الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرابين الحرية

خالد قنوت

2012 / 9 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قد يكون النظام السوري طائفي بالجوهر و لكنه بالحقيقة استخدم الطائفية و كل الطوائف بكل خبث و حنكة و الدليل وجود العديد من الموالين له و المدافعين الشرسين عن وجوده فضلاً عن وجود شبيحة و قتلة من كل الطوائف. النظام الذي بناه حافظ الأسد اعتمد على الانتماء الطائفي في كثير من الأحيان و لكن بالأساس اعتمد على الولاء المطلق له و لعائلته. لا ننسى أنه أبعد أخوه المجرم رفعت الأسد عندما اقترب من كرسيه و كذلك اقصى أشد أعوانه مثل علي دوبا و علي حيدر و غيرهم عندما أبدوا امتعاضاً لتوريث الحكم لأبنه الأول و من بعده لأبنه الثاني و الطاغية الحالي. إضافة إلى أن حافظ الأسد بنى كل مؤسسات الدولة و سخرها لفكرة وجوده و استمراره على رأس السلطة و من يورثها له من بعده و لكنه بنى أجهزته الأمنية دون شخصنة المناصب. صحيح أنه اعتمد على شخصيات من طائفته و لكن ولاؤها المطلق له كان المعيار لذلك, بدليل أنه عزل و اوكل غير هذه الشخصيات و لم تتأثر الأجهزة و لا النظام بغيابهم. من وجهة نظري النظام السوري الذي ما زال حافظ الأسد يحكم من قبره ليس طائفياً بقدر ما هو نظام حكم أسروي مطلق أستطاع تطويع العديد من الطوائف أقلية أو أكثرية لمفهوم بقاء الأسدية على رأس السلطة في سورية و لزمن طويل و بشبكة علاقات أمنية و سياسية إقليمية و دولية تبدأ من موسكو و واشنطن و تمر بطهران و دول الخليج و تنتهي بتل أبيب. و هذا هو التفسير المنطقي لسكوت الجميع عن مجازره بحق الشعب السوري العظيم.
إن الخاصرة الرخوة التي لم يكن يحسب حساباً لها في استمرار سلطته كانت الناس, الشعب السوري العادي, فقد استطاع تدجين المواطن السوري البسيط بعد مجازر الثمانينيات في حلب و جسر الشغور و حماة و تدمر و بذلك استبعد هذا المواطن من حساباته السياسية و الاقتصادية. كان همه الأول المدن الكبرى كدمشق و حلب فعمل على تدمير النسج الاجتماعية لهاتين المدينتين و أوغل في التغيير الديموغرافي لهما و عمل على إفقار الطائفة العلوية أولاً و بقية الأقليات و تحالف مع أصحاب النفوذ الاقتصادية من كل الطوائف و بنى على حسابهم طبقة اقتصادية من حاشيته و عائلته تحديداً لتكون كل هذه المكونات وقوداً لنار بقائه و لحربه مع بقية أطياف المجتمع السوري في حال ثارت عليه يوماً لم يكن يعتبره قريب.
لا يمكن لأي محلل سياسي أن يتوقع أن النظام لم يتفاجئ بالثورة السورية, رغم كل السيناريوهات و الخبرات التي تمكن من مراكمتها في أدبياته الأمنية. بالمنطق, فهو قضى تماماً على الحياة السياسية السورية التي كان آخرها زج المعارضيين السياسيين في المعتقلات بعد سراب ربيع دمشق. أيضاً, لم يتمكن الغرب و لا الولايات المتحدة الأمريكية ايام جنون جورج بوش الإبن من تغيير أو التأثير على نظام حكم الأسد رغم الحصار و القطيعة السياسية بعد اغتيال رفيق الحريري, طبعاً إذا اعتبرنا أن هناك قرار جدي بتغيير النظام السوري من قبل الغرب و أمريكا و هذا ما استبعده كلياً, على العكس فقد خرج النظام أكثر قوة سياسياً و دولياً بعد كل ذلك الحصار الذي لم يصيب سوى المواطن السوري العادي في رزقه و عيشه.
إن الثقة العمياء التي تحدث بها رأس النظام مع صحيفة الواشنطن بوست قبل إندلاع الثورة عن اقترابه من الشعب و عن شعبيته الساحقة و عن بعد مفهوم الثورات عن سورية يقدم لنا دليلاً واضحاً على الصدمة التي تلقاها التظام و أجهزته الأمنية و العسكرية من انتشار الثورة و اتساعها مع كل يوم من أيام حله الأمني و العسكري. ازدادت صدمته مع عجزه عن وأد الثورة رغم ممارسته لكل السيناريوهات و الأحداث التي بالتأكيد مارسها في الثمانينيات من قتل و تنكيل و مجازر و تحريض طائفي و أثني, لذلك نراه اليوم يقصف بطائراته الحاضنة الاجتماعية للثورة إلا و هي المواطن السوري المهمش.
في خطابه المشؤوم الأول, كانت لدي رغبة أن يتعامل رأس النظام مع الأزمة بحكمة و حنكة تعودنا عليها من الطاغية الأب لأني أدرك كل الإدراك أن البديل هو دماء سورية غالية و تخريب و دمار و لكني في قرارة نفسي أعرف أنه لن يفعلها و أجزم بأنها ستكون نهاية حكم آل الأسد إلى الأبد و لكن الثمن سيكون غالياً و مرتفعاً.

اليوم هو الخامس من أيلول سنة 2012 و منذ 15 آذار 2011 ينتفض السوري العادي البسيط ضد حكم الاستبداد و الهمجية وحده لا شريك له, لا معيل له, لا صديق حقيقي له, يتلقى الخيانة من أخوته في الوطن و العتاب و نظرات الازدراء و التعالي, يتحمل القصف و المجازر و الدمار, يدفع فاتورة الدم الأغلى لسكوته عن خمسين سنة من الظلم و الاقصاء و الذل, يطرق أبواب الأشقاء و الأصدقاء فيغلق البعض أبوابهم في وجهه و يرميه الآخرون في متاهات صحرائهم متناسين أنه هو من فتح باب بيته لهم و شاركهم لقمته المغمسة بعرقه يوم كانوا في شدة, يدرك أن لعبة الأمم و الدول بات هو أداتها و نارها بين مجلس الأمن المعروف للجميع كيف تدار مسرحياته على حساب الشعوب و بين تصريحات إعلامية لا تطعم جوعه و لا تروي عطشه و لا تمكنه من سلاح يدافع به عن نفسه.
المواطن السوري العادي البسيط يعرف كل هذه الأشياء و يشعر كل يوم بالتعب و لكنه كل يوم يزداد يقينه بالنصر و إيمانه بسورية حرة كريمة يعيش على أرضها و يربي أطفاله على حبها و على عزها.
المواطن السوري و منذ بداية الثورة كان (يهتف ما لنا غيرك يا الله) لأنه يعرف أنه وحده و لا أحد سواه من سيحقق المستحيل و أن ثورته اليتيمة ستكلل بغار الانتصار و أن انتصاره سيقلب كل الحسابات و كل الموازين التي وضعت من أكثر من خمسين عاماً للشرق الأوسط.
إنه يعلم أن نضاله ليس من أجله وحده بل من أجل شعوب الشرق قاطبة و عنهم يدفع قرابين الحرية.

خالد قنوت
5-9-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة بين قوات من الجيش الإسرائيلي وعناصر من الفصائ


.. اقتصاد فرنسا رهين نتائج الانتخابات.. و-اليمين المتطرف- يتصدر




.. كيف نجح اليمين المتطرف في أن يصبح لاعبا أساسيا في الحياة الس


.. الشرطة الكينية تطلق الغاز المسيل للدموع على مجموعات صغيرة من




.. شاهد: تجدد الاحتجاجات في نيروبي والشرطة تفرق المتظاهرين بالغ