الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تُعيق السياسة من دور المبدع العربي

ابراهيم حمود الهوني

2005 / 2 / 23
حقوق الانسان


ما قيمة العمر! وما قيمة الحياة ! أو ما قيمة الدنيا، وماذا تعني كل هذه الأشياء مجتمعة للمبدع العربي ؟
إنها ليست شي من قبيل الأكل والشرب والنوم ، كما أنها ليست عقائد وعبادات أو علاقات عائلية واجتماعية بعادات وتقاليد وأعراف .... إنما هي شي أخر، كأن يكون إيجاد ما لم يوجد ونقد ما هو موجود ، وهذا ناتج عن تكرار الأشياء الموجودة أو الموروثة عندنا أو التي فرضها أصحاب السلطة علينا مهما كنت الصفة ، والخوف من ديمومتها لتصبح موروثاً ثقافياً وجب تقديسه وتخليده من بعد، هذا من جهة ومن جهة أخرى إن شريحة المثقفين العرب أينما كانوا يحاولون إيجاد ذاتهم وإثبات وجودهم حيثما حلوا دون أدنى اعتبار لأي قوي دينية كانت أم سياسية ، فهم أصحاب ثورة على كل شي ، وهي ثورة بيضاء حيث لا سلاح فيها ولا عسكر ولا دماء تراق ولا أرواح تزهق وهم من يسلط الضوء على الزوايا المظلمة في حضارتنا وتنير الدروب لتتقدم مجتمعاتنا نحو الأفضل ، إنهم أصحاب نظريات علمية وعالمية مستنبطة من تجارب الحياة التي هي نتاج لكونهم كائن حي يتفاعل مع كل ما يمثل آدميتهم في البيئة التي خلقهم الخالق لمعايشتها والتي يحكمها العقل بالدرجة الأولى.
إن هذه المقدمة لا تكفي بأي حال من الأحوال ولا تفي حق التعريف بالمبدع العربي الذي يجب أن لا يسيطر عليه إلا عقله في إبداعاته ، هذا العقل الذي هو نعمةٌ لمن امتلكه ونقمةٌ لمن اتخذه أداةً للتسلط على مفكر عاقل ، وهو الكافي للتمييز بين كل ما هو موجود.
إذاً أي قوة بعد العقل تستطيع أن توقف المد الإبداعي للإنسان العربي ! هل هي قوة إلهية أم قوة بشرية سلطوية ؟
إن القوي اللاهية أكبر من أن تنقص من دور المبدع أو تُحد من تفكيره وعقلانيته ورؤيته للأمور حتى ولو شابها بعض الغموض و الأخطاء ، على اعتبار إن الحساب على الخطاء والعقاب يأتي عند نهاية الأجل مهما طال ، وقد يطول الأجل ويطول معه الإبداع دون مآسي في النهاية ومهما كانت النهاية . فلا أحد يأخذ دور الله في هذا الكون ويثيب ويُحاسِب باسمه أو تحت أي مسمي .
لكن القوي البشرية فحسابها وعقابها آني ، ويضع نهاية مأسوية وسريعة للإبداع .. خاصة عندما تكون بأمر الحاكم ، ذلك لأنه يُصدر قراراته بمزاجية ظالمة دون أن يحكم عقله وهذه طبيعية في مجتمعاتنا خاصةً وأن هذه القرارات التعسفية تنفذ بجهل وبأيدٍ غبية ولا ترقي حتى لمستوي صاحب الإبداع المحكوم عليه أصلاً ؛ وهذه هي الحقيقة في كل ما حُسم ولكل نصوص الحكم التي صدرت في حق المبدعين المغلوب علي أمرهم بإذن الحاكم ، حيث تُشل كل يدٍ كتبت بضمير علي حال من أحوالنا لإيجاد الحل، ويُزج بأصحاب العقل المستنير في بلادنا غياهب السجون الأسطورية، ليُغتصب العقل وتنفض بكارة الحقيقة ويضيع حق أولئك في التعبير وتفسح المجال لدعارة العقل ولا شرعية الأفكار بالتالي ، وهنا يبرز دور المغرضين والسذج بعد دور الحاكم والمنفذ لأمره حيث تثار قضايا كثيرة منها هجرة العقول العربية ... دون السؤال : لماذا يلجأ المبدع العربي لكي يفرز إبداعاته ويجد ذاته إلي الدول الغربية النقيض لواقعه لتكون واقعه فيما بعد، بل ويتجنس بجنسيتها رغم كافة الصعوبات التي تعيقه دونها، بل وقد يفقد حياته من أجلها، وأن كان ذلك ليس الهدف في حد ذاته لهم .. فلا أظن أن أحد من مبدعينا يحبذ ترك مسقط رأسه وموطن أهله وأجداده ، وتاريخه وماضيه وثقافته الثرية، ويستقر به الحال في مواطن أخر حتى ولو كانت وسيلة لتعليمه العالي ومصدر لأفكاره وإلهامه وأبدعه فيما بعد .
ولكن تركه لوطنه الأم هي نتاج لسياسة التحديد والتحجيم والتخويف بل والتحقير للمفكر والمبدع والمثقف العربي من قبل الحاكم وسياسته.
ما ذنب المفكر أو العالم أو الصحفي أو الكاتب أو الشاعر أو الرسام أو الفنان أو غيرهم ما الذنب الكبير الذي اقترفوه حتى يضيعوا بجرة قلم من ظالم بسبب جرة قلم حر منهم تعبر بضمير عن الرأي والرأي الأخر فأصبحوا سجناء الرأي أو شهداء الرأي الأخر .
و أنا هنا لست بصدد سرد لحقائق وحوادث أو لذكر أسماء أو لإحصاء أعدادٍ لأناس ركِبوا قارب العقل ليبحروا وشراعهم المبدأ وزودهم العلم في بحورٍ ظلمة سعياً منهم لطلب الحقيقة فراحوا دونها أو لازالوا يسعوا.
وفي الوقت الذي ينادى فيه سلاطين العرب منذ وقت طويل " علي حساب عمرنا وأحلامنا " برفع الحدود المصطنعة ما بين العرب والمرسومة من قبل الاستعمار القديم التي تحد من حرية التنقل فيما بينها ، في الوقت ذاته ينادي أولئك المبدعين برفع الحدود المصطنعة والمفروضة من قبل ساستنا بين أفراد الشعب العربي والتي تحد من حرية تبادل الأفكار والإبداعات وكل ما يتعلق بثقافتنا العربية.. حيث نري الكتب والجرائد والمجلات والأشرطة والموسوعات والدوريات تصادر من قبل جمارك الحدود وتخضع لإجراءات صارمة من قبل أقسام الرقابة علي الإصدارات حيث يكون القائمون عليها في الأغلب أناس جهله لأمور الكتب وهموم الكاتب .
إذاً إن سياسة الحكام تركت فجوةً عميقة وشرخاً واسعاً وفراغاً فكرياً كبيراً في الثقافة العربية يصعب ملؤها ، بتالي كانت النتيجة هي تشوه لمفاهيمها وتضارب في أفكارها و إعاقةً ثقافية لأجيالها وأصبحت الهوية الثقافية والحضارية لمجتمعاتنا مجرد حلم والإبداع فيها رواية كان أبي وأصبحت الحقيقة فيها سراب.
وليروي الجيل القادم عطشه بهذا السراب وليحلم بحضارة الغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية