الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسبيحة عارية دراسة أدبية

واثق الجلبي

2012 / 8 / 27
الادب والفن


(تسبيحة عارية) للشاعر واثق الجلبي المكان بوصفه حلماً

جمال جاسم أمين
ما زلنا نثقل أدبياتنا النقدية بفهارس التصنيف الجيلي غير مبالين بما يكتب خارج هذه الخانات اذا صح القول، فالتحديث الشعري الذي جرى في العراق مر عبر أجيال، الأمر الذي يدعونا إلى النظر إلى الأجيال على أنها اصفى شرفة للمعاينة بينما هناك من ظل يكتب بتقاليد شعرية خارج توصيفاتنا هذه، و على الأرجح فإن شعراء العمود أو التفعيلة الذين لم يتحولوا الى كتابة قصيدة النثر ظلوا خارج اهتمامنا النقدي.
هناك الكثير من الأسماء والتجارب و لعل (واثق الجلبي) في مجموعته ( تسبيحة عارية) ينطبق عليه هذا العزل النقدي، الآن نريد أن نفتح كوة على مشهد آخر/ كتابه ظلت تمرر موضوعاتهم عبر الإيقاع و الموسيقى ، تجد في القافية أحيانا ما يكمل مقصدها الشعري..
ومهما يكن من اختلاف موقفنا النقدي المنحاز إلى قصيدة النثر بالتأكيد تظل مهمة المعاينة لأطراف المشهد ضرورية أيضا، في (تسبيحة عارية) يقدم لنا الشاعرموضوعة المدينة وبغداد حصرا على أنها مكان الحلم الذي ما زال صالحا للتأمل على الرغم من ضجيج الأحداث المدوية حيث استحوذت (بغداد)لا بوصفها مكانا محضا، بل بوصفها فضاء شعريا على أغلب مساحة الكتابة عند (الجلبي) ولو تأملنا العناوين لوجدنا هذا المنحى بارزا (بغداد بعد الله/ بغداد ورجل المطر/ بغداد وشاعرها / بغداد الخالية/ بيتان بغداديان/ أساطير بغدادية/ في بغداد خصيم الله/ بغداد و الانحناءات) تكشف لنا هذه الفهرسة أن بغداد المكان عند الشاعر تحولت إلى فضاء شعري / حلمي تتعدد تجلياته و تتنوع بحسب اللحظة التي يعانيها الشاعر، مكان للتحولات لا للثبات كبقية الأمكنة المتعارفة:
سأسكب أو أبالغ بانحنائي
وحتى تلبس الدنيا رجائي
وأمسك مقبضا للصمت فجرا
فيسكب من دمي فضل الإناء
لا يخفي الشاعرقلقه على بغداد من الطوفان فيستدعي (سفينة نوح وعرش بلقيس)..هذا عنوان إحدى القصائد التي مرر من خلالها خوفه على الحلم من الغرق في أمواج مجهولة، ثم يردفها بنص آخر(بغداد الخالية) ربما وجدها هكذا (بعد العودة) حيث يصرخ بصوت يشبه صوت السياب الذي نادى بلاده:
فالخير بلادي
و الحب بلادي
وكل الأرض..
لا تعدل عندي مسمارا أو عود دخان
لا يذهب مثل هذا المعنى بعيدا عن ( الشمس أجمل في بلادي) وربما تقارب الإيقاع النفسي بين الصوتين هو مدعاة المقارنة أو الاستذكار، بغداد عند (الجلبي) صورة أخرى لجيكور عند السياب، وإن اختلفت التفاصيل بين طبيعة المكانين: قرية/ مدينة إلا إنهما بحسابات الحنين و دلالاته متواشجتان:
كأن السماء عليك انحنت
و عكازها نخلة واقفة
وأن النجوم هبوب الرياح
تخطت رمال الخطى الزائفة
أللشعر بوابة تنتمي....
لطين مسافاته التالفة؟
قد لا نختلف حول قضية أن الايقاع في القصائد الموزونة يسهم في تأثيث مشهد الشجن فالشاعر مثلا يختار بحر المتقارب لرثاء انحناءات (بغداد) وهو الإيقاع الذي غالبا ما استثمره الشعراء للرثاء ربما لطبيعة موسيقاه الخاصة به، وهذا ما يؤيد أطروحة (الإيقاع الدلالي) التي أدلى بها الناقد بشير حاجم ذات يوم، أي أن الاوزان ليست قوالب بعيدة عن مضامين النصوص، بل أن بعض المضامين تستدعي أوزانها أو تختارها، لا أدري كم نتفق مع هذه الأطروحة؟
لكننا نستذكرها إزاء نص مثل نص (الجلبي) ما يؤكد جانبا من صدقيتها، ومهما يكن فإن مجموعة (تسبيحة عارية) قدمت أنموذجا آخر من الشعر، أنموذج الشعر الموزون الذي ظل محافظا على تقاليده الشعرية خارج الجيلية المعتادة، ما يؤكد أن بعض التجارب و النصوص ينبغي قراءتها بوصفها (نصوصا)، بل نعاملها نقديا، كذلك بعيدا عن أية مسطرة مسبقة وهذه الدعوة تنطبق على أسماء وتجارب أخرى غير واثق الجلبي..
وأخيرا أظن أن مكاشفاتنا النقدية ومسوحاتنا للمشهد العراقي تظل مبتورة ما لم نتجول في أطراف المشهد و تنوعاته جميعا....

*تسبيحة عارية / اصدار مؤسسة مصر مرتضى للكتاب العراقي /2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا