الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل تجربة كل الإديلوجيات لدى العرب

الحايل عبد الفتاح

2012 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


فشل تجربة كل الإديلوجيات لدى العرب

وبعد أن استنفذ كل التطبيقات الممكنة لمختلف الإديلوجيات والنظم العالمية السائدة، يقف الشعب العربي اليوم أمام نقطة محيرة في مساره التاريخي المبهم.
فهو جرب فعلا، لا مجازا، إديلوجية اللبرالية والاشتراكية والإسلامية في تسييره، لكن وضعه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي لم يخرجه من التخلف والتبعية. بقي خاضعا فقط للحتمية التاريخية التي لا محيد له عنها في تطوره التدرجي السلحفي. فبمختلف الإديلوجيات التي جربها، عبر تاريخه، لم يستطع صنع إديلوجية ناجحة ومقبولة خاصة به ومن إنتاجه وإبداعه، تجعله رافضا لما هو سائد ومطبق حاليا لدى الدول المسماة متقدمة...
فهو حاليا يجتر ما صنعه الآخرون من إديلوجيات ويرقع إديلوجية تلوى الأخرى بدون أن يستطيع إسعاد نفسه بأي منها. والأدهى والأمر أن تقليده ومحاكاته للشعوب الأخرى، خاصة الغربية، لم تأتي بنتيجة تفوق مستوى النتائج التي حققها الغرب وحققتها الحتمية التاريخية المفروضة عليه. وكأنه يراوغ التاريخ بالتقليد والمحاكاة...وفي الأخير يبقى دون مستوى الشعوب المتقدمة والمتطورة.
التجربة اللبرالية :
فعلا، فقد جرب الشعب العربي إديلوجية اللبرالية فاستغل من طرف قادته ومسيريه استغلالا فاحشا سجله التاريخ...وهنا نسوق أمثلة من عدة دول جربت الإديلوجية اللبرالية لنضع القارئ في الصورة. فالعربية السعودية ومصر وتونس والمغرب واليمن وغيرها من الدول حكمت ( برفع الحاء) من طرف أشخاص لبراليين طبقوا اللبرالية لفترة معينة بتصورهم الضيق، لكنهم لم يفلحوا في جعل الشعب العربي محتضنا لها؛ ولم يستطيعوا توزيع خيرات البلاد بالشكل والإديلوجية اللبرالية بمفهومها الإقتصادي والسياسي والإجتماعي والتقافي...طبقوا كلهم إديلوجية البرالية ولم يتوصلوا إلى إقناع الشعب بنجاعتها وصلاحيتها للتطبيق لديهم وعليهم...بقيت شعوبهم متخلفة وتابعة في جل الميادين خاصة من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية...
وفي اعتقادنا أن سبب فشل تجربتهم اللبرالية ناتج عن عدم مساهمتهم في إنتاجها. فهم فعلا لم ينتجوها ولم يسايروا كل وقائعها ليتسنى لهم الإحاطة بكل إيجابياتها وسلبياتها...وطرق تطويرها...استوردوا أفكارها وطبقوها بدون مراعاة للخصوصيات الثقافية السائدة لدى الشعب العربي. فخرجت اللبرالية في إلى حيز التطبيق والعملي ممسوخة مشوهة لا تخدم الشعب العربي ولا مصالحه... اللبرالية العربية بقيت متخلفة في التصور والتطبيق، رغم أن تجربة اللبرالية لدى الآخرين كانت موفقة ومقبولة النتائج لدى العديد من الشعوب الأخرى مثل اليابان وفرنسا والمانيا...
هل هذا يعني أن الشعب العربي يرفض الذهب اللبرالي وأنه لم يطق تطبيقه عليه؟
بالتأكيد، فالشعب العربي لم يقبل اللبرالية ويرفض تطبيقها عليه لأسباب بديهية :
- فهو بتطبيقه للبرالية لمدة طويلة ( بحسب الدول العربية السابقة الذكر) عاش ويعيش في غالبيته البؤس والحرمان والظلم والنهب والإستغلال والرشوة انتشار البراريك ( المدن الصفيحية) والجهل والتخلف والمحسوبية والزبونية بل احيانا الدكتاتورية البيروقراطية أوالتيقراطية أو هما معا...
- والأدهى والأمر ان الشعب العربي ومن ضمنه ساسته وقادته، المتخلفون ثقافيا، لم يعيروا للديمقراطية اي اعتبار رغم انها من شروط ومقومات اللبرالية الناجحة...
- لأن الليبرالية لديهم منحصرة ومشلولة في عدة مواضيع بأفكار الشعودة وعالم الجن والعفاريت و"السادات" والزوايا والخزعبلات...
- لأن الشعب العربي لا يعي قيمة الثقافة والتعليم والعلم...
- لأنهم لم يستطيعوا الإنفصال عن الدين حين تحضر السياسة...
هذا، باختصار شديد هو مجمل تجربة إديلوجية اللبرالية لدى الشعب العربي...
فاللبرالية ابانت عن فشلها في تنظيم وتسيير الشعب العربي...
ومن ثم تنبأ آخرون في ظروف ومواقع خاصة بفشلها، واقرحوا نظاما آخر، بديلا، لعله يكون أنجع من اللبرالية في توزيع خيرات البلاد وتجديد طاقاته المهدورة...
فظهر الفكر الماركسي اللينيني اللإشتراكي والشيوعي كبديل للبرالية المحبطة والمحكوم عليها بالفشل...
الإديلوجية الإشتراكية :
لا داعي هنا لصرد تاريخ الإشتراكية وطرق انتشارها بالعالم العربي...بل لا داعي لذكر كل الشخصيات العربية ممن تشبثوا بالإشتراكية كحل بديل ناجع للشعب العربي عوض اللبرالية. لن نصرد هنا أيضا كل القادة العرب الذين تبنوا هذه الإديلوجية...ولا داعي أيضا لذكر كل المفكرين والمنظرين الإشتراكيين بالعالم العربي الذين كانوا ينظرون للبرالية كعدو لمصالح الشعوب ويرون في الإشتراكية خلاص المواطن العربي من كل ظلم واستبداد... فالحديث يطول في كل هذه المواضيع إن اردنا تفصيلها...
وكانت البداية في تبني الإديلوجية الإشتراكية من طرف، انقلابيين أو خلفاء الإستعمار الإشتراكيين، كلهم حماس وحسن نية...
الواقع العربي بثقافته فرض على الساسة العرب والقادة الإنقلابيين وغير الإنقلابيين تطبيق نوع خاص من الإشتراكية...فظهرت الإشتراكية الناصرية ( 1952 ) ثم البومديانية ( 1965) ثم القذافية ( 1969 ) والأسدسة ( 1970) والصدامية ( 1979 )...

فاختار قادة وساسة آخرون في حقب مختلفة ومتقاربة ( بواسطة انقلابات أو ترتيبات دولية) النظام الإشتراكي...وزاد في حماس الإختيار للإديوجية الإشتراكية وجود مأطر حامي ومتشبع بنفس الأفكار الإشتراكية اي الإتحاد السفياتي...
فكان جمال عبد الناصر ثم بومدين ثم القدافي والأسد وصدام وغيرهم من رواد السياسة والفكر اللإشراكي المتحمسين لخلق دول تسود فيها المحبة واقتسام خيرات البلاد بعدل ومساوات، كلهم في برامج اشتراكية متفائلة...
لكن التاريخ بوقائعه وأحداثه المعقدة ستبين للعالم أجمع وللشعب العربي أن " المية تكذب الغطاس" كما يقول المثل المصري. فالناصرية والبومديانية والقذافية والأسدسة والصدامية لكها ستتقوى لتصبح دكتاتوريات...أنظمة عسكرية...
ستصبح كلها ( كغيرها من أمثلة أخرى) آلة بيد موسكو وستفتك بالإسلاميين واللبراليين وتنكل بهم شر تنكيل...فالشعب العربي لم ينسى ولن ينسى مثلا مقتل وإعدام السيد قطب ومحمد البنى وغيرهم...ممن خالف القناعة الإديلوجية الإشتراكية...فغض الشعب العربي الطرف عن هذه المجازر الفكرية قبل التصفيات الجسدية لعله يجد في الإشتراكية مخرجا لتخلفه والفوضى والظلم والإستبداد الذي يعيشه...
القدافي المعتوه خلق اشتراكية قبلية لم يسبق لها تطبيق في عالم فن السياسة والإقتصاد؛ والدكتاتوري النخوة صدام حسين أصبح دكتاتوريا صرفا يحس ويشعر بأنه مقدس ولا شخص من شعبه استطاع أن يرده لأفكاره الإشتراكية الممسوخة؛ وحافظ الأسد أصبح سما دكتاتوريا صرفا لا أحد يستطيع مواجهته؛ والجزائر الحرة المقموعة خاضت تجربة اشتراكية متعفنة لا غربية ولا شرقية ولا شمالية ولا جنوبية...
لكن بعد سنين عديدة من تجربة اللإنقلابيين و"فنتوش" الإستعمار الغربي التقليدي استيقظ الشعب العربي من سباته. فهم المسكين أن القادة الإشتراكيين استنفذ كل طرق تقويمه وإدماجه في الفكر الإشتراكية...فأصبح العالم العربي يرى في الإشتراكيين سوى اناس انتهازيين ومستبدين اكثر من سابقيهم من اللبراليين...
وظلت مخالب الإشتراكية العربية لدى العديد من الدول العربية قابضة على عنق ورقبة جزء من الشعب العربي ولأزيد من أربعة عقود...
سقوط حائط برلين كان نهاية الإديلوجية الإشتراكية ومناظليها ومنظريها وساستها وقياداتها الرسمية...فتاهت الإشتراكية العربية بين الدكتاتورية والخضوع للواقع المجهول الفهم...
ففهم الشعب العربي أن إديلوجية الإشتراكيين لا تناسبه ولا تليق به فنفرها وفعل كل ما في وسعه للتعبير عن رفضه المطلق لها...
الثقافة العربية الإسلامية كانت المقود الذي يهتذي به الشعب العربي...بعبارة أخرى، حمولة الثقافة الدينية التي حشي بها الفكر العربي كانت اقوى من ان تتقبل الإشتراكية كمذهب دخيل وغير مناسب لتوزيع خيراته وإدارة شؤونه...
إذن، فالإشتراكية فشلت هي الأخرى في تقدم وتطوير الشعب العربي...فشلت في محو الظلم والإستبداد وغيرها من المظاهر السلبية رغم طول تجربة الإشتراكيين...
والجدير بالذكر ان الاشتراكيين، كما هو الحال في المغرب مثلا، ظلوا لسنوات خارجين عن افكار اللبراليين القائمين على الحكم، وناظلوا لمدة تفوق 40 سنة. وعانوا أو أغلبهم سنين طويلة بالسجون والنفي لنصرة فكرة الإشتراكية...لكن بعد أن استدرجتهم مخالب اللبرالية وانتصارها عليهم لطفوا أفكاهم الثورية ( بعد سقوط وفشل تجربة غيرهم ، وسقوط حائط برلين، وعودة الإتحاد السفياتي لحضيرة اللبراليين، وعدم وجود حام دولي...) قبلوا اقتسام إدارة المغرب مع اللبراليين. لكن تجربتهم كانت نقطة حاسمة في مسار تاريخ السياسة بالمغرب. فبد وصولهم للسلطة لم يستطيعوا تنفيذ برامجهم التاريخية ولا حتى تطبيق إصلاحات جوهرية...الإشتراكيون بالغرب احبطوا الشعب المغربي الذي كان يرى فيهم البديل السمى.
والمغرب ليس هو البلد الوحيد الذي فشلت فيها التجربة الإديلوجية الإشتراكية بل في عدة دول سبق الحديث عنها اعلاه...
إذن، فالتجربة الإشتراكية هي الأخرى فشلت فشلا دريعا. والشعب العربي لم يقبلها...
وليكون الشعب العربي متناسقا ومتناغما مع ثقافته، تحول غالبيته من لبراليين أو اشتراكيين إلى مجموعة الفكر الإسلامي. فظهرت احزاب سياسية إسلامية هي الأخرى تمني الناس بالعدل والإحسام والعدالة والتنمية...
الإديلوجية الإسلامية:
بدأت الإديلوجية الإسلامية في الإلتحاق بالهرج السياسي السائد منذ التمانينات من القرن الماضي، خاصة بعد الثورة الإيرانية...
بعد هذه الثورة اعتقد إديلوجيوا الإسلام قيام "الدولة الإسلامية" ممكن...تلا الثورة الإيرانية الأحداث السياسية بالجزائر...ثم جاءت الثورات العربية الأخيرة لتوصل الإسلاميين إلى الحكم...كما هو الحال بالمغرب ثم مصر...
أصبح إديلوجيو الإسلام كغيرهم من المفكرين والسياسيين...
بعد ذلك تبين للشعب العربي أن الإسلاميين لن يستطيعوا تغيير الشعب والقضاء على الفساد والإستبداد والظلم الإقتصادي والإجتماعي....
ومن ثم أزيح التصور الإنقاذي ل"لإديلوجية الإسلامية". أي أن حاملي الإديلوجية السياسية الإسلامية أصبحوا كباقي السياسيين من مختلف الإديلوجيات المتواجدة بالدول العربية وغير العربية...نزعت منهم تلك الهالة الإحترامية الخطابية. برامجهم اصطدمت بالواقع فبدت للشعب هزيلة وفقيرة...لا شيء تغير بعد وصولهم للحكم...
النتيجة هي أن الشعب العربي، بتجربته التاريخية في اختيار الإديلوجية الأصلح له، قد استنفذ كل سبل الخروج من التخلف والاستبداد. فاللبرالية ثم الإشتراكية ثم التمسلمية فشلت في إسعاده أو رفع الظلم عليه...
الآن فهم الشعب العربي أن مقولة " موت الإديلوجيات" هي فكرة صحيحة...الساحة السياسية بالعالم العربي أصبحت فارغة...كل الأحزاب استنفدت تجربتها...
بقي أن يطرح كل مواطن عربي السؤال التالي :
بعد هذه التجارب المريرة والمؤلمة والتعسة والمحبطة ( مع فاللبرالية ثم الإشتراكية ثم التمسلمية )، ماذا عسى الشعب العربي أن يكون اختياره في الزمن المقبل؟...
هل الشعب العربي قادر مستقبلا على إنتاج إديلوجية جديدة أم أنه سيستمر في اجترار الإديلوجيات المختلفة ليخلص من تخلفه ؟...

الحايل عبد الفتاح، من المغرب، بتاريخ 01 09 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د