الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صمت بنات آوى

صبحي حديدي

2005 / 2 / 22
القضية الفلسطينية


كان يحلو للفنّان الفلسطيني الراحل ناجي العلي أن يعقد جناساً لفظياً طريفاً، ومريراً قاتماً في الآن ذاته، بين حركة «غوش إيمونيم» الإسرائيلية المتطرّفة، وحركة «خوش صموتيم» العربية التي ينتسب إليها الحكّام العرب كافة، والتي لا تمارس إلا الصمت في أفضل (خوش) أنماطه! وكما هو معروف، تأسست «غوش إيمونيم» سنة 1974 بمبادرة من الحاخام موشي ليفنغر وتأييد عدد من الحاخامات وأعضاء الكنيست (من كتلة الـ «مفدال» آنذاك، أساساً)، بهدف مناهضة مشاريع الإنسحاب من سيناء أو الضفّة الغربية، واستناداً إلى نصوص توراتية وتلمودية تحرّم ذلك الإنسحاب. أمّا حركة صموتيم الحاكم العربي فقد كانت، غنيّ عن القول، لا تستند إلى أية «نصوص» سوى تبعية أعضائها وخسّتهم وانحطاط هاماتهم أمام الإسرائيلي.
اليوم تعود «غوش إيمونيم» إلى الأضواء بقوّة، مع قرب إعادة انتشار قوّات الاحتلال في قطاع غزّة، مع فارق حاسم هذه المرّة: ليس في باطن غزّة، المادّي أو الأسطوري، أية رموز توراتية أو تلمودية تبرّر شنّ الحرب المقدّسة ضدّ الإنسحاب، وليس في تخوم القطاع سوى حفنة مستوطنين متعنتين أخذوا يشكّلون عبئاً أمنياً وسياسياً ومالياً (نعم... وهذا تفصيل يهمّ دافع الضرائب الإسرائيلي مباشرة لأنه يفتح حافظة نقوده!)، والمعركة خاسرة كما تشير كلّ الدلائل.
الحاسم، مع ذلك، يصنعه اعتبار آخر لا يمكن لـ «غوش إيمونيم» أن تمزح فيه، أي أن تكون انسحابات غزّة أمثولة تمهّد لانسحابات أخرى من الضفّة الغربية... حيث «إسرائيل الكبرى»، وحيث تقع مدينة الخليل التي شهدت انطلاقة الحركة، وحيث قبر باروخ غودلشتاين سفّاح مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994. وتخيّلوا مَن كان أبرز داعمي هذه الحركة في اعتمادها استراتيجية «تقديس» المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واعتبارها بمثابة «قلاع من الرموز التوراتية» وليست البتة محض مساكن ومدارس ومتاجر؟ شمعون بيريس دون سواه، الذي كان وزيراً للدفاع في حكومة إسحق رابين الأولى (1974ـ1977)، ذروة سنوات تأسيس «غوش إيمونيم» وصعودها!
وفي سياق الإرشاد الديني حول أفضل سُبُل «الدفاع» عن مستوطنات «القداسة» هذه، دعا الحاخام إليتسور سيغيل إلى تنفيذ عمليات إنتحارية ضدّ الفلسطينيين، عملاً بمبدأ الشهادة الذي استنّه البطل اليهودي شمشون (وليس، طبعاً، اقتداء بالعمليات التي ينفّذها انتحاريون فلسطينيون!). وفي مقال بعنوان «التضحية بالنفس من أجل الربّ» كتب الحاخام يقول: «الإنتحار في زمن الحرب حلال إذا كان هدفه نصرة إسرائيل، والمتطوّع لأداء مثل هذه العمليات سوف يكون في عداد الأبطال والشهداء».
والحاخام سيغيل هو الذي يتولى الإشراف على الهداية الروحية في مستوطنة تابواه التي تحتلّ إحدى هضاب الضفة الغربية منذ عام 1967، وتقطنها أغلبية من غلاة اليهود المتدينين، وأتباع الحاخام الأشهر مئير كاهانا، ممن يشكلون اليوم مجموعة «كاهان حيّ»... حيّ لا يموت، كما تبرهن تصريحات مستوطن آخر يدعى إسرائيل فيرنر، يرجّع أصداء كاهانا أواخر السبعينيات: «ما هو الحلّ الإنساني الأفضل: أن نذبح العرب بأنفسنا، أم أن يغادروا أرضنا من تلقاء أنفسهم»؟
ومع ذلك فإن من الطريف أن يقتبس الحاخام سيغيل شخصية شمشون لحضّ اليهود على بذل دمائهم، ونيل شرف الشهادة دفاعاً عن اسرائيل. صحيح أنّ لهذه الشخصية مآثرها الدموية الرهيبة ضدّ الفلسطينيين، وأنه ذات مرّة «أمسك ثلاث مئة إبن آوى وأخذ مشاعل وجعل ذنباً إلى ذنب ووضع مشعلاً بين كل ذنبين في الوسط، ثم أضرم المشاعل ناراً وأطلقها بين زروع الفلسطينيين فأحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون» حسب سفر القضاة. ولكنه، بين جميع قضاة اسرائيل، الأكثر شهوانية وخضوعاً للملذات، والأضعف إيماناً بعهد الربّ كلما اتصل الأمر بشهوات الجسد!
وهكذا فإنّ من المدهش أن يقتبسه الحاخام سيغيل، إذ كيف يضمن أن لا تستدرج شمشون «فلسطينية» ما من حفيدات دليلة، فيدلي لها بأسرار الحزام الناسف الذي يلفه حول جسده وهو في الطريق إلى أحد أسواق الخليل أو نابلس أو بيت لحم، وقبيل تفجير نفسه دفاعاً عن اسرائيل؟ ومن جانب آخر، لقد كان شمشون أسير الفلسطينيين حسب العهد القديم، فمَن هو اليوم الأسير، ومَن الآسر؟ مَن هو المحتل، ومَن الذي يعاني من جرائم الاحتلال؟
والعهد القديم يروي أن بني إسرائيل «عادوا يعملون الشر في عينيّ الرب، فدفعهم الربّ ليد الفلسطينيين أربعين سنة»، وأنّ امرأة منوح العاقر، والدة شمشون، تلد هذا الطفل الإعجازي ليكون نذيراً للرب ويتولى تخليص اسرائيل من يد الفلسطينيين. أيكون الحاخام في موقع مَن يفترض وقوع إسرائيل في الأسر الفلسطيني؟ أم هو يقول ضمناً إن إسرائيل عادت إلى الشرّ القديم الذي استوجب غضب الرب، ويستوجب بالتالي مجيء شمشون؟
في جميع الأحوال كاهانا حيّ، ولا يبدو أنه سيموت في أيّ يوم قبل الموت النهائي للدولة العبرية نفسها. هو أيضاً حال بنات آوى، في مثال شمشون وكاهانا وأرييل شارون وشمعون بيريس على حدّ سواء. وكذلك، بالطبع، في مثال بنات آوى من الحكّام العرب الذين يواصلون الإنضواء في صفوف الـ «خوش صموتيم»!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ