الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان ( مفاهيم خاطئة ) بقلم : نهاد عبد الستار رشيد

نهاد عبد الستار رشيد

2012 / 9 / 2
الادب والفن


قبل أن يوشك النهار على الأنتصاف , وصل رمزي الى منطقة العلاوي في بغداد ، قادما من المطار ، وما أن هبط من السيارة حتى سارع في الوقوف على الرصيف ، واضعا حقيبة السفر بين ساقيه . تلفت يمينا وشمالا للتأكد من عدم وجود من يتعقبه .
لم تمض بعد خمس دقائق من وقوفه حتى شرع يلوح بيده لسيارات الأجرة لنقله الى بيته . بعد أن رفض ثلاث سيارات لآرتفاع اجور النقل ، وافق على السيارة الرابعة . حمل حقيبته ، بعناية ، لأدخالها الى السيارة ، فأمسك به رجلان من الأنضباط العسكري ، وطلبا منه أن يرافقهما الى مديرية الشرطة . هدّه الحزن حتى لم يعد يقوى على الوقوف . انقبض قلبه انقباضا شديدا ، لكنه لم يجد في نفسه الجرأة على الهروب أو مقاومتهما ، وأكتفى بالتساؤل عن السبب قائلا :
- وما هي تهمتي التي ارتكبتها ؟ - " هناك سيتم تبليغك . نحن ننفذ الأوامر فحسب " . أجاب أحدهما . أقتاداه الى السيارة العسكرية . ما أن جلس ومسك حقيبته بحذر ، حتى راح يجيل الطرف في وجوه الشباب الجالسين ، فاعتراه خوف شديد . سأل أحد الشباب الجالسين الى جانبه قائلا بتردد : - ما التهمة الموجهة اليك ؟ فأجاب الشاب بايجاز قائلا : - لا أعلم . لم تدر بين الشباب الجالسين ، في الواقع ، أبة أحاديث . فاعتصم رمزي بالصمت ، وكان قلقه يتزايد ، وراح يطلق الحسرات اليائسة ، اذ كانت الصدمة أعنف من أن تطاق. انطلقت السيارة ، واخذت طريقها باتجاه جانب الرصافة عبر جسر الشهداء . كان الأهتياج البالغ قد استبد به ، الا انه قد وطن العزم على الأصطبار . بعد أن دخلت السيارة في مديرية الشرطة ، توقفت في الساحة . ترجل رمزي من السيارة حاملا حقيبته بحذر وتحول بعينيه الى حشد الشباب المتجمع ، ووقف الى جانبهم . كان الجميع يلتزم الصمت في تلك الأثناء ، وكان رمزي أشد بؤسا وأعظم يأسا من أيما وقت مضى ، ووجد نفسه يرزح تحت عبء من المتاعب ثقيل . أخذ قلبه يخفق خفقانا شديدا ، لكنه قال فيما بينه وبين نفسه : " يجب أن لا تسلم أمرك لليأس . " ... وبينما هو مستغرق في هذه الأفكار ، قدم من الباب نصف المفتوح ضابط . شرع يقلب عينيه في وجوه الوجبة الجديدة من الشباب ، فمسك أحدهم بعنف وقال مستهزئا : - لم يبق لك سوى ان تضع أقراطأ ! ... لماذا تطيل شعر رأسك ؟ ثم اندفع يعنفه تعنيفا مفاجئا وسلمه الى الشرطي الحلاق ليحلق كل شعره ، فشرع الآخرون يتهامسون في سخرية ، بينما قال رمزي فيما بينه وبين نفسه : " يبدو أن الموضوع لا يتعلق بالذهب الأيطالي الذي جمعته في صبر العنكبوت يوما بعد آخر ، والذي خبأته في مكان سري في حقيبتي ، و لم تلحظه حتى شرطة الجمارك في المطار .
واصل الضابط تجواله بين الواقفين ، ثم صاح قائلا وهو يشير الى جهة رمزي :
أنت !
التفت رمزي فيما حوله ، فصاح به الضابط مرة اخرى :
أنت ، صاحب الحقيبة ! لماذا تطيل شعر رأسك ؟
فأجاب رمزي مندهشا :
- أنا اطيل شعر رأسي ؟ !
فقال الضابط بلهجة استهزاء ، مفصحا عن امارات نفاد الصبر :
- ومن سواك اذن ؟ هل أنا قمت بذلك ؟
احس رمزي بالظلم والمهانة فأجاب موضحا ، وحذرا من أن كلمة واحدة منه تندّ طائشة من بين شفتيه قد تسبب حجزه عدة ايام :
- سيدي ، أنا لم أتدخل بأي شكل من الأشكال في اطالة شعري . شعر رأسي ينمو ويطول بطبيعته !
تفرس الضابط في وجه رمزي متفحصا ، وأخذت منه الدهشة كل مأخذ ، وما لبث أن قال وقد أفتر ثغره عن ابتسامة مضطربة وفي شيء من الخجل :
- صحيح ! وكيف اعاقبك على ذنب لم تقترفه ؟ !
أنزلت هذه الكلمات في نفس رمزي ارتياحا كبيرا واخذ حزنه يفقد حدته رويدا رويدا . اذ ان الضابط ، على ما يبدو ، ليس نزاعا للعنف ، وقد وجد في كلمات رمزي حرارة الصدق ، فأمر باطلاق سراحه فورا .

نهاد عبد الستار رشيد
بغداد / العراق 1974








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح