الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يفعلها اليسار المصري هذه المرة ؟!

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 9 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


للحديث شجون.. حاول اليسار المصري كثيرًا وطويلاً أن يصبح رقمًا فاعلاً في معادلات الحياة السياسية المصرية.. ولكنه تعرض دومًا لحملات التشويه والسجن والمنافي الاضطرارية.. غير أن أخطر أوجاع النفي كانت التغريب عن الشعب وعن الطبقات التي يطمح اليسار إلى تمثيلها.

وبالطبع هناك أسباب كثيرة لعزلة اليسار عن جماهيره، مثل نقص الإمكانيات المادية والإعلامية، ومثل روح التبعية والاستسلام لنصوص تتعلق بتجارب وخبرات شعوب وحركات ومفكري بلدان أخرى، وبالأحرى عدم القدرة على "توطين" الفكر الاشتراكي وصياغة نظرية للثورة المصرية تعتمد المنهج العلمي وتنطلق من استقراء الواقع الاجتماعي والسياسي المباشر وتخاطب الشعب بلغته.

ومن المنطقي أن تختلف اجتهادات اليساريين، لكن لم يكن من المنطقي بالمرة ذلك الانقسام غير الموضوعي، والاصطناع الذاتي لخلافات سياسية، ونظرية النمو الذاتي سيئة الصيت حيث رغب كل فصيل في أن يأتي الآخرون إليه "كأسرى حرب" ومسلمين مسبقًا بمنطلقاته واجتهاداته هو.. بل ليس من المستبعد أن تكون الأجهزة البوليسية والاستخبارات الاستعمارية قد لعبت لعبتها لتقسيم اليسار وتفتيته.. فمع كل خلاف تكتيكي يحدث تراشق مهلك بالاتهامات، ومع كل شجار نظري أو تنظيمي يكون انقسام..

والأمر المثير للريبة والضجر أنه كلما كانت أسهم اليسار تتصاعد شعبيًا كلما افتعلت الخلافات وتم تضخيمها على قدم وساق.. وبطبيعة الحال لا يدعو كاتب المقال إلى تعبئة اليسار المصري كله دون تمييز في إطار واحد لا ثاني لهل أو التغطية بأي شكل كان على الاختلافات أو التوصل إلى صياغات توفيقية تلفيقية بين المواقف المختلفة، ولكنه يسلم بأن تعددية اليسار قد تكون حتمية شرط أن تكون الخلافات موضوعية (أي متخلصة من الجوانب الذاتية) وألا يكون انقسام إلا على أساس اختلافات استراتيجية كبرى لأنه من البديهي أن تتم تصفية الخلافات التكتيكية في إطار التنظيم الواحد على أسس ديمقراطية..

أي أنه من المنطقي أن نكون إزاء عدد محدود من التنظيمات اليسارية الكبيرة، وأن يكون بين هذه التنظيمات نفسها أطر تحالفية مرنة.. فليس من المنطقي مثلاً ألا يجد يساري غضاضة في التعاون مع الإخوان في الوقت الذي يدير ظهره لمن لديهم منطلق نظري واستراتيجي وربما عملي مشابه.. وليس من المنطقي أن تكون مقبلاً على تحالفات مع قوى ليبرالية (اقتصاديًا) ولا يكون لك اتصال- مجرد اتصال- برفاق اختاروا طريقًا آخر..

بديهيات؟ نعم.. هي بديهيات.. ولكن من قال إن الواقع يستجيب دائما للبديهيات..

كانت لنا محاولات عدة قبل الثورة لتوحيد اليسار المصري في صورة ملتقى اليسار واتحاد اليسار والتحالف الاشتراكي والمؤتمر الأول لليسار المصري.. غير أن النجاح لم يحالفها جميعًا لأسباب لا مجال هنا لذكرها أو بالأحرى تكرارها..

ثم جاءت ثورة 25 يناير لنكتشف أننا جميعًا في شارع وميدان واحد، ولنكتشف أن أفواجًا وأفواجًا جديدة تدخل إلى مجال التفكير والممارسة اليساريين إلا أن هناك غربة لا تزال بيننا.. كنا كثيرين ولكن متناثرين.. وبالطبع شاهدنا جميعًا كيف تجري سرقة الثورة دون أن نمتلك القدرة على إيقاف عملية السطو.. ربما لأن كلاً منا تصور أن القيادة آتية إليه لا محالة بسبب ما يملكه من وعي وكوادر وخط سياسي "سليم".. وربما لأن البعض شعر بأنه أضعف من أن يقود فلجأ إلى ظهير له من خارج صفوف اليسار..

إلى هنا لا بأس.. ولكن الانتخابات البرلمانية أسفرت عن تمزق عجيب لليسار بين ناصريين اختاروا التحالف المباشر مع الإخوان المسلمين تحت مسمى "التحالف الديمقراطي" (نعم : الديمقراطي) وآخرين فضلوا التحالف مع الكتلة المصرية (الليبرالية) وقطاع انتظم تحت لواء قائمة "الثورة مستمرة" ذات التوجه اليساري الواضح.. بينما مال كثيرون إلى مقاطعة الانتخابات برمتها..

وفي الانتخابات الرئاسية انضم البعض من اليساريين إلى حملة المرشح "الإخواني المعدل" عبد المنعم أبو الفتوح، ثم أيدوا محمد مرسي المرشح الإخواني الأصيل في الجولة الثانية.. وانقسم آخرون بين تأييد المرشح الناصري حمدين صباحي والمرشح الحقوقي خالد علي والبرلماني اليساري العتيد أبو العز الحريري.. ودائمًا كان هناك المقاطعون.. وزاد الانقسام انقسامًا عندما رأى البعض تأييد الجنرال أحمد شفيق في الجولة الثانية من أجل ما أسموه حماية مدنية الدولة.

هكذا لم يكن خلافنا رحمة وإنما كان وبالاً على الجميع.. فلا يمكن أن نتحدث هنا عن تعدد حميد للاختيارات التكتيكية.. وعلى أي حال ليس الوقت وقت أن نضع النقد المتبادل في مرتبة الأولوية الأولى.. فكثير من الحسابات والرهانات قد انهار تحت وطأة تنفيذ المخطط الإخواني الكبير للاستيلاء على الدولة.. وهو ما دعا كثير من قوى اليسار إلى البحث عن بعضها من جديد.. ولكن الحقيقة التاريخية تقول إن العامل الخارجي لا يكفي وحده للاندفاع نحو توحيد اليسار المصري.. فلا بد أن تكون هناك أيضًا إرادة ذاتية ونيات خالصة لإنجاز التحالف والتوحيد (ولا أقول الوحدة).

كان الحزب الاشتراكي المصري قد طرح بعد شهور من الثورة فكرة إقامة تحالف للديمقراطيين الثوريين يطرح برنامجًا راديكاليًا متمايزًا، ويسمح لليسار المجتمعي بمفهومه الواسع أن يدخل ككتلة موحدة في التفاوض من أجل إنشاء جبهة وطنية ديمقراطية/ مدنية.. إذ من البديهي أن توحيد اليسار لا يعني مجرد المجموع الحسابي لقوى صغيرة، لأن التوحيد في ذاته يكون ملهمًا لكثير من المحبطين والطبقات الشعبية للوقوف مع تيار عريض يعاد به.. لكن تلك المحاولة لم تكلل بالنجاح بسبب الخلافات السياسة المرتبطة بالانتخابات وغيرها وبسبب انشغال معظم الأحزاب اليسارية الجديدة ببناء نفسها وبسبب صعوبة تصور عملية التوحيد في ظل كثرة المنظمات والائتلافات واستمرار البعض في منهج إقصاء ورفض التعامل مع قوى يسارية بعينها..

أعاد الحزب طرح مبادرته السابقة في الشهر الماضي، وكانت المفاجأة السعيدة هي القبول الغالب بها.. فبالفعل تم التوافق على أربعة محاور رئيسية للنضال المشترك في الفترة المقبلة: السيادة الوطنية، التحول الديمقرطي، القضايا الاجتماعية والاقتصادية، التنوير والوحدة الوطنية.

غير أنني هنا أتوجه ببعض الملاحظات المهمة من أجل إنجاح التحالف الوليد:
- ضرورة التفكير في تبني مفهوم أرحب لليسار المصري لا يقصره على المتبنين للمنهج الماركسي وحدهم..
- ضرورة الاستمرار في التشبث بمبدأ عدم استبعاد أي فصيل مادام يوافق على الخطوط العريضة للوثيقة، وألا يسمح بأن تكون اجتماعات التحالف منصة لتبادل الاتهامات عن مواقف سابقة.
- ضرورة أن يكون التحالف مفتوحًا لكل حزب أو جماعة توافق على الخطوط العريضة للوثيقة التأسيسية التي تصدر بشك نهائي خلال أيام.
- ضرورة التعامل على أساس مبدأي التمثيل المتساوي واتخاذ القرارات بالتوافق، مع السماح لكل جماعة عضو بالتحالف بأن تكون لها مواقفها وبرامجها المستقلة غير موضع اتفاق مع الآخرين في التحالف..
- ضرورة أن يشفع التحالف السياسي ببرامج واضحة للنشاط الجماهيري والإعلامي في الشهور المقبلة، وخاصة في معارك العدالة الاجتماعية والدستور والتصدي لعملية أخونة الدولة والانتخابات المحلية والبرلمانية القادمة..
- ضرورة إفساح المجال المناسب أمام الائتلافات الشبابية والحركات الاجتماعية والنقابية الثورية كي تنضم إلى صفوف التحالف.

أتمني النجاح للتحالف الديمقراطي الثوري، وأن يخيب اليسار المصري آمال أعدائه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا