الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة واللَعنَةُ الغائبة

محمد الزقزوق

2012 / 8 / 28
الادب والفن



كُتَلٌ أسمَنتِيَةٌ مُتَراصة وكَأنَها جُيوشٌ مُستَعدة لِخوضِ مَعرَكةٍ ما , تَعتَلِيها سماءٌ بِنفسِ صِفات السَماوات الأخرى , زرقاء يُرصِعُها غَيمٌ أبيض , هي رُبما نَفس السماء التي تُغطي بَشراً آخرين على نَفسِ هذا الكَوكب وأرض بِنفسِ الانبساط والتَكوين , تُراب , رمال وحصى هي ربما نفس الأرض التي تَحمل بشراً آخرين على هذا الكوكب أيضا .

الشَمسُ تَبدو نَفسها وكَذلك القمر والنُجوم والبحر هكذا يَبدو الأمر لِلقادِمين إلى المَكان منَ العالم الآخر فهو لا يَختلف كَثيراً بِتَكوينهِ المادي عن ما يَتكون منهُ هذا الكوكب العائم في الفَضاء .
لكنِ الأمرَ يَبدو مُختلفاً إذا كُنتَ ممن يَعيشونَ هذا المَكان مُنذُ أن نفضكَ رَحمُ أمك نَتيجةً لِخَطيئة حَدثتْ في لَيلةٍ حَميمية على وقعِ القَنابل مثلاً , فأنتَ إذا كُنتَ ممن نَفاهم القَدر إلى هذا المكان سَترى الأشياء بِشكلٍ مُغاير تَماماً

والحقيقة أن هذه الرؤية المختلفة لِمظاهر الطًَبيعة لا يَقِفْ ورائها عَوامل نَفسية وإن وجدتْ , لكن ربما تكون مُزود بِعينين مُختَلِفَتين ما دُمتَ تَعيش في مَنظومة يَعدو الاختلاف والتَناقض أساساً فيها فيما يَكون الائتلاف والتَوحد شاذاً .

وقَبلَ أن أبدأ بِسرد الرؤية المُختلفة لِمظاهر الطَبيعة والتي ربما يُشاركني إياها بعض مجانين هذا المكان , كُنت أُحاول تَفقد التاريخ , النَفاذ إلى جَوهره في محاولةٍ لاكتشافِ الخَطيئة التاريخية التي ارتَكبها سُكانُ هذه المَنطقة لِيحيقَ بِهم ما هم فيه من معاناةٍ وشَقاء , اعتقدتُ أنهم قَتلوا نَبياً أو صالحاً أو أنهم عادوا الله وبارَزوهُ بِالمَعاصي والفَواحش ثمَ تَدارَكتُ أن البشر جَميعهم أخطئوا وارتَكبوا المَعاصي حتى أن جِنساً منهم قتلَ أنبياءِ الله إلا أنهم على الرغمِ من قَبيح ذنبِهم لا يُعانوا مما يُعانيهِ من يَسكن هذا المكان .

إذن أينَ الجَريمة ربما تَكون هي نَفسها من أجرمتْ بِحقِ نَفسِها بِقَلعِها عين العَّرافة كما قرأت ذلك في نص لِخالد جمعة . لكن بَعيداً عن الخَوضِ بِالمُسبِبات والدَوافع دَعوني أعكس لَكم تِلكَ الرؤية المختلفة .

تَستَيقظُ الشَمسُ فيها مُثقلةً , كَسولةً تتثاءب بِعمق وتَفرك عَينيها بتباطؤ وتَستَطيعُ أن تَشعر بِوضوح أنها تُمارسُ عَملها عُنوةً حتى إذا على ضَجيجُ ساكِنيها كَشرتْ عن أنيابها وشَمرت ْ عن ساعديها وأرختْ لِجامَ نارها فَجَلَدتْ جِباههم ونالتْ من عَزمهم وتَستمرُ على هذا الحال إلى أن تَخور قِواها فَتغرب وقد أُنهِكُوا وأضناهم التَعب.

أما القَمر فَيبدو مُصفراً, شاحِباً , عاجِزاً عن إبداء زينَتهُ لِيكمل طُقوسَ عاشقٍ أرادَ أن يَصف استدارت وجه مَعشوقةُ باستدارته وصَفاؤها بصفائه وضِياؤها بضيائه .
البَحرُ ضامرٌ , خائفٌ , يَرفضُ تَشبِثهُ بِالأرضِ أو انعِكاسَهُ على السماء , لم يُعد قادراَ على حمل الأمنيات والاحتِفاظِ بالإسرار ولا على استيعاب همومَ الناسِ , ولم يَعدْ قادراً على مُمارسةِ دَورهُ في احتضان بُؤسِ المدينةِ كُلما على صُراخُها .

والناسُ فيهالا هائمونَ على وجوهَهم , يَتَقاسمونَ الدموعَ كما يَتقاسمونَ الابتسامات ويضجرونَ منَ الضَجيجِ كما يضجرونَ منَ الهدوء .
تَرى على هاماتِهم أشكالَ الموت, يَمزجونَ مرارةَ الأيامِ بِرغيفِ صَباحهم وإذا ما جَنَ الليلُ يَصعدونَ جِبالَ وجَعِهم ويُشعِلوا مَصابِيحهم وتَروي لهم الجَداتُ الحِكايات التي وَلدت من خاصرةِ الجبل وصباحاً مَدينَتهم في ماضيهم ولو أنهم ولو أنهم أرخو البَصرَ قَليلاً لَوجَدوها في حاضِرهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب