الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس الحريري نموذجأ سياسيأ

محمد سيد رصاص

2005 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كان الرئيس رفيق الحريري من ضمن ثلاث شخصيات، مع الرئيس فؤاد شهاب والزعيم كمال جنبلاط، هم أبرز ما أفرزته السياسة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين. تميّز الثلاثة بأنهم كانوا أكبر من حدود طائفتهم، وبالبعد عن الدائرة الضيقة التي طوقت حدود وآفاق معظم السياسيين اللبنانيين بحكم الطابع الطائفي وأحياناً المناطقي للحياة السياسية اللبنانية، إضافة الى أن اطلاعهم الواسع على السياسة العالمية قد أعطاهم بعداً لم يكن متوافراً عند الآخرين.
إلا أن الرئيس الحريري كان يتميز بشيء آخر: هو الوزن الذي كان يتمتع به خارج لبنان، الشيء الذي برز جلياً للعيان في الفترة التي ترك فيها رئاسة الوزراء بين عامي 1998 و2000، عندما كان يُستقبل، وهو الذي كان خارج المناصب الرسمية، في العواصم الكبرى بطريقة يحسده عليها زعماء الدول، مما كان يعطي انطباعاً بأنه من نوع الشخصيات السياسية التي تعطي بعداً لمنصبها من شخصها، في وضع مختلف عن الكثير من السياسيين الذين يكتسبون وزنهم من مناصبهم، لا العكس، وهو شيء لم يتكرر في السياسة العربية إلا مع القلة من الشخصيات، مثل الحاج أمين الحسيني لما ترك فلسطين الى العراق حيث بان نفوذه الواسع هناك في فترة حكومة رشيد علي الكيلاني وضباط (المربع الذهبي).
أثارت هذه الشخصيات اللبنانية الثلاث، وهو شيء يرافق دائماً الشخصيات السياسيةالقوية والمتميزة، الكثير من العواطف العنيفة، حباً وتأييداً قويين ومن جهة معاكسة كراهية وخصومات عنيفة، ولكن مع الكثير من الاحترام، وربما الإعجاب الخفي، من قبل خصومهم، كما انهم وهذا الامر يترافق دائماً مع اقوياء السياسة، الذين كانوا يرسمون سياسات خصومهم من خلال انتهاجهم لسياسات معاكسة لما تطرحه وتمارسه، أو عبر ما كان يرسمه هؤلاء الخصوم من سياسات كيدية تعاكس ما كانت تطرحه وتمارسه تلك الشخصيات، وصولاً الى أنها كانت تدفع الخصوم الى سياسات تطويقية لها مثلما اعترف مؤخراً وزير الداخلية اللبناني، وعبر وسائل الإعلام المرئية، من أن قانون الانتخاب يهدف الى تحجيم قوة الرئيس الحريري الانتخابية ببيروت.
لم تتكرر هذه النماذج السياسية في الحياة اللبنانية، وهي قليلة، بالمناسبة، في السياسة العربية: الشيء الملفت في شخصية الرئيس الحريري السياسية هو إتيانه الى السياسة من وسط رجال الأعمال، الذي كان إما بعيداً عن السياسة، يتداخل بها عبر التقاطعات وعن بعد او من خلال تقديم خدمات البيزنس للسياسيين، أو في صفوفها الخلفية تاركاً واجهة المسرح للسياسيين، فيما أثبت الرئيس الحريري بأن رجل الأعمال يمكن أن يكون رجلاً سياسياً ألمعياً، وهو ما يوجد الكثير من نماذجه في البلدان الغربية، في إثبات للنظرية القائلة بأن ميداني الأعمال والسياسة يحكمهما قانون لعبة واحدة، وإن اختلف الملعب. فيما يتميز الراحل، أيضاً، بإتيانه من وسط شعبي يمثل نبض المجتمع العربي، مما جعله قادراً على كسب الشارع، بخلاف أولئك الأغنياء الذين يفرون فراراً من وسطهم الأصلي، وأيضاً بعكس أولئك السياسيين الذين، بحكم أصولهم الاجتماعية البعيدة عن الأوساط الشعبية، يجدون صعوبة بالغة في التواصل مع الشارع، مستعيضين عنه باللعب السياسية الفوقية.
ما يميز الرئيس الحريري، من جهة أخرى، أنه أتى من "طائفة" لا تتصرف على أساس أنها طائفة، وإنما باعتبارها "وعاء الأمة" و"أم الصبي"، متميزة بالوسطية والاعتدال وعدم تكفير ورفض الآخرين، فيما لا يعتبر أبناؤها أن حدودها عند المصيطبة والطريق الجديدة، وإنما بين الرباط والمنامة (وربما بين طنجة وجاكرتا)، الشيء الذي جعل سنة لبنان في طليعة من تفاعل مع فلسطين وعبد الناصر وكل قضايا العرب، وأدى بهم الى أن يكونوا غير انعزاليين، مع أفق واسع جغرافياً وامتدادياً يجعلهم لا يتصرفون كطائفة حتى عندما تستهدف، كما يحصل الآن في العراق.
ربما كان الرئيس الحريري، في هذا الإطار، يمثل النقيض لشخصية الأصولي أو السلفي، من دون فقدان بُعده العربي والإسلامي (ربما يساهم غيابه في تقوية الاتجاهات الأصولية والسلفية بلبنان)، ومن دون أن يكون من أولئك العرب المتغربين، والذين هم أقل منه بكثير اطلاعاً وتفاعلاً مع الغرب، لما نرى هؤلاء كيف يفقدون بعدهم العربي ـ الإسلامي عبر ثقافتهم "التغريبية"، وهذا ما جعل الراحل بعيداً عن الثنائية التي ميّزت أغلب الساسة العرب، وكذلك المثقفين، لما سجنوا أنفسهم في ثنائيات متضادة (واشنطن ـ موسكو، واشنطن ـ باريس، الغرب ـ التراث، الأصالة ـ المعاصرة.... الخ)، مما جعله قادراً على طرح أفكار جديدة في الوسط السياسي العربي، كما كان لما طرح فكرة "تناقص وزن إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب الباردة"، والتي لا يمكن أن يستوعبها الكثير من الذين يعيشون على أفكار مثل "إسرائيلية السياسة الأميركية" أو تلك القائلة بكون إسرائيل هي "الولاية الأميركية الواحدة والخمسين".
تفتقد السياسة العربية هذه التركيبية في النظرة للأمور السياسية، وهو ما يميز العقل السياسي الإسرائيلي بالمناسبة، الشيء الذي يجعل الأخير قادراً على المخاطبة والتلاقي مع العقل الغربي، فيما فشل العرب في ذلك بشكل ذريع: ربما، كانت هذه التركيبية، الممزوجة بالاعتدال والبعيدة عن الحدية والثنائية التبسيطيتين، هي ما جعلت الراحل، في الأشهر الأخيرة، موضع إجماع خفي في السياسة اللبنانية، الشيء الذي دفع أهل البريستول للتقاطر على استقطابه، فيما لم يألُ خصومهم جهداً مماثلاً من أجل تحقيق ذلك.
كان جسراً بين اللبنانيين في مدينة الطائف وفي مرحلة ما بعد "اتفاق الطائف" وصولاً الى لحظة رحيله، كما كان الرئيس رشيد كرامي والمفتي حسن خالد في عامي 1987 و1989.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل