الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة الإبداع الحر فى مصر والعالم

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2012 / 9 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



هل يمكننا تصور أن الشمس لن تطلع غدا؟

وإذا لم تطلع ماذا نفعل؟

يؤمن أغلب الناس بأن الشمس ستشرق غداً وإلى الأبد، لكن

الحقيقة العلمية تقول إن الشمس كائن حى لها عمر مثل الإنسان والحيوان.

أطرح هذا السؤال لحفز العقل على التخيل والإبداع، ونزع غشاوة الطمأنينة عن نفوسنا، وتدريب عقولنا على الشك فى الأشياء التى نظن أنها ثابتة إلى الأبد.

الشك ضرورى للتفكير المبدع، لا إبداع دون حرية الشك، العقل الناقد الشجاع أساس الإبداع فى العلم والفن وأى مجال، الحياة متغيرة، ينقلب الفرح حزناً دون أن نتوقع.

تفاجئنا الأحداث فيصيبنا الفزع، لا نتوقع الكذب أو الخيانة مثلا، نشعر بخيبة الأمل فى الحياة والناس، نتصور أننا خدعنا، والحقيقة أننا لم نخدع، بل كنا جهلاء بتغيرات الحياة والناس، لم نتعلم الشك فيما يبدو ثابتا، أو التنبؤ بما سيأتى غدا، بل العكس نحن نتربى على اليقين الثابت وعدم التنبؤ بالمستقبل. المستقبل هو الغيب، علمه عندالله.

يمنحنا اليقين راحة نفسية مؤقتة وكسلاً عقلياً دائماً، اليقين يجمد العقل عند حقائق ثابتة فى كل مجالات العلم والفن، الشمس ستشرق غدا بغير شك.

هذا اليقين يمنحنا قوة نفسية ندافع بها عن أنفسنا ضد التغيرات، لكن هذا اليقين «سجن» يعتقل عقولنا داخل حدود المألوف القديم.

كل ما لا نتوقعه مفزع، لا نرى الأبعاد المتعددة للحاضر والمستقبل والحياة والناس، ندافع بالروح والدم عن نظرتنا الأحادية ضد الأبعاد الأخرى للحقيقة.

نتصور أننا امتلكناها، فنصبح سجناءها «الحقيقة»، نغرق فى الغرور والجهل وتضخم الذات، مع تزايد التخصص والسلطة والثروة.

ينفصل طبيب الكبد «مثلا» عن الحياة، بسبب التخصص وأحادية الرؤية، يرى الكبد منفصلا عن الأعضاء الأخرى، والجسد منفصلا عن النفس، والفرد منفصلا عن المجتمع، والوطن منفصلا عن العالم، يعجز العلماء والسياسيون والخبراء عن حل المشاكل الكبرى محليا وعالميا، بسبب أحادية الرؤية، والتخصص القائم على الفصل بين الأشياء.

فى الجامعات المبدعة أصبح طلبة الطب يدرسون الموسيقى والأدب والفلسفة والسياسة، مع التشريح وعلم النفس والبيولوجيا.ويدرس طلبة الفنون علوم التشريح والفيزياء والكيمياء إلى جانب الأدب والفن والموسيقى.

لا يفصل الإنسان الطبيعى بين نصفه الأعلى ونصفه الأسفل، أو بين جسده ونفسه وروحه وعقله وعمله ومشاعره.

هذا الفصل التعسفى مفروض بالتعليم والفكر السائد فى بلادنا والعالم. نعيش فى عالم واحد، مشدود أكثر نحو القهر السياسى الدينى، قائم على العنف والتفرقة بين البشر على أساس الجنس والجنسية والطبقة والدين والعرق وغيرها، يرسخ نظامه التعليمى هذه التفرقة فى العقول والنفوس، يلعب الفكر الأحادى دورا فى التجهيل وتجزئة المعرفة، يفرض الطاعة والتقليد واليقين بدلا من الإبداع والتمرد وحرية الشك.

تقوم الحياة الواقعية على الشك والاحتمالات المتعددة والاختيارات المتنوعة.

يرتكز الفكر الإبداعى على النقد والحدس والتخيل والتنبؤ. نفاجأ كل يوم بغير المتوقع، نجرب كل يوم أشياء جديدة، نكتسب عبر التجارب آفاقا أوسع فى السلوك والتفكير.

تحتاج بلادنا لحركة جديدة للإبداع الحر، تربط بين العلم والفن والفرد والمجتمع والوطن والعالم.

لم يعد هناك فاصل بين المحلى والعالمى، بدأنا ثورة مصرية انتقلت إلى الغرب والشرق، فلماذا لا نبادر بحركة إبداعية جديدة فى مصر والعالم، تواكب الثورات السياسية، التى عجزت عن تغيير الفكر القديم، أو بناء فكر جديد قائم على الحرية والعدالة والكرامة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حياتنا مرتبطة بعضها ببعض
فؤاده العراقيه ( 2012 / 9 / 2 - 16:37 )
ما تقوليه ايتها العظيمة هي حكم حياتية رائعة نحتاج ان نضعها امام اعيننا الى ان ندركها تمام الأدراك
نعم لا نستطيع ان نفصل اي شيء عن اي شيء لكننا نسير على اساس الثوابت ولهذا تأخرت مجتمعاتنا لأنها متيقنة من افكارها وذلك برجوعها الى الكتب السماوية التي هي اسهل الطرق لراحتها واستقرارها المزيفين
لا نعلم الجديد ولا نرغب فيه فجمدت العقول او اصابها الخمول فأحتاجت الى ثورة ثقافية تجتث القديم المهترأ
الـــف تحية لكتاباتكِ

اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت