الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح امرأة (2)

محمد هالي

2012 / 9 / 2
الادب والفن


أدركت أن رائحة السجائر تلاحقني، بل أكثر من هذا، رائحة الخمر أيضا، علي أن أزيل هذه الروائح النتنة، قبل الوصول عند إخوتي، علي أن أتطهر من الجريمة التي اقترفتها هذه الليلة، نعلت أمينة، و الخمارين، و الحانة، و ما يأتي منهم، لكني عندما تذكرت بأن أخي علي، غاب عن البيت، مدة طويلة، و عندما استفسرنا عن غيابه، و صلتنا أخبار كثيرة عنه، و من بينها، أنه غرق في البحر، نتيجة ركوبه ما يسمى بقوارب الموت، أراد أن يفر، أن ينجو مثلي، فوقع ما وقع، و من يدري أن أختي عائشة، وقع لها نفس الشيء؟!، نحن ننقرض واحدا تلو الآخر، هل سأنقرض بهذا الشكل؟ و هل أنتظر حتى تنقرض عائلتي كلها؟ هذا حل جزئي، أعتبره انقراض من أجل استمرار حياة الآخرين، خصوصا أختي فاطمة، لا أريدها أن تضيع، عليها أن تستمر طاهرة، و شريفة، إنها حرب مندلعة منذ فترة، يموت البعض من أجل يستمر البعض الآخر، توسط التاكسي الشارع فقلت:
- أنزلني هنا سيدي
ناولته أجرته، وهبطت مسرعة، أريد أن أصل في الوقت المناسب، كان الشارع لا يزال مكتظا بالمارة، و الحوانيت مفتوحة، تستقبل زوارها، مرسلة موسيقاها المختلفة، و كان علي أن أدخل إلى أول دكان، لأقتني عطرا، أزيل به تلك الرائحة النتنة التي علقت بي في الحانة أو الخمارة، توجهت بعد ذلك إلى إحدى المقاهي التي كانت تطهي اللحم، طلبت كيلو كفتة، ثم شواها إلي، و ضعها في كيس أبيض، بعدما تم تغليفها، بالألمنيوم، وفي نفس المكان، اقتنيت قليل من الزيتون الأحمر، و الأسود، و البطاطس المقلية، و الخبز، و مرق الطماطم، و بنفس الطريقة التي توجهت بها من الحانة،امتطيت إحدى التاكسيات، وقلت له:
- إلى درب الكلب
فرد بسرعة:
- إنه حي يصعب الدخول إليه، في هذا الليل، نظرا لعدم صلاحية سبله، سأنزلك في الشارع الكبير المحاذي له، أليس كذلك ؟
قلت:
- حسنا، أنا أيضا أريد أن أنزل هناك
انطلق التاكسي، و انطلقت معه أفكاري تجوب كل الاحتمالات: رد فعل العائلة، و ماذا سأفعل بعد ذلك؟ وهل أستمر في ذلك العمل المخزي، الذي يدل الإنسان إلى درجة التفاهة؟ أتذكر الفتيات الصغيرات اللواتي دخلن الحانة، و قمن بما قمت به أنا أيضا، شربن، و ضحكن، و اقتنين أجرتهن، و انصرفن، تماثلت معهن و قلت في خاطري:
- لست وحدي ، من يمثل هذا الدور
و بينما أسبح في همومي، توقف التاكسي
و قال السائق:
- هذا هو الشارع، إنه أقرب منطقة للحي
قلت له:
- شكرا
و قدمت له أجرته، و هبطت مسرعة إلى البيت، فتحت الباب، فوجدت أخوتي، و أختي، و كأنهم ينتظرونني بلهفة، غمغم عمر بصوت مرتفع كله حقد، و كراهية، و كأنه استعد لمعركة:
- ما هذا الوقت يا أنيسة؟ أين كنت؟
أجبت لأطفئ نار الغضب، الذي بدا لي من خلال وجوههم الكئيبة:
- وجدت عملا في أحد الفنادق، هل أكلتم شيئا؟ أحضرت لكم العشاء، هيا يا فاطمة أحضري الصحن لأضعه فيه
و بسرعة نهضت فاطمة من مكانها، عانقتني، و ارتمت على خدودي بصفعات حارة،و كأنها لم تراني منذ زمان، و هي تقول:
- مبروك .. مبروك
في حين بقي مصطفى في مكانه، و لم يجبني، لاحظت أن عينيه تميل إلى الحمرة، و أدركت أنه مخمور، لا جدوى من الحديث معه، في حين قال عمر:
- شغل، عمل، فندق ..أرينا ماذا أحضرت؟
سلمت الكيس لفاطمة، و انزويت في ركن من البيت، لأغير ملابسي، لأن الرائحة لم تنته بعد، لو لم تكن رائحة الخمر المتصاعدة من فم مصطفى، لأنكشف أمري، أما رائحة السجائر فهي تنتشر في الحجرة قبل مجيئي، ربما أن أحدا من إخوتي، أشعل سيجارته المعتادة، دون مراعاة لمن يتواجد معه، و أطفأ رمادها في كوب ما، التي تعودنا على تنظيفها من شظايا و رماد السجائر دائما، وضعت فاطمة الصحن، و رمت فيه الكفتة، ثم باقي المأكولات الأخرى، و جلس الكل فوق لحاف رث، ممزق من كل النواحي، كما جلس الصحن في الوسط، و انهال عليه الكل، و كأنهم يخطفون كنزا ظهر لأول مرة، جلست بجانب فاطمة، مضغت مضغتين، و انسحبت، و أنا أقول:
- أريد أن أنام، إني جد متعبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه