الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة السورية..افتقار الموقف الرسمي العراقي لقراءة المتغيرات

كامل الدلفي

2012 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تحافظ دول المحيط السوري قدر ما تشاء على وحدة القرار الداخلي تجاه مسار الاحداث في الازمة السورية وتحرص جاهدة على صناعة حائط صد يمنع انتقال العوامل التأثيرية من ساحة الاحداث السورية الى داخلها، اي انها تعمل على توفير عوامل الوقاية من المد السياسي والفكري والهوياتي من ناحية و من ناحية اخرى فانها تشتغل على انتاج خطاب اعلامي مناصر ومؤيد للمعارضة السورية و لمطاليبها المرفوعة في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وتعرية النظام السوري وتهويل الاحداث والممارسات قدر المستطاع ووصف هذا النظام بالإجرام والطائفية والمروق والاختلاف مما يعمل على امتصاص مشاعر واحلام شعوبها بالحرية وتوجيه حماسها باتجاه قضية الشعب السوري كنقطة خارجية لتفريغ التوتر مما يرفع كثيرا من درجات الامان ويخفف من احتمالات وصول موجة الربيع العربي الى هذه البلدان. ذلك ما يحدث في المملكة العربية السعودية والاردن ولبنان، اما في العراق فان الامر يختلف تماما في طريقة التعاطي الرسمي والشعبي مع المسألة السورية ،اذ اشتغلت الدولة العراقية بطريقة المجازفة التامة اي بجميع اوراق اللعب مرة واحدة ، دون ان تأخذ بنظر الاعتبار عملية استخدام تحوطات الامان في العمل السياسي ، مما جعل انتقال التأثيرات السورية الى الوسط العراقي دون حواجز بل سهل وسريع سياسيا واجتماعيا وثقافيا واعلاميا، الامر الذي ضاعف من اختناق المناخ السياسي مرات على ما كان فيه من ازمات ومشاكل واختلافات. الامثال حكمة الشعوب البديهية التي لم تنطقها جزافا فالمثل المعروف "مصائب قوم عند قوم فوائد" قد اشتغل في مصيبة السوريين ولو ان العراق قد استثمر الازمة السورية بعقل سياسي ناضج لاستطاع ان يتخطى ازمته الداخلية باقتدار، ولأصبح من دون منافس محطة الحل النهائي للازمة السورية ولسحب البساط من تحت اقدام المشروع القطري –السعودي- التركي الرامي الى تغيير سوريا وفق حسابات واجندات خاصة والى فرض المزيد من العزلة على العراق. ان وقوف العراق بحيادية وحرص من اطراف النزاع السوري كان سيمنحه ثقة الطرفين المتنازعين و ترشيحه كحكم عدل في البت بينهما ،لأنه كان لائقا لهذا الدور التاريخي بوصفه رئيسا لدورة الجامعة العربية الحالية واكثر البلدان العربية ارتباطا بسوريا دولة وشعبا ، كاد العراق يجني ثمار منزلته التاريخية لولا ضيق الافق السياسي المحتدم لدى الطبقة السياسية المهيمنة في الميدان السياسي.. كان حجر يأتي بعصفورين اولهما فك العزلة عربيا عن العراق وثانيهما كسب الوحدة الداخلية...لكن..!
من نافل القول ان الازمة السورية ليست ازمة ذات دوافع سياسية صرفة انما هي في الاغلب عبارة عن نزال هوياتي دفعت به الى الاشتعال ثقافة النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الاميركية التي عملت على صياغة مواقع القوى في العالم بشكل مغاير لما كانت عليه خريطة القوى في القرن العشرين املا منها في الخروج بخرائط جديدة للعالم خاصة لمنطقة الشرق الاوسط وبطريقة ملائمة لطموح اميركا في بسط نفوذها وسيطرتها المطلقين على المعمورة في امد لا يتجاوز بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين.
فما الذي جعل العراق على موقف رسمي متجزأ من هذا الموضوع ويختلف عن بقية الدول صاحبة المواقف الموحدة سياسيا واجتماعيا من الازمة السورية ؟.
تجدر الاشارة الى ان هذه الدول (تركيا-السعودية-الاردن) ومن ثم ايران وقطر وروسيا دول تمتاز بقوة سلطتها المركزية وبجبروتها الامني وغياب التعددية السياسية فيها وان مقرراتها ومواقفها السياسية تنحصر بسلطة رمزية عليا ضاغطة ومؤثرة في اوساط رأيها العام الى درجة تعميم قناعة تفيد بان مخالفة اي امر من اوامرها يعد خيانة عظمى.. بينما العراق فقد هذه الخاصية وآلت مركزيته الى ذكرى سياسية سيئة دون ان يحل محلها بديل سياسي ديمقراطي او غيره يمتاز بالقوة والتوازن تقف معه الجماهير ويقف معها بمسافة واحدة وتراه ممثلا اراديا لهويتها الجمعية.. ذلك ان فعالية البرامج الخارجية في التشتيت والتذويت اخذت من العراق مأخذا ليس سهلا ونالت الهوية العراقية حظا وافرا من الانكسار والتجزئة وتمزقت بعض الاماكن في اطارها الجامع المانع الذي عمل لمدة طويلة كقشرة صلدة محيطة بالسايكلوجيا الجمعية تقيها من الصدمات الهوياتية وهجوم التمزيقات الفرعية التي اورثت الشخصية ذاتا مهشمة تنطوي على خراب داخلي مؤطر بالانفعال والاستفزاز والاستنفار.. العراقيون الجدد باتوا يختلفون في الالوان والالحان وطريقة قراءة القرآن والدعاء وفي من يحمل شارة المنتخب العراقي لكرة القدم او من ينفذ ضربة الجزاء وفي عدد المبتعثين الى دورة الطيران في اميركا وفي مواضيع شتى تبدأ بالأزياء ولا تنتهي بالسياسة.. الصورة الجديدة لنا اصبح فيها الاختلاف قاعدة والائتلاف استثناء. فكيف لا يكون الاختلاف حاضرا في شأن مهم ويخص النظام الرسمي العربي كالمسألة السورية ، قد يكون النظام العربي الرسمي اكثر سكان الارض تطيرا من احداث العراق السياسية فقد اخذ التغيير العراقي في 2003 من هذا النظام التقليدي الرث رمانة قبانه وعصاه المسلطة على المختلفين معه وبقرته الحلوب التي كان اعضائه يشفطون من ضرعها ذهبا احمرا ومنعوا لاحقا وذلك هو سر العداء وموجة البغض السوداء ضد العراق الجديد وقد مثل نظام البعث السوري رأس حربة لطعن قلب التجربة العراقية الغضة، غير ان نظام العولمة الاميركية لم يعف موجته العالية (الربيع العربي ) من التحلي بخصائصه الثابتة المبنية على تشتيت الهوية الوطنية وابراز هوية المكونات الفرعية فعزل النظام السوري على اساس مكونه الطائفي ( العلوي) المختلف مع المحيط السني . ان شيفرة البرنامج الاميركي تعتمد الصراع الطائفي " السني- الشيعي" محركا فاعلا في مساحة الشرق الاوسط بدلا عن محور الصراع العربي –الاسرائيلي الذي شغل الساحة السياسية من 1948 -2003م وقد جندت كل من قطر والسعودية كلاعبين اساسيين في هذا البرنامج الدولي والتحق بقية اعضاء الجامعة العربية واعضاء منظمة المؤتمر الاسلامي كتابعين وانصاف تابعين....وكان هذا هو البرنامج الاول الذي يعمل في مساحة الشرق الاوسط اما البرنامج الثاني فهو البرنامج التركي والبرنامج الثالث هو البرنامج الايراني..توحدت هذه البرامج من القضية السورية بنظرتها الاحتوائية وفي عنونة سوريا بهوية طائفية بحسب ما يؤدي الى خدمة مصالحها وتحقيق اهدافها، فأيران ترغب في سوريا حليفا استراتيجيا في محور المواجهة ضد اميركا واسرائيل ومحطة متقدمة في قلب المحيط الاسلامي الاخر "السني" ، فسوريا ساتر ترابي للجمهورية الاسلامية ضمن محور يصطبغ بلون الولاية الاخضر ممثلا بإيران والعراق وسوريا وحزب الله، اما تركيا فيحلم برنامجها بعودة الابن الضال سوريا التائهة من محيطها السني وضرورة العودة اليه وذلك لن يجري من دون استئصال الورم العلوي (في نظرة العثمانية الجديدة).اما الامريكان فان نظرتهم تمتاز بالازدواجية والتركيب فسوريا الحالية يجب ان تزال لانها ذراع ايراني يشكل احد طرفي الكماشة الايرانية طرفها الثاني حزب الله اللبناني الملتفين على عنق اسرائيل هذا من جانب اما من جانب آخر فان سوريا بلد يخضع لمقاسات برنامج العولمة فهو يتألف من مكونات متمايزة مستعدة للنزاع والتحارب والاعتزال عن بعضها بعضا في مدارات جغرافية مستقلة فلا ينتهي الصراع الحالي الا وسوريا مجموعة دويلات كما اراد المشروع الاميركي الام وبالحقيقة ان القطيعة الواقعية اخذت طريقها على الارض فالحسكا قد خضعت للسيطرة الكردية والوسط والشرق السوري خضع للسلفيين والقاعدة، اما الشمال فهو للسيطرة العلوية ، بقي الدروز والمسيحيون وطوائف اخرى قد تطالب بالحكم الذاتي وسواه.
ازاء هذه التضاريس المعقدة في خريطة الاحداث خرج الموقف العراقي مليء بالتناشز والاختلاف يحكمه التأثير الخارجي في فرقاء الطبقة السياسية. لكن مبعث التناقض الاساس في الموقف الرسمي العراقي هو تحالف العراق الاستراتيجي مع طرفين متناقضين في كل شيء ناهيك عن المسألة السورية هما اميركا وإيران ، وكل يفرض رأيه وارادته على الحكومة العراقية ذلك بالضبط مصدر الحيرة والضياع في الموقف الرسمي العراقي من سوريا.
سمعت شخصيا من شخصية سياسية عراقية مرموقة قوله :( حدثت مسؤولا اميركيا رفيع المستوى عن القضية السورية وطلبت منه ضرورة ان تدفع اميركا باتجاه ان يقوم العراق بدور ايجابي في حل الازمة السورية...يقول: فأجابني المسؤول الاميركي وكيف يكون ذلك ولا توجد سياسة وطنية عراقية موحدة تجاه القضية السورية فهناك ثلاث سياسات واحدة سياسة رئيس الوزراء وثانية سياسة وزير الخارجية وثالثة سياسة الناطق الرسمي للحكومة)..
نرى ان تذبذب الموقف الرسمي العراقي لا يؤهل العراق الى ان يلعب دورا ايجابيا في حل هذه المشكلة بل يضاعف من عزلته عن الوسط العربي وافتراقه معه وزيادة في احتمالات المواجهة مع القوى الجديدة الصاعدة في سوريا.. ان موقف التباين الرسمي العراقي لا يستند الى فكر استراتيجي لذلك لم تستطع المواقف المتباينة ان تتناول القضية من زاوية المصلحة الوطنية والشعور بالمسؤولية ، بل ارتكنت الى السطحية ومفارقة التعمق في قراءة الحدث و اضرت تلك القراءة المعتمدة على رأي الحلفاء كثيرا بمستقبلنا الوطني.. فقد رأت الطبقة السياسية بعيون تحالفية ما يدور على ارض سوريا واتخذت هذا الموقف او ذاك ولم تمر نظرتها عبر الرؤية الوطنية العراقية .فالمبررات التي اعتمدتها في التقدير تظل قاصرة عن بلوغ المدى الحقيقي ،الامر الذي يؤسف له غاية الاسف ..اذ لم ترتق العقول السياسية في العراق الى مستوى المعاصرة والحداثة السياسية، فامتازت بنظرتها الطائفية او العرقية القاصرة عن المستوى الوطني فضلا عن انها خضعت الى رؤى ميتافيزيقية لاتمت الى الواقعية السياسية بشيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارب استراتيجي مع الزعيم كيم جونغ أون يقلق أكثر من بلد


.. أخبار الحملة الانتخابية: التجمع الوطني يقترح إلغاء -حق الأرض




.. مظاهرات في القدس تطالب باستقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتن


.. بوتين يتوجه إلى كوريا الشمالية في زيارة نادرة هي الأولى منذ




.. مقتل 11 مهاجرا وفقدان العشرات بعد غرق قاربين قبالة السواحل ا