الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة العبيد، ديموقراطية العبيد، السادة العبيد

هيثم حموي

2012 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



ثورة العبيد، ديموقراطية العبيد، السادة العبيد


تصف اللغة العربية المرأة السوداء بالـ "عبدة"، والرجل الأسود "عبداً" و "زنجياً". و كان تعبير "العبودية" في الأدبيات التاريخية العربية يُذكر غالباً مرتبطاً بلون البشرة (فذُكر في ثورة الزنج "أما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا وأحباشا ونوبيين وقرماطيون"، ولنسمع كذلك شعار "إقتلوا العبيد" أثناء الغارات على السكان "السود!" في دارفور، أو في إطار الحرب مع جيش جنوب السودان)، بينما "الرق" و "الرقيق" لم يكونا، في الأدب العربي، متلازمين مع اللون الأسود. فالرقيق هو من جملة ما يملك السيد أو يشتريه، ويشمل البشر الذين يُعرضون للبيع في سوق النخاسة، ومنهم من وُلِد رقاً، أي لرقيق، أو وقع في الأسر إثر سطوٍ أو معركةٍ، أو سيقَ إلى العبودية أي الرق بسبب تقصيرٍ في سدادِ دَينِ أو خسارةِ في قمارٍ أو ما شبه، وهذا كله لا يعطي أي إشارة إلى لون البشرة، فالأنثى هنا "أمة" و "جارية" و "فتاة" والذكر "عبد" و "رق" و "غلام" و "فتى" و "مولى".


سواءً هذا أم ذاك، فـ "العبيد" من أصحاب البشرة السوداء فقدوا إنسانيتهم في تاريخنا العربي مرتين على الأقل، مرة لأنهم رق بما في ذلك من إهانة للقيم الإنسانية عامة، ومرة لأنهم أصحاب بشرة شديدة السواد حيث يصفهم العربي في أفريقيا مثلاً، وحتى يومنا هذا في جنوب مصر والسودان، العامي على الأقل، "عبيد" حتى لو كانوا أحراراً ويقصد "زنوجاً"، وحتى من تاريخ الدعوة الإسلامية نذكّر هنا بشتيمة أبو ذر لـ "بلال الحبشي" "يا ابن السوداء"، ويبدو أن ذلك كان دارجاً، ولا ننس هنا كذلك المتنبي والإخشيدي الذي كان حاكماً لمصر "لا تشتر العبد إلا والعصا معه...".
كما لا يخفى عنا شعور العرب بأفضليتهم عن غيرهم بسبب إنتمائهم العربي، مثال بسيط: فرض الجباية الإضافية على الموالي من غير العرب في بواكير العصر الأموي. ومثال آخر "الأمارة لقريش"، ولكن هذا أمرٌ آخر.


ولكن الواقع يعيدنا نحن العرب، أو يعيد هؤلاء الذين يتبجحون بعروبتهم تبجحاً، إلى أرض الواقع المرير، فها نحن نرى كيف أن العديد من شعوب أفريقيا "السوداء" و من الشعوب "سود البشرة" خارج أفريقيا كذلك، قد وصلوا في السنوات الأخيرة إلى ما لم تصل العرب إليه في عصرنا هذا، وهو إحترام الذات البشرية والهوية الذاتية و "الإسلامية كذلك" والنظر لبعضهم البعض كإنسان يحق له التعبير عن موقفه ورأيه دون خوف، ونرى كيف تتساقط أوهامنا يوماً بعد يوم "أقصد وهم الأفضلية والفضائل والمكارم" ويتهدم صرحنا الرملي الهش هذا أمامنا ونحن ننظر مكتوفي اليدين، فها هم من كنا نسميهم "العبيد" قد سبقونا بأشواط على مرأى ومسمع منا وأصبحنا خلفهم نلهث محبطين محتارين.


إنتخابات هنا ومظاهرات سلمية هناك وأحزاب وبرلمانات، وكل هذا عند "العبيد"، ومازال "السادة/العرب" في مكانهم دون حراك، فمنهم من يرقص الدبكة محتفلاً بجلاده، ومنهم من يجلد أخاه ويمتص عروق الحياة فيه، ومنهم من يغتصب الثروة والسلطة ويدوس بالحذاء على القوانين والتراث ويضرب بالقيم "العربية" و "الإنسانية" عرض الحائط، وهذا كله بأكثر الأساليب وحشية، فالذئب في البرية لا يأكل أخاه، ولكن "عربيٌ حرٌ يرفع شعارات قومية" يأكل أخاه ويمكن أن يشارك فرِحاً بخراب بيته وبيت أخيه على حد سواء.

ولنلق نظرة على آخر ما حققه الـ "عبيد" لأنفسهم ولا ننس المقارنة بينهم وبين الجثث المتحركة "الزومبي" التي تسمى شعوباً عربية "أبية" قدمت في فترة ما إلى الحضارة الإنسانية ما قدمت.


في دراسة للمعهد الألماني للدراسات الإقليمية والدولية- معهد أفريقيا، صدرت عام 2007 تحت اسم "ديموقراطية في أفريقيا" ورد أن عدد الأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا تناقص منذ بداية التسعينات بشكل واضح. بالمقابل ازداد عدد الأنظمة الديموقراطية وعلى الأخص "الديموقراطيات الإنتخابية" وكذلك ازدادت الأنظمة المختلطة ما بين الديموقراطية والديكتاتورية. ويزداد كذلك في أفريقيا دور وأهمية المؤسسات الرسمية وقوانينها في العمليات الإنتخابية وتعدد الأحزاب وتداول السلطة.


وقد اعتمدت تلك التصنيفات على معايير "الحقوق السياسية للمواطنين" و "الحريات المدنية"، وقُسمت الأنظمة في أفريقيا إلى ثلاث فئات، 1- أنظمة غير حرة "متسلطة"، 2- وأنظمة حرة جزئياً "مختلطة"، 3- وأنظمة حرة "ديمواقرطيات ليبرالية"، وأضيف إلى الأنظمة الحرة مؤخراً تعبير "ديموقراطيات إنتخابية". ويعني هذا أن الإنتخابات يشارك فيها فئاتٌ وأطرافٌ وأحزابٌ "متعددة" وتكون بعيدة (يعني الإنتخابات) عن تأثير السلطات الحكومية أو النظام الحاكم، ولكن هناك بعض العيوب في سير العملية الإنتخابية.


مازلنا نتكلم هنا عن دول أفريقيا الـ "سوداء"، وأؤكد هنا على الإحترام الذي انتزعه "الأفارقة السود" منا نحن العرب بهذه الأرقام إنتزاعاً، و "نحن صاغرون".


والآن يا أعزائي أبناء يعرب، وعلى الأخص أبناء بلاد الشام "مهد الحضارات" كما نردد جميعاً، أدرج لكم قائمة بأسماء الدول المصنفة كأنظمة حرة ( لعام 2006 وفق المعايير المذكورة أعلاه، والمعايير هي نفسها منذ 1973، يعني لا يوجد غبن أو تحايز أو استهداف في الموضوع) على فئتين:


الأنظمة الحرة، فئة الديموقراطيات الليبرالية: بنين، بوتسوانا، غانا، جزر الرأس الأخضر، ليزوتو، مالي، موريشيوس، ناميبيا، سنغال وجنوب أفريقيا


الأنظمة الحرة، فئة الديموقراطيات الإنتخابية: بوروندي، غينيا بيساو، كينيا، جزر القمر، ليبيريا، مدغشقر، مالاوي، موزامبيق، النيجر، زامبيا، سيراليون، سيشيل، جمهورية أفريقيا الوسطى.


في أكتوبر 2007 جرت إنتخابات في أقدم ديكتاتورية أفريقية وهي توغو ولأول مرة بمشاركة "أحزاب معارضة" ولكن تبقى تجارب الدول المجارة لها "غانا" و"بنين" أكثر نجاحاً حتى الآن.


وجاء التقرير الذي صدر عام 2007 بالقائمة التي تبين تطور "أنظمة الحكومات الأفريقية" منذ عام 1985 ولغاية 2006، وجاء فيها أن:
عدد الأنظمة المصنفة بأنها "غير حرة" قد تناقص من 31 عام 1985 إلى 15 عام 2006. وعدد الأنظمة الحرة جزئياً أو المختلطة كان 13 في عام 1985 ليصبح 22 في عام 2006. أما عدد الأنظمة الحرة فقد كان عام 1985 إثنان فقط ووصل في عام 2006 إلى 11 نظام حر في أفريقيا "السوداء".


وقد جرت إحصائيات واسعة النطاق بين 1999 و 2006 في 18 دولة أفريقية "سوداء" تبين من خلالها أن ثلثي السكان يؤيدون مبدأ الديموقراطية ويفضلونه عن أي نظام حكم آخر. ومما يثير الإهتمام أن الحكم العسكري ونظام الحزب الواحد ونظام الرجل الواحد رُفِض من قِبل ثلاثة أرباع السكان، وأنا أذكّر هنا بأنهم من الـ "سود " أو الزنج، أو كما يقول العامة غلطاً أو عفوياً "العبيد".


للمقارنة فإن سكان بلاد الشام، كمثال، على لسان رئيس "مجلس الشعب" في أحد مهود الحضارات يعتقد أن بلاده، التي تكتم أنفاس مواطنيها، وصلت إلى قمة الديموقراطية ولا يرى حاجة لأي إصلاحات بهذا الخصوص، وهذا ليس إلا قبولٌ وإختيار وتفضيلٌ للنظام الديكتاتوري القائم.


وتتفاوت بالطبع نسبة تأييد الديموقراطية من بلدٍ "أفريقي أسود" لآخر، فالشعوب التي أدت الديمواقرطية لديها إلى تغيير نظام الحكم، مثل غانا وكينيا والسنغال تؤيد المبدأ بشكل أكبر من الشعوب التي لم يتغير فيها حكم الأغلبية مثل تانزانيا.


فترة رئاسية ثالثة؟
في سياق الإحصائيات حول معدلات الثقة بالدستور في الأنظمة الديموقراطية في "أفريقيا السوداء" لعبت مسألة "فترة الرئاسة الثالثة" دورا حاسماً، حيث تم شطب المادة المتعلقة بإمكانية الترشيح لفترة ثالثة من 32 دستورٍ أفريقي في سياق مرحلة تحول الدول إلى الديموقراطية، وحددت فترة الرئاسة القصوى بمرتين فقط.


ولغاية عام 2005 جرت محاولات في 18 دولة لتمديد فترة رئاسية جديدة للرئيس، نجحت تسعة محاولات منها، مثل الغابون وغينيا وناميبيا وتوغو وتشاد وأوغندة، وفشلت في ثلاثة دول، مالاوي ونيجيريا وزامبيا، وذلك نتيجة لمعارضة جزء من الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. ومازلنا هنا نتحدث عن "أفريقيا السوداء، يعني جنوب الصحراء الكبرى".


والآن، ما يثير الإهتمام الشديد بالنسبة لنا أهل بلاد الشام، مهد الحضارات، هو أنه في المحاولات التسع الناجحة لتمديد الفترات الرئاسية إلى ثلاثة لم تجرِ أي محاولة لـ "تغيير الدستور"، حيث كان إحترام الدستور بديهياً من قبل الرئيس. وكان هناك دولة واحدة فقط مصنفة كـ "ديمقراطية" وهي ناميبيا، نجحت محاولة تغيير الدستور فيها، أما تغييرات الدستور الأخرى فقد حدثت في أنظمة "غير حرة، تسلطية".


إن تلك الشعوب التي كانت العرب تعتقد بتفوقها عليها قد سبقتنا بأشواط، وجاء هذا عبر جهود الشعوب الذاتية وليس عبر تحالفات خارجية أو إعلانات ومقالات، فكان هناك العصيان المدني والإضراب والتجمعات الجماهيرية والتعبير عن الرأي وكان الإعتقال والتشريد والقتل، ولكنها تضحيات لابد منها ببدأت بنزع الخوف من القلوب.


أما عن غرق اللاجئين الأفارقة في البحر على طريقهم إلى أوروبا، فهذا موضوع يطول فالفقر لا يعرف لوناً وتبقى الحرية أثمن قيمة إنسانية تحت كل الظروف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس