الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الأسد أم لعنات الشعوب

خالد قنوت

2012 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن كتبت و كتبت البارحة لأكثر من ساعتين و نصف, افرغت فيها ما تيسر من شرح و نقد و لعنات للنظام و آلته الأمنية و العسكرية, لم أرى نفسي إلا و قد حذفت كل ما كتبته بكبسة زر. صحيح, أني أحسس بالراحة لأني نقلت ما أحسست به في تلك اللحظة لكني حزنت لأني فقدت كل ما كتبت و غضبت لأني لم أستطع أن أشارك الأصدقاء بأفكاري. حاولت أن أفسر ما حدث, فكان التفسير الأكثر منطقية هو أننا تعودنا كسوريين خلال سنوات نظام الاستبداد الأسدي منذ حكم حافظ الأسد, أن نحرق أي ورقة أو منشور أو جريدة سرية معارضة بعد أن نلتهم مقالاتها و أفكارها, حرصاً منا على عدم وقوعها في أيدي الأمن. أذكر أن أحد أكبر القتلة و المجرمين بتاريخ سورية رئيس جهاز الأمن العسكري السابق علي دوبا قد أعلن أنه سيعدم كل من أمسك جريدة الراية الحمراء. ذهب إلى البيت و أشعلت النار بكل ما لدي من أوراق و كتب و ملاحظات و تعليقات حتى أني كدت أتسبب بحريق في المنزل و بقيت لأكثر من يومين و أنا لا أستطيع الرؤية جيداً و عيوني تدمع دون توقف.
إن حالة اللاوعي التي حصلت معي البارحة أعادت لي ذكرى حالة الذعر و الخوف التي كنا نعيش فيها نحن السوريين منذ أيام الطاغية الأب, بسبب و من دون سبب. كنا متهمين حتى يثبت العكس, كنا إرهابيين دون أن نعرف تعريفاً لكلمة إرهاب, كنا أخونجية حتى و لو كنا في أقصى اليسار, كنا خونة عند أي رأي لا يتطابق مع كلام الطاغية الملهم. كلامه الذي لا لون له و لا تفسير محدد له, حمال أوجه.
لقد مارست الفعل الطبيعي للحس الأمني الذي امتلكه كل من عمل بالسياسة أو بالثقافة و الأدب في سورية. كان على أي سوري أن يحتفظ لنفسه برواية تبرر فعلاً لم يقم به بعد و أن بثبت تواجده في مكان بعيد عن مكان من
غير المفروض أن يكون فيه و أن يحضر تفاسير لأمور لم تحدث بعد.
لقد بنى حافظ الأسد أجهزته الأمنية على فكرة شمولية المعرفة الأمنية و خصوصية الاعتراف بالخطأ قبل قيامه. فكان على رأي ما كتبه الراحل نهاد قلعي: لازم تحكي الحكي اللي ما حكيتو .. و في النهاية .. سنسامحك هذه المرة لكن في المرة القادمة عليك أن تحكي الحكي اللي ما حكيتو..
هكذا كان يتعامل عناصر أجهزة الأمن السورية مع السوريين و هكذا علمهم حافظ الأسد أن يجعلوا السوريين يخافون من ظلهم و ليس من أبنائهم. عليهم أن يخافوا و فقط.
لا يمكن إلا أن نعترف بأننا كنا خائفين حتى من أنفاسنا, عندما نسمع طرقاً أو جرس باب المنزل نفزع و تنتفخ أوداجنا عندما يغلق أحدهم باب سيارته تحت شباكنا, نغير طريقنا عندما نلمح أحدهم يتبختر بمسدسه الظاهر على خصره, نتلعثم عندما يحدثنا أحدهم باللهجة العلوية حتى و لو لم يكن علوياً, نتعرق عندما يسألنا عن هويتنا الشخصية, و نودع أهلينا عندما نطلب لزيارة فرع أمني.
نعم, لقد زرع هذا النظام الخوف فينا و سلبنا الثقة بأنفسنا و جعلنا أقرب للقطيع منا للبشر و الانسانية.
اليوم غابت عني حقيقة ناصعة و واضحة, واقع نعيشه منذ ستة عشر شهراً, منذ انطلاق الثورة السورية العظيمة. لم نعد نخاف. نعم, نحن السوريون و بأكثريتنا لم نعد نخاف. الخوف كالزجاج لكننا كسرناه. الخوف كالظلام و لكن شمسنا بدأت بالظهور من جديد.

ضحكت كثيراً و كأني كنت في كابوس حقيقي و صحوت منه, أغلقت جهاز الكومبيوتر و ضحكت و علت ضحكتي أرجاء المنزل حتى صحى أفراد عائلتي متعجبين متسائلين. قلت لهم: كنت أضحك لأني لم أعد أخاف, كنت أضحك لأن الشيطان الأسدي الذي سكنني عقوداً انعتقت منه نهائياً, كنت أضحك لأني أحسست أن الطاغية الأب حافظ الأسد مات. مات بلعنات السوريين و لم يعد يحكم سورية من قبره.
صحيح أني حذفت ما كتبت البارحة و لكني لن أتوقف عن الكتابة بعد اليوم و لن أحذف أو أحرق أي من لعناتي على حكم الاستبداد, أو أي حكم استبداد بعد اليوم.

29-8-12
خالد قنوت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته