الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برلمانات -هايفة- ودون المستوى

حافظ سيف فاضل

2005 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


البرلمان في المجتمع المدني يقوم بدور السلطة التشريعية الممثلة للشعب, ويعد رقيبا ومحاسبا على الاداء الحكومي والقيادي. والنائب او البرلماني, لابد وان يمتاز بحس عال ليتلمس مواطن الفساد والخلل وسوء الادارة بنفسه في اروقة ومؤسسات الدولة, اذ يخول له القانون والحصانة البرلمانية فعل ذلك. هناك تصورات شائعة حول البرلمانات في البلدان العربية منها, كونها صورية وغير مفعلة, وانه يمكنها ان تغير مواد في الدستور في اقل من ساعتين اثنتين, اذا اقتضى الامر واوعز لها ذلك, ونقصد باقتضاء الامر, امر اعلى سلطة في البلاد. وقد حدث هذا بالفعل في البرلمان السوري على سبيل المثال. ولكن اختلط الحال والمسألة لم تعد بهذا التبسيط, فليس هناك برلمان صوري بالمعنى على اطلاقه, وانما هناك امور وقضايا بحسب جديتها, تجعل من البرلمان جادا, وامور بحسب ارتباط مقتضياتها بأعلى سلطة سياسية, تجعله صوريا. فنجد برلمانات تكون جادة اجادة تامة في مسائل عديدة وفاعلة لصالح مجتمعاتها, مادامت لاتقترب من الخطوط الحمراء ومنها, الذات الاميرية او الملكية او حتى الرئاسية. ففي حالة جمع بين منصب ولي العهد الكويتي ومنصب رئيس مجلس الوزراء, لم يكن للنواب الكويتيين طيلة هذه الفترة الاحقية في محاسبة رئيس الحكومة بسبب ارتباطها بخط ولاية العهد "الاحمر", ان مثل النواب الكويتيين في هذه الحالة كحال الجن زمن النبي سليمان, اذ مات سليمان وبقوا في العذاب المهين. اصدر ذات مرة امير البلاد مرسوما يمهد لدخول المرأة الكويتية المعترك السياسي من حيث احقيتها في الانتخاب والترشح, ليصبح وضعها كبقية النساء في بلدان العالم السوية, والتي تتعامل مع حقوق المرأة بواقعية وعصرية, وحق من حقوق الانسان الذي ينتزع ولايستفتى فيه, ولكن للاسف خضع هذا المرسوم للارادة البرلمانية متجاوزا للمفهوم النمطي الخط الاحمر الاميري -مادامت المسألة فيها حقوق مرأة- رافضين القرار الاميري العادل!. ولازالت المرأة الكويتية حتى هذه اللحظة تكابد عدم نضج الواقعية الزمنية لتيارات "طبطبائية" سياسية متزمتة داخل البرلمان الكويتي والتي تعيش اشكالية مزمنة مع المرأة بالانتقاص منها ومن حقوقها. ويستغرب, سكوت المرأة الكويتية المستمر على هذا الغبن -عدا بعض الفقاعات القضائية التي رفعتها بعض الناشطات النسويات دون جدوى- والاستهتار بحقوقها السياسية والاجتماعية, اذ يمكنها ان تعتصم في تظاهرة نسائية كبيرة حاشدة سلمية تعلق الشارات ذات اللون الاسود الحزين تعبيرا على وضعها الغير طبيعي مقارنة من حيث اختلافها عن وضع النساء في الدول العربية والمسلمة الاخرى حتى يستجاب لها.
لايختلف حزب او فصيل او حكومة او معارضة او اعضاء برلمان في توجيه شعارات في حملاتهم السياسية, ازاء العمل على ازالة ومكافحة الفساد المالي والاداري في البلاد, واشاعة العدالة والحرية وغيرها من المفاهيم المطاطة, ولكن يضيف التيار الاسلامي على هذه الشعارات بعض المفاهيم الخاصة به الضيقة مثل: هل يسمح بعرض فوازير رمضان في التلفزيون ام لا؟ محاولة الغاء الحفلات الغنائية, يصحبها عدد من الاستجوابات, لوزير الاعلام لاصداره تصاريح حفلات فنية وسماحة لعدد من المطربين لاقامة حفلات في العيد.. وهلمجرا. ونجد ان هذه "الهيافة" والهبوط بالمستوى الادائي البرلماني, صفة مشتركة بين جميع البرلمانات التي يصلها هذا التيار بعينه وتصبح اولوية من اولوياته الهامة فتجده يقف بصلابة ضد حقوق المرأة الهامة المصيرية, ولكنه يستنفذ الجهد والوقت في التقصي و البحث والتنقيب عن مواطن الطرب و"الفرفشة" وسيرة المغنية "فلانة" بهدف منعها. ففي البرلمان البحريني لم يهدأ لهذا التيار بال, الا بمنع "تلفزيون الواقع" واثاروا كثيرا من البلبلة والضجة حوله, كما حاولوا منع نانسي عجرم من اقامة حفلاتها الفنية في البحرين ولايزالون يقفون مترصدين لكل ظاهرة او عمل فني يصدح في الفضاء الحر, الذي لايعرف سياسة القمع والمنع. وفي البرلمان المصري تبرز "الهيافة" ذاتها, مع بروز قوام نانسي عجرم "البلدي" في (آة ونص), وكذلك في بروز مؤخرة روبي "الشهيرة" في اغنيتها على دراجة التمرين الرياضية (بقالي ليالي.. باداري حبيبي باداري.. لاريح لي بالي.. ولا درى بلي جرالي), حيث لاتزال تجعل بعض نواب البرلمان المصري, يتراشقون بالاتهامات والكلمات, ويتسببون في ازمات حادة بينهم وبين الحكومة من وقت الى آخر, لم تكن لتظهر جملة هكذا اعتراضات في العمل البرلماني على المنوعات والتنوعات الفنية, والتي هي افراز ومظهر طبيعي من مظاهر المجتمع المدني الحر المتسارع, وينسى البرلمانيون "العجرميون" او "العجارمة", ان الاقمار الصناعية تنشر كل شئ تقريبا ويلتقطها المواطن المصري و البحريني و الكويتي و العربي عموما, وغيرهم على الكرة الارضية في سموات اصبحت مفتوحة, دون اذن او تحفظ, ولايعد ذلك خارج اخلاقيات وخصوصيات المجتمع في هذه الحالة, والتي يتخذ دوما من الخصوصية ذريعة فضفاضة, ولكن تصاب هذه الخصوصية بلعنة و"الاخلاق" الكويتية او البحرينية او المصرية بنكسة من وجهة نظر اولئك النواب عندما تغني اليسا او روبي او نانسي عجرم لونا غنائيا اصبح دارجا, وله جمهوره العريض سواء من الشباب او غيرهم, اذ يمر هذا اللون في مرحلة تطور الاغنية العربية بحكم عامل العصرنة والايقاع السريع للحياة وتعدد الاذواق وتلاقح الحضارات ومشارب الثقافات!!. ان وجود هذا التيار المنغلق على ذاته, والقابض على "الحقيقة المطلقة" في لغة خطابه, تبقي على مستوى البرلمانات بالشكل الهش الذي يظهر عليه في وضعه الحالي. كما تظل هذه البرلمانات صورية وغير جادة في نظر مواطنيها مالم, تسائل اميرا للبلاد, او ملكا او رئيسا للجمهورية, على تجاوزات حدثت خلال سنوات حكمه الممتدة, كما تفعل البرلمانات الحقيقية في المجتمعات المدنية المتحضرة, او على الاقل تراجع ملفا من ملفات سجونها وتسائل وزراء الداخلية ورؤساء الاستخبارات عن اساليب وانواع سوء العذاب الذي يتعرض له المساجين السياسيين وغيرهم, او مدى التزام السلطة التنفيذية بعدم التعدي على حقوق الانسان في تلك المجتمعات التي يحكمها افراد "مزمنين محنطين" يؤهلون ابنائهم للتوريث, وليس مؤسسات سياسية ديموقراطية, قابلة للتبادل السلمي للسلطة. وفي نقلة سريعة الى الولايات المتحدة, كلنا يتذكر عندما وجه مجلس النواب الأمريكي في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1998، اتهاما رسميا لـبيل كلنتون بحنث اليمين وإعاقة عمل القضاء في قضية لوينسكي, إلا أن ذمته أبرئت لاحقا بعد محاكمته أمام مجلس الشيوخ في فبراير (شباط) من أجل السماح له بإكمال ولايته الرئاسية, وجاءت تلك المحاكمة بعد تحقيق مطول حول سلوكيات الرئيس أجراه كنيث ستار الذي كان محققا مستقلا, يذكر أنه بعد أن كذب كلنتون مرارا وجود أي علاقة غير قويمة مع لوينسكي، اضطر في الأخير إلى الاعتراف بضلوعه في القضية، وذلك أثناء خطاب نقل على شاشة التلفزيون, وهذا يحدث مع اقوى رئيس دولة في العالم, لم يصبه الغرور, ولم تأخذه العزة بالاثم, بل خضع لمؤسسة الدولة والمجتمع المدني والنظام الديموقراطي العريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حافظ سيف فاضل, كاتب وباحث اكاديمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: إسرائيل لن تخرج من قطاع غزة قبل إعادة جميع المختطفي


.. مراهقون أوكرانيون يتدربون لخوض حرب طويلة ضد روسيا في ناد عسك




.. البيت الأبيض: تصريحات نتنياهو عن تسليم الأسلحة الأميركية -مه


.. وول ستريت جورنال: التوترات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية بلغ




.. هل باتت الولايات المتحدة عاجزة عن الضغط على إسرائيل؟