركة اليومية ، مع عدم التأثير على مناخه الاجتماعي المعتاد ، بحيث لا تؤثر فعاليات التغيير العمراني في الحي والمدينة على طبيعة السلوك الخاص .. فقبل أن تشرع الدوائر المختصة بتنفيذ مشاريع توسيع الطرق الداخلية استجابة لمتطلبات التوسع السكاني ، عليها أن تراعي خصوصية الفرد ، والتي بنى أركانها عبر زمن قد يمتد لجيل أو جيلين .. بمعنى أدق ، لابد من معالجة آثار التغيير المطلوبة على مساحة شارع ما على سبيل المثال لا الحصر ، على نفسية السكان ، كونه قد يؤثر على مجمل سلوكهم اليومي سلبا .. فالفتاة التي اعتادت على اللقاء بصديقها عند باب مقهى بعينه ، سوف تفقد هذا المعلم فيضطرب عندها السلوك .. والشاب الذي اعتاد على المرور بمحل للحلاقة خلال فترة تمتد الى خمسة عشر عام ، سوف يصدمه استبدال ذلك المحل بمحطة لوقوف السيارات .. وهكذا دواليك .. اذن فلابد من حلول .. وبالتالي فلابد من خلق مناخ استقرائي يتسم أصحابه بطول النفس والتحلي بالصبر حتى بلوغ النتائج المرجوه .
ثمة خطوط أخرى تتقاطع في بعض مواضعها مع خطوط البحث آنفة الذكر ، تبحث في سبل مختلفة ، الهدف منها هو العثور على إجابات لمعضلة تلوث البيئة عندما يتم تنفيذ التطوير العمراني .. أولادنا لابد لهم من الذهاب الى المدارس ، هكذا تقول احدى الجامعيات الامريكيات المساهمات في اعداد تلك الدراسة المتعلقة بالبيئه ، ولابد لهم من ركوب السيارات سواء الخاصة منها أو العموميه ، ومن الافضل أن يجري تجميع المشروعات السكنيه في اماكن موحده يراعى فيها تقليص اكبر عدد ممكن من وسائل النقل ، وذلك من خلال دفع السكان لاستخدام وسائل النقل العام ، بحيث يتم الاستغناء وبأقصى حد ممكن عن مصادر التلوث البيئي .. وعليه ، والحديث ما زال للاستاذة الجامعية ، فان القيام بعرقلة مشاريع التطوير العمراني بحجة التأثير على نفسية الفرد ، هو في أحد جوانبه بمثابة الدعوة للوقوف بوجه توفير بيئة نظيفة لمواطنينا .
في ذات الوقت .. تهرع قابليات اكاديمية امريكية للبحث في ملامح المستقبل ، لو أرغمت الموضوعية المؤسسة على حساب الخسارة والربح ، أن تتنحى الولايات المتحدة الامريكية عن استخدام جيوشها في احتلال مصادر النفط العالميه ، متسائلة وبوضوح تام .. ماذا لو اصبح من العبث ، البقاء في دائرة الصراع الشرق أوسطي من أجل تحقيق الاستقرار في المخزون الاستراتيجي للبترول سعيا نحو توفير الطاقة الضرورية لدوران عجلة الاقتصاد ؟ .. أيمكن الخروج من دوامة قتل المزيد من الجنود الامريكيين في انحاء متفرقة من العالم ، دون العثور على بدائل لمصادر الطاقه ؟ .. ماذا أبقت تجربة احتلال العراق وافغانستان من حجج لصقور البنتاغون كي يثقوا من عدم جدوى الاستمرار في تدوير عجلة الحروب وبسخاء ما بعده سخاء ؟ .. ولا يتوقف الامر عند حدود التساؤل فحسب ، وانما ينشط المعنيون بدراسة واقع ومستقبل الشعب الامريكي في التحرك صوب العثور على البدائل فعلا وليس من باب التمني فقط ، فنرى العشرات من الولادات العلمية بهذا الاتجاه ، يموت بعضها في المهد ، ويتم البعض الاخر حبوه نحو بلوغ الهدف .
انه مرجل تتفاعل بداخله أواصر التحدي ، وتتفاعل على جدرانه عناصر حب البقاء .. والغاية في مجمل معانيها هي توفير ضرورات الحياة اليومية لكل من يحمل الجنسية الامريكية دون النظر الى اصوله العرقية أو الدينية .
هنا باعتقادي ، تكمن الحاضنات الاولية لتقدم الأمم .. ومن هنا تبدأ كلمة الحريه .. فلا خوف ابدا على شعب تحكمه دساتير تضع في باكورة موادها حماية الفرد وبهذا العمق من التقصي والمتابعة ، ولا مناص من الاعتراف بان الشعوب المتمدنة جميعها ، لم تبلغ ما بلغت اليه من رقي لولا أنها شرعت أولا بتنظيم مباديء حريتها ، مستندة على أسس البحث عن سبل الحفاظ على أن تكون شخصية الفرد فيها سليمة لا يصيبها العجز .
فأين نحن ياترى .. من هذا الواقع المحكوم بارادة الانسان المخير وفق ابداعات العقل ؟؟ ..
ان أسوء ما فينا ، منذ بدء حركة التطور الحضاري الحديث ، بعيدا عنا طبعا ، هو المكابرة .. فنحن نكابر حين يصار بنا الى حيز نطالب عنده بالبحث في اسباب تخلف برامجنا التنموية وعلى كافة المستويات ، غافلين عن عمد ، بأننا سنبقى ندب في آخر ركب البشرية ، ما دمنا لا ننزع لتغيير سمات الفرد ، وتطوير قابلياته الذهنية والعلمية والتربويه .. وسوف لن تنفعنا جميع ركامات التاريخ المشحون بما لا ينفع حاضرا ، ما دمنا لا نحسن فن الحركة الى الامام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 8 / 27 - 03:46 )
هم .. وفن حركتنا إلى الوراء
أميركا ترتقي على العصبيات العرقية والطائفية ، ونحن نغذ السير نحوها للأسف
هناك تكون الخدمة لشرائح الشعب دون أي اعتبار إلا الانتماء للوطن ، وعندنا تكون الخدمة لأبناء الطائفة والعشيرة
والمكابرة التي تحدثت عنها أستاذ حامد أعتقد أن سببها هو الخوف من الإقدام ، ذلك أننا لا نملك السلاح، أقصد العلم المؤدي للمنجزات
الأحمق ليس لديه إلا المكابرة والتوهم أو إيهام نفسه بأن البئر الذي يعيش فيه هو الأجمل والأكثر أماناً
وما دمنا لا نحسن فن القفز من البئر إلى العالم الخارجي لنرى كم كان عالم البئر ضيقاً وعميقاً فإنه لا أمل لنا نحن الجيل الحاضر بحياة أفضل ، لكن رياح التقدم العبقة بالزهور والرياحين تطرد الريح الفاسدة . نأمل لأولادنا وأحفادنا أن يعيشوا متل الأمم والناس بكرامة وإنسانية
وشكراً


2 - السيده ليندا
حامد حمودي عباس ( 2012 / 8 / 27 - 05:59 )
ما ذكرتيه هو في الصميم .. طابت اوقاتك سيدتي واتمنى لك المزيد من التمتع في وسط الحريه


3 - قبيحٌ ومؤلمٌ جداً إننا لا ندري بأننا لا ندري
الحكيم البابلي ( 2012 / 8 / 27 - 16:02 )
صديقي حامد حمودي
قلتُ سابقاً بأن سياسة أميركا الداخلية تجاه شعبها راقية وسخية وليس لها مثيل ربما ، أما سياستها الخارجية فهي داينصورية بكل معنى الكلمة ولا يهمها حطام كل الدنيا ما دام لها في ذلك قشة مصلحة

من ناحية أخرى لا أتفق معك في معنى سطورك الأخيرة ، حين تروح -وكما غالبية أبناء شرقنا- بإلقاء (كل) الذنب والخطأ على كاهل أبناء شعوبنا الشرقية
قد أتفق معك تماماً بأننا شعوب ومجتمعات دينية خزعبلاتية جاهلة متخلفة ، ولكن ماما أميركا والغرب المستفيد إستغلوا كل عيوبنا لمصلحتهم ، وزادوا في الطنبور نغمة ، لا بل تفننوا في مساعدتنا ودفعنا نحو هاوية التخلف ، يصفعوننا بأيديهم مرة وبأيدينا نحنُ مرات ومرات ، بحيث يبدو الأمر للإنسان الساذج وكأنه خطأنا وذنبنا نحنُ فقط ، هي المؤامرة الكبرى التي عبرت على من يعاني من قصر النظر
محبتي
قل لي صديقي متى رأيتَ الغرب يُساعدنا منذ الزمن الملكي ولحد الأن ؟ أما قصة تحريرنا من المسخ صدام فهي تشبه قصص الف ليلة وليلة ، حين تُجَير كل المصالح في نهاية القصة للملك السعيد الذي سيعيش مع جواريه بثبات ونبات ويُخلف صبيان وبنات
شعوبنا النفطية لن تحصل على الراحة لأن الفارق


4 - أمريكا الشماليه..ليست النموذج الأفضل
سهاد بابان ( 2012 / 8 / 27 - 16:47 )
يعرف جيدا من يعيش في أمريكا وكندا..بأن هذين البلدين و بنظاميهما السياسي و ما رافقهما من بناء ( حضاري) أقتصادي و أجتماعي و ثقافي..لم يرتقي بعد الى المستوى الذي يأخذ بعده ألانساني بعد!! وما زال الكثير من الخلل و العيوب تعصف بالكثير من أسسه وثناياه ..متحولة الى أزمات ومشكلات عويصه , تهدد البناء يرمته .
طبعا لا مجال للمقارنة مع ما جربناه و ما زلنا نعايشه من أنظمة التخلف في شرقنا الأوسطي.
أعتقد أن الأخذ بمثال الدول الأوربية أوالدول الأسكندنافية يبقى هو الأفضل في مقارنة من هذا النوع .


5 - الجمود والرجوع الى الوراء
Aghsan Mostafa ( 2012 / 8 / 27 - 18:09 )
تحياتي أستاذ حامد حمودي عباس المحترم
سأكمل من حيث انتهيت: مادمنا لانحسن فن الحركة الى الأمام-، وانا سأضيف بل نحن نعز فن الجمود ، والأكثر تقديسنا للماضي!، وهذا كما تعلم فن لايستهان به!!! فماترتب عليه بمنطقة الشرق الأوسط يعود لهذا الفن!، فن الحقد والكراهية المتوغلة بأعماق النفس البشرية الأمارة بالسوء!؟
من بعد أذنك استاذ حامد لي تعقيب حول تعليق السيد سهاد بابان المحترم
تحياتي اولا
سيدي تقول بتعليقك
-يعرف جيدا من يعيش في أمريكا وكندا..بأن هذين البلدين و بنظاميهما السياسي و ما رافقهما من بناء ( حضاري) أقتصادي و أجتماعي و ثقافي..لم يرتقي بعد الى المستوى الذي يأخذ بعده ألانساني بعد!! وما زال الكثير من الخلل و العيوب تعصف بالكثير من أسسه وثناياه ..متحولة الى أزمات ومشكلات عويصه , تهدد البناء يرمته .-
وانا معك هناك الكثير من الخلل والعيوب، لكن يا سيدي، الا ترى الفارق؟، أميركا وكندا دول مفتوحة للهجرة! ومن شتى انحاء العالم!!!، وباعداد كبيرة قياسا للدول الأوربية والتي فتحت ابوبها للاجئين فقط!
ألا تعتبر فتح مجال للعيش على اراضي كندية أو أميركية يجري من منطلق أنساني ايضا!!!؟

تقديري وأحترامي


6 - رد على التعليق رقم 5
سهاد بابان ( 2012 / 8 / 27 - 22:33 )
أن دوائر الهجره في دول أمريكا الشماليه..قلما تلجأ الى المنطق الأنساني في تعاملها مع طالبي الهجره . بأستثناء طلبات اللجوء السياسي و الانساني المعمول بها وبشكل أكثر واقعية في البلدان الاسكندنافيه وعلى الخصوص.ويبقى كل هذا ليس المقياس الوحيدولغرض تشخيص مقدار الرقي الحضاري في التعامل الأنساني مع الفرد في المجتمعات الرأسمالية هذه. وعلى صعيد المثال فالحريات الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني و لتنظيمات النقابية هي على ما أعتقد أكثر مصداقية في أنظمة الدول الأوربيه و الأسكندنافية مما هي عليه في أمريكا الشماليه . وهناك أمثله أخرى كثيره أذا شئنا البحث عنها .


7 - تعقيب على السيد سهاد بابان - ت6
Aghsan Mostafa ( 2012 / 8 / 28 - 02:49 )
تحياتي استاذنا الفاضل وشكرا للرد، وأرجو ان يتسع صدرك لتعقيب أخر، أنا أيدتك بأن هناك الكثير من الخلل والعيوب!، وبودي ان تجيبني مباشرة على سؤوالي، ألا تعتبر فتح مجال للعيش على اراضي كندية أو أميركية يجري من منطلق أنساني أم لا؟
ومقصدي كان للجميع مهاجرين ولاجئين ومن كافة دول العالم!!!!.

ارجو المعذرة أستاذ حامد لتطفلي على صفحتكم الكريمة مرتين اليوم، لكني بغرض محاورة أستفاد منها!، فقد يكون فاتني شيء لم أنتبه له سابقا!

تقديري

اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا