الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملائكة والشياطين

عبد الكريم أبازيد

2005 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يقال إذا حضرت الملائكة هربت الشياطين، ولكن لا يقال إذا حضرت الشياطين هربت الملائكة. فهذا لا يجوز لأن الملائكة ترمز للخير والشياطين ترمز للشر. ولكن هذا يجوز في حالة الدستور وقانون الطوارئ، لأن الأول يرمز إلى الحرية والديمقراطية والآخر يقيدهما. فإذا سادت حالة الطوارئ اختفى الدستور. وسأضرب مثالاً على ذلك.
جاء في الدستور: إن الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كراماتهم وأمنهم. وإن كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم. ولا يجوز تحرّي أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون. ولا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة. ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، وإن لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكل وسائل التعبير الأخرى عبر حرية الصحافة والطباعة والنشر، كما يكفل حق الاجتماع والتظاهر سلمياً.
ويأتي قانون الطوارئ فينسف كل هذا من أساسه. إذ تنص المادة الرابعة منه على مايلي:
وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وتوقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام. ويجيز تحرّي الأشخاص والأماكن وكذلك المؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها.
أعلنت حالة الطوارئ في الثامن من آذار عام 1963، ولا تزال باقية حتى يومنا هذا. وقد صدر الدستور بعد ذلك بعشر سنوات، ولكنه صدر معطلاً غير قابل للتطبيق بسبب حالة الطوارئ، والحجة هي إسرائيل.
ولكن قد تبقى المشكلة مع إسرائيل عشرات السنين الأخرى، فهل نبقى نعيش في ظل الطوارئ؟ والطارئ لغة هو استثناء، والدستور هو القاعدة. وقد تحول الطارئ عندنا إلى قاعدة، والقاعدة إلى استثناء. ثم أليس للسلطة ثقة بالشعب؟ هل الشعب السوري إذا أعطي حريته يمنع الدولة من تحرير الأرض؟ ثم إن لدينا مثال الهند، فهي في حالة حرب شبه يومية مع الباكستان بشأن كشمير منذ عام 1947. ورغم ذلك لم تعلن حالة الطوارئ.
عندما قامت المعارضة في فنزويلا بمظاهرات حاشدة ضد الرئيس شافيز دامت عدة أشهر وتعطل تصدير النفط وشارف الاقتصاد على الانهيار، طلب البعض من الرئيس أن يعلن حالة الطوارئ. فالقانون يبيح له ذلك، ولكنه رفض ووافق على الاستفتاء. قائلاً إن أكثرية الشعب تدعم سياستي. وبالفعل جرى استفتاء بحضور مراقبين دوليين ونجح شافيز في الاستفتاء.
لقد عطلت حالة الطوارئ مواد الدستور، عدا المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فقد جرى خرق قانون مناهضة الثورة من قبل رجالات السلطة ذاتهم. فالمادة الثالثة من هذا القانون تنص على محاكمة كل من يناهض النظام الاشتراكي سواء بالفعل أم بالقول أم بالكتابة أم بأية وسيلة من وسائل النشر.
وإذا أردنا تطبيق هذه المادة كما طبقت على الكثيرين، فيجب أن يقدم للمحاكمة رئيس هيئة تخطيط الدولة، الذي صرح بأننا نسير في طريق اقتصاد السوق. وهذا نهج لا رجعة عنه. وليس هو الوحيد في ذلك الذي يدعم هذا التوجه.. بل إن رئيس مجلس الوزراء والوزراء يدعمون أيضاً هذا التوجه، وكذلك العديد من المسؤولين. أقول هذا دون أن يعني ذلك أنني أطالب بمحاكمتهم فعلاً.
نستنتج من كل هذا أن مسؤولي السلطة يحق لهم مخالفة القوانين دون أن يتعرضوا للمحاكمة. فقد أوقفوا العمل بالمادة المتعلقة بالتوجه الاشتراكي، بينما لا تزال حالة الطوارئ تطبق بقبضتها على رقاب الشعب. وحتى لو حلت المشكلة مع إسرائيل وعقدنا صلحاً معها بعد عودة الجولان، فإن حالة الطوارئ ربما ستبقى. ومثال مصر لا يزال ماثلاً في الأذهان. فقد حصلت على سيناء وعقدت صلحاً مع إسرائيل وبقيت حالة الطوارئ. وها هو ذا الرئيس المصري يجدد لنفسه الرئاسة للمرة الخامسة رغم المعارضة الشعبية الواسعة لذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟