الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا الرجل .. يوسف صدِّيق

إبراهيم المصري

2005 / 2 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تحت عنوان البحث عن الحقيقة يكتب يوسف صدِّيق في مذكراته قائلاً :
( ... وبطبيعتي الريفية المتمسكة بالدين رأيتُ أن أتصل بالإخوان المسلمين وكان المسئول عن تجنيد الضباط للإخوان ضابط بوليس سابق اسمه لبيب ، وكانت لي معه اتصالات أسبوعية منظمة غير أنها لم تطل أكثر من شهور رأيتُ بعدها أن الإخوان لم يكونوا منظمين تنظيماً عصرياً مقبولاً ، ولعلَّ أبرز النقاط التي نفرتني منهم هو مناداتهم بأن دستورهم هو القرآن .
ومع احتراي الشديد بل وتقديسي للقرآن غير أن إطلاق هذا الشعار كان لا يعني شيئاً مفهوماً ، فليس من المعقول أن نضع القرآن أي المصحف أمامنا لنحتكم إليه في كل قضية ... ) ص 77 و 78 .

كان يوسف صدِّيق واحداً من ضباط ثورة يوليو وكان دوره حاسماً في نجاح الثورة كما سأوضح ، وكلامه السابق عن جماعة الإخوان جاء في بداية فصل من مذكراته يروي فيه بحثه عن الحقيقة والتي كانت تعني بالنسبة له في أربعينيات القرن العشرين الماضي تنظيماً ينضم إليه ويقتنع به لكي يعمل معه ومن خلاله على تخليص مصر من الاستبداد والتخلف في العصر الملكي .

لقد ذهب يوسف صدِّيق إلى جماعة الإخوان ويُستفاد من كلامه عن هذه الجماعة أمران :
الأول : الوعي المبكر بمراوغة شعارات الإخوان مثل شعار ( القرآن دستورنا ) لأن الدولة الحديثة لا يحكمها كتاب دين وإنما دستور مكتوب حتى وإن استند إلى القرآن كما قال يوسف صدِّيق في مذكراته .
والأمر الثاني : أن جماعة الإخوان لم تكن جماعة دعوية كما تدعي ، بل وكانت ومازالت تنظيماً يسعى إلى السلطة من أجل استخدامها في تغيير المجتمع والدولة في مصر إلى ما تراه الجماعة ( دولة إسلامية ) تكون القاعدة لاستعادة دولة الخلافة الإسلامية المعممة في فكر الإخوان بما كانت تعنيه دولة الخلافة تلك في التاريخ ، وأن تتلطى جماعة الإخوان الآن وراء شعارات الديموقراطية فهذا ليس أكثر من مراوغة أدمنت عليها هذه الجماعة حتى أصبحت نسيجاً لتنظيمها المُعتم .

لقد انصرف يوسف صدِّيق المسلم الورع المؤمن عن جماعة الإخوان المرواغة إلى الشيوعيين وإلى حزب مصر الفتاة لينتهي به المطاف إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي قاده جمال عبد الناصر ونفذ به ثورة يوليو .
وفي مذكراته التي جمعها وحققها د.عبد العظيم رمضان وصدرت عن مكتبة الأسرة في مصر عام 2001 ، يروي يوسف صدِّيق تفاصيلَ انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار ودوره في ثورة يوليو ، وقد كان هذا الدور كما جاء في المذكرات حاسماً .

يقول يوسف صدِّيق تحت عنوان ( ليلة عمري ) :
( ... استأنفت صعودي إلى الدور العلوي يرافقني حسن أحمد الدسوقي وجنوده فلما وصلت إلى باب القائد وجدته موصداً وحاولت فتحه فشعرت بمقاومة وإذا بجنود حسن يطلقون النار على الباب بدون أوامر وتبين أن المقاومة كانت بسبب كرسي وضِع خلف الباب وكانت الحجرة مظلمة ولكن بعد إطلاق النار على الباب وفتحه أضاءت الغرفة لأجد أربعة مناديل بيضاء تطل من وراء برفان وهي علامة الاستسلام .
وخرج الضباط من وراء البرفان وكان على رأسهم الفريق حسن فريد قائد الجيش ومعه الأميرالاي حمدي هيبة وضابط آخر من هيئة الأحكام العسكرية برتبة عقيد ورابع لا أعرفه ... ) ص 116 و 117 .
لقد سقط مبنى القيادة العامة للجيش كما سقط قائد الجيش في قبضة الضباط الأحرار وكانت تلك هي الخطوة الحاسمة في ليلة ثورة يوليو من تنفيذ ودور يوسف صدِّيق الذي جاءه إلى مبنى القيادة العامة في تلك الليلة جمال عبد الناصر لتستمر الثورة إلى ما أصبح معروفاً أو غير معروف حتى اليوم .

يمكن القول إن تيارين اشتركا في تصديع حياتنا وتدمير إمكانية التحول إلى ما كان يمكن أن يكون دولة ومجتمعاً ديموقراطيين وهذان التياران هما :
التيار الديني : ممثلاً بجماعة الإخوان المحظورة التي كانت حاضنة تفريخ وما زالت لجماعات إرهابية ورجال دين موتورين ولأفكار وشعارات تسد الأفق العقلي للمجتمع وتمنعه عن رؤية واقعه ومستقبله .
والتيار القومي العسكري : الذي كان من شأن فشله التاريخي أن جاء بالولايات المتحدة الأمريكية لتحتل بلداً بحجم وتاريخ وحضارة العراق .

يوسف صدِّيق أدرك مبكراً ببصيرة ثاقبة خطل شعارات الإخوان ونأى بنفسه عنهم ورغم انضمامه للضباط الأحرار الذين قاد زعيمهم جمال عبد الناصر التيار القومي العسكري ، إلا أن يوسف صدِّيق سرعان ما شعر بالخطر ، ولم يكد يمر عام على قيام الثورة حتى اصطدم يوسف صدِّيق مع مجلس قيادتها .
يقول أحمد حمروش في قصة ثورة يوليو :
( ... أصرَّ يوسف صدِّيق على الاستقالة وزاد إصراره بعد عودة الرقابة على الصحف وصدور قانون حل الأحزاب ولم يتراجع عنها رغم ما بذله معه أحمد فؤاد من محاولة إقناعه بأنه ينهي دوره السياسي باختيار الاستقالة من المجلس ، ولكن يوسف صدِّيق وجد أنَّ ضميره سوف يكون مُثقلاً بما لا يقبله ولم يعلن المجلس استقالته ولكنهم أجبروه على السفر إلى سويسرا في مارس 1953 ... )

لقد أدرك يوسف صدِّيق مبكراً أيضاً أن الثورة سوف تقضي على أي أمل في الديموقراطية في مصر وهو ما حدث فعلا حتى اليوم ، وانتهي به الخلاف مع قادة الثورة إلى سجنه وكأن الثورة لم تحتمل كما لا يحتمل نظامها القائم حتى الآن أي صوتٍ مخالف يشير إلى ما أصبحنا نبحث عنه وسط الركام : الديموقراطية ، حياة نيابية سليمة ، حرية اختيار رئيس الدولة ، حرية إصدار الصحف وتكوين الأحزاب ، حق الإضراب للعمال دفاعاً عن مصالحهم .
هل كان ثمة طريق آخر ، لا يمكن الجزم بذلك خاصة وأن جمال عبد الناصر جاء ليشبع حاجة انفعالية عند الشعب المصري والجماهير العربية إلى رمز يطلق صوتها المشحون ضد الاستعمار والفوارق الطبقية والاستبداد الذي كان قبل الثورة أقل وزناً مقارنة بما يحدث الآن ، وقد أصبحت الجماهير العربية من البؤس إلى حد أنها ترفع إرهابياً بجدراة مثل أسامة بن لادن رمزاً لها ، أو تجد في أحد منتجات ثورة يوليو العسكرية في امتدادها العربي ( صدام حسين ) بطلاً قومياً .
وكأننا في المربع الأول ولكن هذه المرة وسط حريق هائل وانسداد أفق مريع خاصة في مصر ، والاستعمار حاضر في مشهد الاحتلال الأمريكي للعراق ، والقوميون الذين يمتون بكل صلات النسب إلى الفاشية والنازية يناضلون من أجل إعادة العراق إلى ( حضن الأمة العربية ) بأسلحتهم اللفظية وشعاراتهم التي لا تطعم جائعاً ولا تعلم أميَّاً ولا تقدم حلاً واحداً للمستقبل .
والمتأسلمون لا يتورعون عن كل جريمة ممكنة من أجل دولة الخلافة الإسلامية أو صحيح الدين على ما يقول المعتدلون من التيارات الدينية في تماهٍ في العمق مع المتطرفين والإرهابيين .
والموازنة بين العنت القومي والإرهاب المتخفي وراء الدين مع خيار الديموقراطية يعطي الديموقراطية أفضلية نسبية ، لأن صندوق الاقتراع مؤشر على نضج الشعوب في تقرير مصالحها بعيداً عن مجلس قيادة ثورة أو مجلس شورى مجاهدين .

وفي قصة يوسف صدِّيق وإنْ كانت مصرية ما يعطي دلالة ... لقد تم نفي وسجن يوسف صدِّيق على أيدي رفاقه ضباط يوليو ، ثم تم تغييبه بعد ذلك حتى توفي يوم الحادي والثلاثين من مارس آذار عام 1975 بعد مرض لازمه لمدة ثلاث سنوات .
وهذا ما يحدث بالضبط الآن مع أي صوت يعلو مُطالباً بالتغيير في العالم العربي ومُطالباً بالإقلاع عن أنظمة الثورات البغيضة ومطالباً جماعات الإسلام السياسي بالكف عن الإرهاب المادي والفكري سعياً إلى دولة تشمِّع عقولهم في الماضي ، والعدة للقضاء على أي صوت مختلف عن هذين التيارين حاضرة ، بالتخوين والعمالة للاستعمار والقتل عند القوميين وأنظمة الثورات العسكرية ، وبالكفر والمروق عن الدين والقتل أيضاً عند المتأسلمين ... لكننا سوف ننجو من القبضتين حتى ولو كانت النجاة تحت بنادق الاحتلال الأجنبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة