الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزعجون أينما حللنا

علي بداي

2012 / 8 / 27
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


تتميز الدول المتحضرة بإحترام خصوصية الإنسان، وتوفير كل مايمكنه من الإستمتاع بأوقاته. في العمل لاتمنع الشركات موظفيها من التمتع بالموسيقى أثناء العمل بشرط أن لايسبب ذلك في إزعاج الآخرين . حريتك ومتعتك لاتتم الا بإحترام حرية ومتعة الآخرين لذلك تخضع كل المزعجات الضوضائية في الدول المتقدمة لضوابط صارمة. وفي دول إسكندنافيا ،خاصة السويد، يمنع حتى إستخدام الحمامات للإستحمام بعد الساعة العاشرة في الشقق السكنية، وهناك من الدول من يفرض قانوناً يمنع إثارة أي نوع من الضوضاء بعد الساعة العاشرة ليلاً ( لائحة الهدوء الليلي) كما يسمى في التشيك ومعظم دول شرق أوربا. وفي هولندا وفي معظم دول أوربا مالم تكن الحاجة ضرورية لإستخدام منبه سيارة الإسعاف لايجوز إطلاقاً إستخدامه ، أما منبهات السيارات فممنوعة بتاتاً في كل الأحوال، ويلزم مستأجرو البيوت بالإلتزام بالضوابط المحددة ضمن قانون السكن في هولندا مثلاً، ولايجوز فتح أي مشغل منتج للضوضاء الا في مكان محدد لذلك وبعد متابعة دقيقة من قبل أجهزة الدولة الرقابية في البلديات.
ومع تزايد تطور المجتمع أضحى التوتر النفسي الناتج عن ماتثيره الآلات ووسائل المواصلات من ضجيج مشكلة ملحة، فلقد دخل كم هائل من المنتوجات الضاجة دفعة واحدة لحياة الإنسان مثل المكنسة الكهربائية والغسالة و المروحة والمفرغ الهوائي والمكيف الكهربائي وآلات المطبخ كالخلاط الكهربائي وآلة الحلاقة والمنشار الكهربائي والثاقب الكهربائي والآت البناء الصغيرة كالكوسرة ، وضجيج الآلات في أماكن العمل ، والآلات الزراعية في الحقول ، والكسارات وآلات الحفر في الشوارع ، وورش النجارة والحدادة ، ومنبهات السيارات ، وأصوات محركات السيارات ، والصفارات ، وإشارات الإنذارات الصوتية ، وسيارات الإطفاء والإسعاف ، والسكك الحديدية ، والضجيج الناتج عن الباعة المتجولين في الشوارع واستخدامهم للميكروفونات ، والطائرات بصعودها وهبوطها ومحال إصلاح السيارات ، وما يصدر عن المقاهي من خلال إستخدام الراديـو ، والمسجلات ، والتلفزيون، والفيديو والآلات الموسيقية ونوائح المساجد ومناسبات العزاء، وفي العراق الجديد يضاف الى كل ذلك مواكب المسؤولين بسياراتهم الزاعقة، وطلعات طائرات الهليوكوبتر "الباحثة عن الإرهابيين". وفي العراق الجديد عراق (اللاكهرباء الوطنية) دخلت المولدة الكهربائية ( الكهرباء اللاوطنية) كأكبر ملوث صوتي وهوائي وحراري في آن واحد.
وبسبب من التأثير التراكمي غير المباشر للضوضاء على الصحة لايقدر الكثير من الناس خطورتها، وتشير الدراسات الى أن واحداً من كل أربعة رجال وواحدة من كل ثلاث نساء يعانون من الأمراض العصبية بسبب الضوضاء. وبسبب من إرتباطها بالتطور والمدنية لاتعار هذه الموضوعة أية أهمية خلال مراحل تصميم المدن والبنايات في بلادنا .ويلعب التزايد السكاني المنفلت وفوضى التخطيط المديني الدور الأساس في عشوائية توزيع أماكن العمل والنشاط التجاري والسكن العشوائي. ويؤدي إفتقار هذه البلدان لمواصفات الإنشاء البيئي بحدها الأدنى الى مراكمة مشاكل ستتطور مع مرور الزمن وسيكون حلها لاحقاً غير ممكن فنياً وغير ذي جدوى مالياً.
كنت في منتصف تسعينيات القرن الماضي أعمل مهندساً في بلدية مقاطعة أوترخت الهولندية وكان من ضمن مهامي إضافة الى تدقيق مشاريع الإسكان العامة من الناحية البيئية ، النظر في واقع إسكان ومعيشة الجالية المسلمة وهي جالية ضخمة بعددها ومشاكلها. وفي هولندا كان من الطبيعي وقد تحولت بعض الأحياء الى مستوطنات إسلامية خالصة أن تناقش قضية بناء المساجد التي كانت مطلباً من قبل مجاميع الأجانب وخاصة الأتراك والمغاربة حيث كانت الجاليتان تطالبان بمنح تراخيص بناء مساجد لكل منهما حتى وأن تطلب الأمر بناء مسجدين بمنارتين في حي واحد طالما سكنت هناك مجموعة من المغاربة وأخرى من الأتراك، فلغتيهما الأم مختلفتان .
ذات مرة إستقبلت ممثلين عن الجاليتين، وكان علي أن أبين لهؤلاء المسلمين المتحمسين لبناء المساجد ولرفع الآذان أن تلبية طلباتهم سيعود وبالاً على أبنائهم وأحفادهم فهذه البلاد ليست بلادنا، ووجود مسجد يؤذن بلغة أخرى سيفهم على أساس كونه إستغلالا لنهج التسامح الديني الحالي لأن المرحلة التأريخية الحالية في هولندا والكثير من دول أوربا هي مرحلة تحويل الكنائس لأغراض مدنية أخرى غير دينية لقلة عدد المصلين بل وإنعدامهم في بعض البلديات،فهذا الوقت هو وقت تحول الدين من طقوس في كنائس المدينة الى إختيار شخصي . وأتيت بسورتين من القرآن الكريم للتدليل على حرص الإسلام على توفر الجو الهادئ للمصلي: ( واقصد في مشيك وأغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير) لقمان و ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) الفرقان.
وأتيت لهم بدلائل على نهي الشرع الإسلامي عن رفع الصوت والضجة والصخب في كل أنواع العبادات فمثلاً عندما أراد الرسول إختيار طريقة لتبليغ الناس وقت الصلاة إستشار أصحابه في ذلك ورفض إقتراحات بعضهم بإستعمال الطبول أو الأجراس أو الناقوس ، وإختار الأذان بصوت الإنسان لأنه أدعى إلى الهدوء والسكينة والبعد عن الصخب ، وطلب تلقينه من قبل "بلال الحبشي" لأنه أندى صوتاً وأرخمها! كما نهى النبي عن رفع الصوت أثناء تلاوة القرآن في المساجد لئلا يؤثر بعضهم على قراءة البعض الآخر، ، فقد روي عن "عبد الله بن عمر" ، أن النبي قال:
" إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنه يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجي ربه ولا يجهر بعضكم على بعض في الصلاة " أخرجه الطبراني وأحمد في مسنده ورواه البغوي بصيغة أخرى " إذا كان أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلينظر أحدكم ما يقول في صلاته ولا ترفعوا أصواتكم فتؤذوا المؤمنين ".
وأطنبت وشرحت ورسمت على اللوح تشريحاً للأذن البشرية وكتبت أرقاماً لكن جهودي ضاعت كناطح صخرة.
ثم سألت السائلين :أتعرفون أن وظيفة الآذان هي تنبيه المؤمنين الى حلول وقت الصلاة ؟ هل أنتم بحاجة الى من ينبهكم؟ كان الناس في فترة الدعوة والعصور السابقة يعيشون معزولين محرومين مما نتمتع به الآن من وسائل راحة ومن ضمن ذلك الجرس المنبه الذي توقته كل صباح ويوقته أولادك لتنبيههم لموعد النهوض من النوم فلم هذا الإصرار على مكبرات الصوت والآذان عبرها؟ ثم أن "الله أكبر" بالنسبة لك ولي تعني شيئاً ولكنها بالنسبة للأوربي لاتعني شيئا أكثر من زعيق ! وهنا هب أحدهم في وجهي:
إيش ياباش مهندس انت مش مسلم؟
وأمام خطر تكفيري صعدت على الطاولة وصرخت بأعلى صوتي مؤذناً: اشهد ان لا أله الا الله ..الله أكبر .الله أكبر وماهي الا دقيقة حتى أمتلأت الغرفة بزملائي الهولنديين المذعورين من صوتي!

لم يقتنع أصدقائي الأتراك ولا المغاربة في النهاية برأيي بسبب من تمسكهم الحرفي بما إعتبروه مبادئ دينية مقدسة ، ناسين أنهم في ديار أخرى لايملكون فيها سلطة ، و وبدأت المنائر بالإرتفاع في سموات هولندا وسط غمز وهمز الهولنديين ،وبعد 10 سنوات نبتت حركة عنصرية منظمة ضد الأجانب المسلمين ركيزتها الأساس الدعوة للتوقف عن بناء المساجد الإسلامية لأنها مصدر للضجيج ومراكز لجمع التبرعات للمنظمات المتطرفة حسب إتهام العنصريين ومكاناً للتحريض على الأوربيين ، أحرقت بعض المساجد ورجمت شبابيك أخرى بالحجارة وزاد إبتعاد الأجانب عن الهولنديين والهولنديين عن الأجانب ...ومازال الإبتعاد مستمراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بدعة
حمورابي سعيد ( 2012 / 8 / 27 - 17:56 )
اخي علي ...في صدر الاسلام لم تك هناك ماذن ,والتي بناها الامويون ,اي انها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في...تحياتي


2 - ازعاج بامتياز
تيسير عثمان ( 2012 / 8 / 27 - 21:06 )
ومن قال ان الاذان مصدر ازعاج في هولندا فقط انه مزعج ومقرف اينما كان في ساعات النهار يمكن احتماله اما في ساعات الليل فحدث ولا حرج ان اعتبره نوع من الارهاب ينتهك حرية الناس وطمأنينتهم وسيف مسلط على رقاب العباد خمس مرات في اليوم شاؤا ام ابوا تسعون بالمئه يكرهون الاذان بمكبرات الصوت ومع هذا لم يجرؤ احد على ابداء امتعاضه او قرفه مما يجري لا ادري باي حق يزعجني هذا الذي يريد ان يصلي لربه اذا كنت انا مسيحيا او بوذيا او يهوديا تصور ان مسيحيا يقرع جرس الكنيسه الساعه الرابعه صباحا وماذا تكون ردة فعل المسلم الذي لا يتجاوز تعداد سكانه واحد بالمئه في هولندا ان الامه الاسلاميه امه ايله الى السقوط ولو بعد حين .


3 - مع تيسير
محمد الشمري ( 2012 / 9 / 7 - 03:49 )
لااكثر الا (ان الامه الاسلاميه ايله للسقوط قريبا) لانهم مع خالف تقرف

اخر الافلام

.. بعد سقوط الأسد... ما مصير الوجود العسكري الروسي في سوريا؟ |


.. اعتقل في عهد حافظ الأسد .. لبناني يعود إلى بلاده بعد قضاء 33




.. دول أوروبية عديدة تعلق طلبات اللجوء للسوريين بعد سقوط الأسد


.. آلاف المفقودين الفلسطينيين ما زالت جثثهم تحت الركام في قطاع




.. رئيس الحكومة الانتقالية: حان الوقت لينعم السوريون بـ -الاستق