الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة الا لتحاقية

محمد سيد رصاص

2005 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمثل أحمد الجلبي ظاهرة غير مسبوقة في السياسة العربية الحديثة، فقد سبقه في النزعة الالتحاقية بالأجنبي، من أجل إحداث تغييرات داخلية، بعض أعضاء الجمعيات العربية السرية في أواخر العهد العثماني، فيما لم يكن رئيس الوزراء المصري بطرس غالي (1908 1910) بعيداً عن ذلك، في حالة غير مختلفة عن بعض الساسة المصريين الآخرين مثل الخديوي توفيق الذي استعان بالانكليز لإزاحة عرابي.
لا توجد هذه النزعة في بلدان ذات ثقل على مسرح العلاقات الدولية، وإنما في دول ضعيفة، تشكل مسرحاً لصراعات الآخرين (مثل لبنان وأفغانستان النصف الثاني من السبعينيات)، فيما لا توجد عند ايديولوجيات دينية او قومية متمركزة على الذات او تطمح الى تشكيل ثقل جغرافي عالمي حيث لا تأخذ العلاقة عندهما مع الأجنبي شكل الإلتحاق وإنما التحالف، بل نجدها عند حركات ايديولوجية تخضع لمركز عالمي خارجي (حكومة لوبلين البولندية التي كانت دمية بيد ستالين ضد حكومة القوميين في لندن ذات الجذور القوية في الداخل البولوني وظاهرة بابراك كارمال... الخ) او عند اتجاهات فكرية سياسية، مثل ليبراليي العالم العربي الحديثين وطبعتهم الجديدة المعاصرة، ترى > و> نابعين من <<هناك>> مما يدفعها حتى حدود الالتحاق والقبول بالقوى والأساطيل والجيوش الآتية من وراء البحار (لندن سابقاً، واشنطن راهناً)، وليس احمد لطفي السيد، رائد الليبرالية الحديثة فكرياً وسياسياً، ببعيد عن حالة الليبراليين الراهنين (الجلبي، علاوي، الباججي) من حيث مواقف الأخيرين من ظواهر تومي فرانكس وبول بريمر.
يلاحظ على هذه الاتجاهات الالتحاقية الافتقاد الى الجذور الاجتماعية المحلية القوية، ليشكل الالتحاق بالخارج تعويضاً عن ذلك وتجاوزاً له الى تشكيل قوة سياسية لا تكون مرآة لقوى او فئات او طبقات داخلية او انعكاساً لها وإنما للعوامل الخارجية، وحالة الليبراليين العراقيين المعاصرين مثال <<كبير على ذلك، وقبلها مثال بابراك كارمال (الذي كان جناحه صغيراً ومعزولاً ضمن صفوف الشيوعيين الأفغان، اي (بارشام) أمام جناح (خلق) ذي النزعة الاستقلالية عن السوفييت) لما أتى به السوفييت محمولاً على ظهر الدبابات الغازية لكابول.
تطرح النزعة الالتحاقية العربية المعاصرة قضايا عديدة: هل يعني، هذا، فشل المجتمعات العربية في إنشاء <<الدولة الوطنية>> التي تُشعر الجميع بأنها وعاء لهم، وحاضنة، ليمتنعوا بعد ذلك عن مدّ اليد للخارج من النوافذ، أو عن فتح الكوّات والبوابات له للولوج إلى الداخل؟... ثم: هل هذا الفشل ناتج عن عدم وجود أسس للاندماج المجتمعي، مما يدفع بمكوّنات اجتماعية معينة إلى التشظي والبحث عن الاستقواء بالخارج، أم أن الأمر لا يعدو ردود فعل على تسلّط فئات، يمكن ان تأخذ شكل حزب أو قومية أو دين او طائفة، على مقدّرات البلد، مما يدفع بالفئات الأخرى الى المعارضة والمقاومة عبر أشكال التحاقية استقوائية بالخارج، من أجل فرض معادلة داخلية جديدة تكون أكثر توازناً ومراعاة لمصالحها، كما يحدث في السودان والعراق الآن؟... ولكن: هل سيؤدي ذلك إلى معادلة وطنية جديدة في المجتمعات المعنية، ما دام ليس هناك من <<خرائط جديدة>> في الشرق الأوسط كما توحي سياسة القطب الواحد الذي أصبح مسيطراً على كامل الكعكة، أم الى فقدان الاستقلال ما دامت النزعة الالتحاقية قد شكلت غطاء لاحتلال الأجنبي في العراق، وللتبعية والارتهان بعد ان أتاحت تلك النزعة للخارج ثغرات وكوات ومداخل استطاع من خلالها إعادة رسم ملامح ومعالم الداخل من جديد، كما حصل ويحصل في السودان؟... أي: ألن يؤدي الالتحاق، وما ولّده في الحالتين العراقية والسودانية، إلى تشظٍّ جديد، بعيداً عن اي معادلة توافقية وطنية، ما دامت المفاعلات الحاصلة في هاتين الحالتين ستؤدي الى استبدال سيطرة فئات بفئات جديدة أتت عبر الالتحاق بالأجنبي والاستقواء به، وما يعنيه ذلك على صعيد الوطن من تشظٍّ داخلي أدى إليه الاحتلال (والتبعية)، ومن مماثل له ستؤدي اليه مقاومة الاحتلال (والتبعية) والملتحقون المحليون به؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل