الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توتال الشريك النائم

حمزة الجواهري

2012 / 9 / 2
الادارة و الاقتصاد


كان موقف الفرنسيين من العقود العراقية وسياسة العراق النفطية سلبيا للغاية، وكأنهم يراهنون على إمكانية تراجع العراقيين عن ثوابتهم الوطنية كنتيجة للوهن الذي اصاب الدولة العراقية بعد الحروب المتوالية للنظام السابق وما استمر منها بعد سقوط النظام من تداعيات مازلنا نعاني منها، حيث مازال البعض من العراقيين يشجعهم على ذلك، بل ويعمل بكل همة ونشاط من أجل التفريط بكل الثوابت الوطنية، وأهمها مسألة التمسك بملكية الثروات الطبيعية والسيادة الوطنية.
ليس من قبيل الصدفة، ولا تفسيرنا يأتي من باب نظرية المؤامرة، أن تتجه خطى الشركات التابعة للدول العظمى كأمريكا وفرنسا وحتى روسيا نحو كوردستان، ضنا منها أن لهذه الدول تأثيرا على الدولة العراقية المنهكة والواهنة بسبب تهديم العراق بناءا ونظاما وبسبب ما يعرف بالعملية السياسية، تلك العملية المريضة التي يفترض أن تكون قد أنهت حالة الوهن في أوصال الدولة، لذا نجد أنه في الوقت الذي تنسحب الهند ودولا اخرى من نفط كوردستان، تدخل بدلا منها الشركات التابعة لرموز النظام الاستعماري القديم.
بعد انتهاء جولة التراخيص الأولى، وفي مؤتمر صحفي له في امريكا، كان المدير التنفيذي لشركة توتال أول من هاجم هذه العقود معتبرا انها مجحفة بحق الشركات، ولم يغير الرجل من موقفه لحد الآن، حيث لم يعد سرا أن شركة توتال كانت منذ زمن قد دخلت في مفاوضات مع إدارة إقليم كوردستان لتوقيع عقود استكشاف وتطوير للنفط والغاز وفق عقود كوردستان التي تفرط بالثروة الوطنية أيما تفريط.
وأخيرا وقعت عقودها بالرغم من تحذيرات وزارة النفط والحكومة العراقية، وبهذا ستكون هي الخاسر الأكبر فيما لو أقدمت الحكومة الاتحادية على ارغامها بيع حصتها بدلا من الدخول في محاكم بعد تجميد حصتها كشريك نائم في حقل حلفاية، بهذا الإجراء الرادع لكل من يتجاهل ويتجاوز على حقوق الشعب العراقي ويستهين بالسيادة الوطنية، بهذا الاجراء تكون الحكومة الاتحادية قد قالت وفعلت، وأثبتت أنها ليست ذلك الكيان المريض الذي لا يملك من أمره شيئا، وليت الحضر يكون شاملا على توتال وسواها سواءا في الصناعة الاستخراجية أو تصنيع النفط والغاز، بهذا الإجراء ستكون الرسالة بليغة إلى فرنسا والغرب عموما، لتكون خسارة هذه الشركات عبرة لكل من اعتبر.
توتال تحديدا، وبعد تلك التصريحات المتشنجة ضد عقود الخدمة في جولة التراخيص الأولى، عادوا من جديد للعراق وتنافسوا مع الآخرين في جولة التراخيص الثانية، كل الدلائل تشير إلى أن الحكومة الفرنسية هي التي دفعتهم، السبب هو حاجة العالم إلى المخزونات العراقية الهائلة من النفط والتي مازالت تحت الأرض، والتي سوف تساهم باستقرار أسواق النفط عالميا وكبح جماع أسعار النفط التي كادت أن تتسبب بانهيار اقتصادي مريع، لأن فرنسا تقف اليوم على تخوم الانهيار الاقتصادي كما هو معروف، لذا فإن عودتهم كانت رضوخا للأمر الواقع، وتجاوبا مع توفير سبل الاستقرار الاقتصادي العالمي، وهذا ما تحدثنا عنه سابقا في أكثر من دراسة.
حين عادوا للمشاركة في جولة التراخيص الثانية وحصلوا على عقد ضمن إئتلاف يضم ثلاث شركات، حرصوا أن يكون دورهم ثانويا، فقد كانت حصة توتال بحدود الربع، وليس لها دور في عمليات التطوير أو الإنتاج فيما بعد، فهي تساهم برأس المال فقط، بحيث تسمى بالشريك النائم Sleeping-Partner، أي الشريك الغير فاعل.
هذه المساهمة المتواضعة تعني أن توتال مازالت تعتقد أن من حقها الحصول على عقود افضل من هذه، عقود كتلك التي كانت تحصل عليها خلال القرن الماضي في مستعمراتها، لذا فقد اقتصرت المساهة على التمويل فقط لكي لا تمنح العراق فرصة الحصول على خبراتها الواسعة في الصناعة النفطية.
في الواقع إن العراق لا يعطي أهمية كبيرة للشريك النائم بهذه العقود، لأن الهدف النهائي من عقود الخدمة هو ما سيحققه الشريك الفاعل، وهو ذلك الشريك الذي يقود ائتلافه، ويقوم بإدارة تطوير الحقول العراقية، كون العقود تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية وهي، اولا توقير رؤوس الأموال المطلوبة للتطوير، وثانيا الارتقاء بمستوى تطور الكوادر النفطية العراقية، وثالثا نقل قيم وأنظمة العمل الراقية والمتعارف عليها في الصناعة النفطية حاليا، ورابعا نقل التكنولوجيا الحديثة.
وهكذا نرى بوضوح انه حين وافقت توتال المشاركة، كانت مشاركتها سلبية جدا، حيث أنها شاركت بتطوير حقل واحد من الحقول الخضراء فقط، وهو حقل حلفاية في محافظة ميسان، والذي لا تزيد مجموع استثماراته على خمسة مليارات دولار، وكان دخولها مقتصرا على توفير رؤوس الأموال فقط، لأن الذي سيقوم بعمليات التطوير وإدارتها ومن ثم إدارة العمليات الإنتاجية هو الشركة الوطنية الصينية بتروجاينا، الشريك الأكبر مع توتال وبتروناس الماليزية.
نؤكد هنا أن توتال فضلت اختيار موقع الشريك النائم وليس العامل او المشغل الحقيقي للمشروع لذات الأسباب التي دفعتها للهجوم على العقود العراقية واعتبرتها مجحفة، ونفس السباب التي دفعتها للتوحه صوب الشمال مؤخرا، تلكل السباب التي تمثلت برفضها المطلف مسألة نقل الخبرة في الإدارة ورفضها نقل قيم العمل الحديثة والتكنولوجيا الأحدث مقابل ارباح تعتبرها بسيطة، لكنها نزولا عند رغبة دولتها دخلت المنافسة في جولة التراخيص الثانية، لذا فضلت أن تكون شريكا للصينيين والماليزيين الذين مازال الغرب يعتبرهم متخلفين نسبة للغرب، وبالتالي سوف لن يستفاد العراق من الرقي الأوربي.
يبدو أن توتال تعتقد أنها بهذا التصور ستحافظ على أوراق التفوق الغربي على الشرق عموما، ونسيت أن العالم يتطور خارج وعي وإرادة الإنسان أو الشركات أو الدول، وهذا هو قانون التطور المادي لكل شيء.
أثبتت سلبيتها من قبل أن تذهب نحو كوردستان، ليس طمعا فقط بما تقدمه العقود الغير مشروعة هناك من عوائد مالية عالية جدا، وإنما من أجل اصابة الوليد العراقي الكبير بالشلل، ذلك الوليد المتمثل بعقود الخدمة التي اعتبرها العالم نهاية السيطرة المطلقة على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها.
لكن الأداء الصيني، ورغم الملاحظات التي لدينا عليه، لكنهم أثبتوا أنهم جادون بتطوير الحقول وتوظيف أفضل ما لديهم من خبرة بالإدارة الحديثة ونقل التكنولوجيا، وإن كانت ليست الأحدث لكنها تعتبر متطورة وكافية جدا لتطوير حقل حلفاية وغيره من الحقول العراقية التي قاد الصينيون أو شارك في تشكيل إئتلافاتها بقوة.
لابد لنا من الإشارة إلى شركة أخرى مارقة، وهي غازبروم الروسية التي ذهبت مؤخرا واشترت حصة15% لتدخل كطرف ثالث بشراكة مع ويسترن زاكروس التي تعمل على استكشاف وتطوير حقل كارميان، فغازبروم لديها حصة في تطوير حقل بدرة إلى جانب ثلاثة شركات أخرى، ولابد من توجيه انذار قوي لهذه الشركة.
في الحقيقة إن ما يجب توفيره من الأموال في المرحلة الأولى من تطوير حقل حلفاية لحين بلوغ نسبة ال10% من الإنتاج النهائي المرسوم للحقل لم يزيد على ملياري دولار، حيث أن مجموع التوظيفات في هذه المرحلة لا تزيد على ثلث الاستثمار الكلي والذي يقدر ب5 مليارات أو يزيد قليلا، أي أن حجم المال الذي ساهمت به توتال كان بحدود500 مليون دولار.
وفي الواقع بدأت توتال وحلفائها فعلا باسترجاع الأموال التي صرفتها بعد بلوغ إنتاج حقل حلفاية60 ألف برميل يوميا في منتصف هذا العام، وهو ما يمثل نسبة12% من نقطة الشروع، وقد تحقق ذلك بعد حوال سنة ونصف من بدء العمليات التطوير تقريبا، وستسترجع الشركات الأموال التي صرفت اضافة الى أرباح البنوك لمدة الاقتراض مضافا لها أيضا اجور الإنتاج وفق العقد عن كل برميل. وبعملية حسابية بسيطة نرى في النتيجة أن الشركات ستسترجع الأموال بالكامل خلال15 شهرا تقريبا، أو أقل فيما اذا تحققت زيادات معتبرة بالإنتاج كنتيجة لحفر آبار ذات إنتاجية عالية.
هذه الأموال ليست كبيرة وباستطاعة العراق توفيرها بدلا من توتال كأن تشتري شركة نفط ميسان حصة توتال وتكون مساهم لشركة النفط الصينية بتروجاينة، بحيث تملك الشركة نسبة تصل الى44% بعد اضافة الربع الذي تملكه اصلا، لكن تمثيلها في لجان الشركة سيزداد، بحيث يكون نسبة العراقيين في اللجنتين الأساسيتان الFOD والJMC ثمانية الى3 فيما لو كان عدد اعضاء كل لجنة11 شخصا.
في الحقيقة بعد بلوغ الإنتاج هذا المستوى، تكون الاستثمارات في السمتقبل أقل بكثير يمكن استرجاعها بوقت قصير للغاية، شهرين أو ثلاثة، وهذا يعتمد على حجم الاستثمار المضاف والطاقة الإنتاجية التي هي بازدياد مضطردة، لذا فإن الأعباء المالية التي تترتب على شركة نفط ميسان ستكون محدودة ويمكن اقتراضها من البنوك المحلية، وسوف يتم تسديدها خلال فترة قصيرة جدا.
وكما أسلفنا إن ما قدمه الصينيون لحد الآن يعتبر مقبول من النواحي الفنية ويمكن أن يكون الأداء أفضل فيما لو تمكنت شركة نفط ميسان من توظيف بضعة كوادر قيادية في الشركة على اساس العقود المؤقتة، وتكون على مستوى عالمي مرموق لتحسين اداء الشركة الصينية ايضا، بهذا نكون قد حققنا الهدف الأسمى من عقد حلفاية بعد خروج توتال التي كانت تعتبر الآن العائق الرئيسي لتحسين الإدارة والأداء، كونها قضلت االجلوس في موقع الشريك النائم والسلبي بذات الوقت.
بهذه الوسيلة ايضا تستطيع شركة ميسان من زيادة رأسمالها من خلال تراكم المال كنتيجة للأرباح المتحققة من الحصة التي اشترتها، بحيث تستطيع في المرحلة القادمة من الدخول بشراكة مع اي شركة عالمية مرموقة لتطوير باقي حقول ميسان أو أي حقل آخر في العراق.
وقد لا أكون على خطأ لو قلت أن الشركات الوطنية كلها تستطيع في هذه المرحلة شراء حصة الشريك النائم فيما اذا فضل الخروج وبيع حصته في الإئتلاف الذي انخرط به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ديلي ميل: أميركا تمول مختبراً صينياً لإنتاج سلالات قاتلة من


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - بايدن يعلن إنتاج الولايات المتحدة




.. قبل المغرب والجزائر.. مصر تحتل المرتبة الا?ولى اإفريقيًا بقا


.. ميتا- تعلق -ثريدز- في تركيا بعد قرار من هيئة المنافسة التركي




.. إنتاج مصر من القمح يكفي لسد 50 % من احتياجاته السنوية | #مرا