الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرصة الأفضل للتحرك في سوريا

أكرم شلغين

2005 / 2 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عندما تحدى حافظ الأسد مشاعر السوريين معلناً نفسه "القائد الضرورة" انطلاقاً من أنه "بطل التصحيح" و"بطل التشرينين" كان الأسد يستغل الأجواء السياسية العالمية وتناقضاتها ليؤسس لحقبة طويلة الأمد لا يُراد لأحد أن يرى نهاية لها، وعندما انتصر نظام الأسد عسكرياً على "الإخوان المسلمين" وبطش عشوائياً ببقية الأحزاب والقوى السياسية في سوريا - ومنها تلك التي لم تتسلح بأكثر من الكلمة وبينها الشيوعية، واليسارية عامة ـ وشمل قمعه حتى من لم يكن له أي وضع تنظيمي أو انتماء سياسي، عندها غض العالم بصره عما حدث، ولم يكن لدى وسائل الإعلام العالمية متسعاً حتى للحديث عما يحصل في سورية، وعندما لم يبق على الساحة السورية من يحسب له الأسد حساباً كان زلم وتجار حافظ الأسد وبعثيوه يمضون أبعد في غطرستهم وتحديهم لجميع السوريين بإعلان "القائد إلى الأبد" ولا خيار إلا "القائد الخالد" الآبد أبد الآبدين الذي "يُبايَع" بهتاف: "يا الله حلك حلك/ خللي حافظ محلك". في ذلك الوقت، لم يَطرح أحداً سؤال "ماذا بعد الأسد!؟" ولم يكن وارداً في تفكير السوريين أن يذهبوا أبعد من سؤال: "كيف نأمن من بطش الأسد!؟" ولقد نسي الناس طموحاتهم الوطنية الكبرى وأصبحت همومهم تتركز على انتظار الإفراج عن سجين، أو خبر عن الابن أو الأخ أو الوالد المفقود، أو في أحسن الأحوال: الجلوس أمام الراديو أو التلفزيون في ذكرى انقلاب حافظ الأسد علّ الإشاعة صحيحة "هذا العام" وهناك خبر عن "زودة معاش"... في تلك الأوقات، كان العالم يختلف كثيراً، وكان حافظ الأسد ينجح في المراوغة وتسويق نفسه للعالم، عندها كان للأسد دوراً لينفذه على الساحة الإقليمية.

مات حافظ الأسد، وبقيت آلية تعامل نظام الأسد مع الشعب السوري نفسها، وبقيت نفس العائلات والرموز والتشكيلات التي أتى بها، وآلفها وولفها، حافظ الأسد في مكانها من حيث النفوذ والتسلط وممارسة القمع والسرقة والرشوة والفساد واستنزاف الوطن. بقيت عصابات عائلة الأسد والمقربين منهم تمارس نشاطها الإجرامي بل وظهرت كذلك عينات على ساحة الإجرام كانت أقل حضوراً في الماضي، وبقيت اللعبة في سوريا على ما هي عليه وهي: توليف سلطوي يجمع بين ضباط كبار (أو كُبّروا) في المخابرات والجيش (ضاقت انتماءاتهم الاجتماعية حتى أصبحت شبه محصورة في عائلة الأسد ومن صاهرهم ومن تقرب منهم ومن سلالتهم) تتحالف هذه المجموعة العائلاتية المخابراتية العسكرية مع مجموعة تجار من مناطق ومدن سورية مختلفة ليؤدي كل من هاتين المجموعتين دور العراب للمجموعة الأخرى وتبقى مصالح المجموعات محفوظة، مصانة وغير قابلة للنقاش. يبقى أن نتذكر أن هناك فارقاً وحيداً في العلاقة بين أعضاء طاقم حفظة النظام السوري بين ما كانت عليه في فترة حافظ الأسد وبين ما هي عليه الآن، ففي الماضي كان حافظ الأسد هو المهيمن والضابط الوحيد لكل الأمور ولكل شاردة وواردة بين عناصر طاقمه وقد أخاف الجميع وجعلهم يفهمون أنه "ولي نعمتهم" وهو من أتى بهم وهو من يستطيع "إزاحتهم من مكانهم، بل ومن الدنيا متى يشاء" أما الآن فالأمر قد اختلف من حيث أن القوة لم تعد بيد شخص واحد بل توزعت على جنرالات المخابرات والجيش الذين يشعرون أن دورهم كان كبيراً وحاسماً في توريث الرئاسة للأسد الابن وهذا ما يفسر أن كل جهة أمنية تعتبر نفسها أنها الأقوى وهي حامية النظام أوهي النظام نفسه وهي الحكومة والدولة. ولكن توزُّع القوة لا يعني بأي حال من الأحوال الخلاف أو الاختلاف الجذري، فجميع هؤلاء كانوا يتَّحدون في حال الشعور بالخطر أو بأن خللاً ما قد يصيب المعادلة السائدة.

أما الوضع على الساحة العالمية فقد اختلفت كثيراً عن الماضي، تغير العالم سياسياً بعد انهيار نظام الدول الشرقية، ويتغير أكثر بعد 11 سبتمبر حين أصبح الأمن الأمريكي هو الهاجس الأكبر للإدارة الأمريكية إضافة إلى حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية من الإرهاب، سواء قام الأمريكيون بهذا الدور أنفسهم أم عبر وسيط محلي. وتتطابق الوعود الأمريكية مع الخطوات بملاحقة الإرهابيين أينما وُجِدوا وعدم غض الطرف أو الشعور بالاطمئنان أو "الانتظار إلى أن يأتي الإرهاب" إلى الأراضي الأمريكية وإنما "ذهاب القوة الأمريكية إلى الإرهابي" لضربه حتى ولو كان كامناً، وتجفيف منابع الإرهاب. وبجانب عملها على ضرب الإرهابي، فإن الولايات المتحدة تعمل على إزالة الشروط التي تنتج أو تساعد على إنتاج الإرهابيين في منطقتنا، ومن هنا فإن الضغوط تزداد على الأنظمة العربية، ومنها النظام السوري الذي تصنفه أمريكا بأنه يرعى الإرهاب ويشكل عامل زعزعة للأمن والاستقرار وعثرة في طريق السلام. من جانبه، يتعامى النظام السوري عن التغييرات في العالم ويتصرف كما لو أنه إما لم يدرك بعد أن قواعد اللعب قد تغيرت أو أنه يظن أن بإمكانه دائماً إيجاد الظرف المناسب له للمراوغة والمقايضة أو الاستفادة من فراغات سياسية عالمية أو ما إلى هنالك، ومن هنا فإن النظام السوري لم يدرك أن دوره في لبنان قد انتهى فحسب بل وتصرف بمنتهى الحماقة والتمادي في الأشهر الأخيرة حين أراد التلاعب بالدستور ومدد في رئاسة الجنرال لحود، وتأتي عملية اغتيال الحريري قبل أيام لتزيد من الضغوط الأمريكية والعالمية على النظام السوري.

الشرارة التي انطلقت إثر اغتيال الحريري تثمر بما لم يكن أحداً يتصوره حتى قبل شهر واحد، إن خروج اللبنانيون إلى الشارع دون أن يجرؤ الأمن اللبناني - والذي أثبت أكثر من مرة أنه ليس أقل قمعاً من معلمه السوري- يراقب دون أن يتجرأ على القيام بفعل تجاه الشعب الذي يطالب ليس فقط بتحقيق دولي في جريمة الاغتيال بل ويصر أيضاً على التحرر كلياً من التدخل والوجود الأمني والعسكري السوري في لبنان واستعادة القرار اللبناني المسلوب. يحدث هذا أمام أنظار العالم وبتشجيعه هذه المرة. والنظام السوري ودميته الحكم اللبناني أعجز من أن يقفا بوجه الجموع اللبنانية وهما يعرفان أن لا معدة للعالم لتحملهم أطول. يدرك النظام السوري أنه لم يعد أمامه إلا الانسحاب من لبنان وبأسرع ما يكون، وهزيمة النظام السوري في لبنان هي الأكبر منذ زمن وهي الأكثر إيلاماً على تجار المخدرات جنرالات الأمن السوري.

لا يوجد على الإطلاق ما هو في صالح النظام السوري المعزول ولا يوجد له من صديق في العالم، وحتى الوسطاء العرب لا يستطيعون التوسط له هذه المرة ليس فقط لأن دماء جريمته الأخيرة لم تجف بعد وأن نيران الاغتيال لم ولن تخمد بل وأيضاً لأن الوسيط العربي نفسه بحاجة لوساطة، فحسني مبارك مرتبك بنزول المصريين إلى الشارع مثلما يرتعد من الصوت القادم إليه من أمريكا للتغيير والدمقرطة، وعجلة التغيير بدأت بالتدحرج في العالم العربي. كل شيء يسير في غير صالح النظام السوري عالمياً، عربياً ومحلياً، حتى زحف العمال بالاتجاه المعاكس من لبنان – بالرغم من الأسف لذلك – إلا أن عودة هؤلاء العمال سيكون أيضاً مثار ضغط داخلي على النظام بانضمام هؤلاء العمال إلى جيش العاطلين وازدياد نقمتهم على النظام السوري الذي حرمهم من العمل وكسب لقمة العيش مرة داخل بلدهم وأخرى خارجها عندما سد منافذ رزقهم بجريمته في لبنان.

الشعب السوري الرازح تحت الاستبداد والقهر والقمع، والصامت على الفقر والجوع والتهميش ومصادرة حقوقه دون أن يتمكن على مدى عقود من حكم البعث والأسد حتى من الاعتراض أو التبرم دون ملاحقته والبطش به، تأتيه الفرصة الآن ناضجة وعلى طبق من ذهب ليتحرك ويصر على نيل حقوقه. وهذه هي الفرصة المناسبة للشعب السوري للتحرك لنيل حقوقه كاملة، وليُسمع صوته للعالم وليقول بأننا في سوريا ـ بعكس بشار الأسد ـ نؤمن بديمقراطية العالم ونؤمن بقيم العالم الحر وليس لنا تلك "الخصوصية" التي يتبجح بها الأسد وأرباب النظام السوري وتضعنا خارج قوانين العالم الحر وأعرافه. هذه هي الفرصة لنا لا لنشجع على بقاء النظام الفاسد ونقول إنه هو من يقود الإصلاح بل هذه هي الفرصة للعمل من أجل التغيير، هذا هو الوقت المناسب للأحزاب والقوى السياسية لكي تستعيد شبابها الذي استلبه منها النظام الطاغي، هذا هو الوقت المناسب للدعاية والتحريض وللتعبئة، هذا هو الظرف الأفضل حتى الآن للمعارضة والمثقفين للقيام بدور تعبوي، وهذا هو الوقت المناسب لإصدار البيانات وللنزول إلى الشارع. آن الأوان للجميع لوضع تصورات عن، ومناقشة، مرحلة ما بعد نظام الأسد...كي لا يبقى كل شيء رهن الظروف المستجدة وللرياح لتتقاذف البلد..، ومن لا يرى الآن أن هذا هو الظرف المناسب للتحرك فلن يرى ظرفاً آخر مرة أخرى على الإطلاق، وليبقى نائماً لأنه لن يكون يوماً فاعلاً في السياسة وإنما سيكون دائماً منفعلاً بما تتقاذفه رياح سياسة الآخرين. ومن سينتظر ما ستأتي به الأحداث لا يستحق ثقة الشعب السوري للنطق باسمه، وسيثبت أنه معترض وليس معارض ولا يستحق أن يكون نواة لقيادة شعب وبلد يتطلع إلى الديمقراطية والبناء والنهضة. ومن يختار أن يقف الآن مكتوف الأيدي أو يتكلم عن الثوابت القومية والهجمات الخارجية ويخجل من الوقوف في صف الشعب السوري فسيلفظه الشعب لأنه يبتعد عن لغة الشعب ويكرر خطاب المستبدين بالشعب فيخدمهم من حيث يدري، أو لا يدري. ومن لا يستطيع الخروج عن لغة الكلام عن الأطماع الامبريالية في المنطقة فإنه يخدم بشكل غير مباشر في استمرار نظام الأسد وعصاباته ومافياته في حكمهم، ومن يفضل الترقب فقد ضَََمَن ليس فقط استمرار النظام الحاكم في كرسيه (بتنازلات الأخير ومساوماته أمام الخارج) وإنما أيضاً ضمن الرئاسة لولي العهد حافظ بن بشار بن حافظ الأسد.

لم يكن بإمكان السوريين أفضل مما كان أيام الحرب الباردة، ولم يتمكن السوريون من الاستفادة من موت الأسد الأب لأن الظرف لم يكن في صالحهم ولكن ها هي الفرصة المناسبة الآن ليقول السوريون إننا لا نختلف عن بقية شعوب الأرض كي يتوارثنا ويتوارث قرارنا ووطننا العائلات والمافيات التي تحكم بالقوة والحديد والنار. آن الأوان لوضع حد لهذه القلة القليلة من ضباط المخابرات والتجار التي تسيطر على القوة والقرار في سوريا، آن الأوان ليقف العشرين مليون سوري وسورية في وجهها ويضعون حداً لغطرستها ومصادرتها لحقوق الإنسان السوري ولخيرات بلده، ولسنا نحن السوريون أقل آدمية من غيرنا، ولا نختلف عن بقية البشر على وجه الأرض، كي نبقى صامتين على الاستبداد والقمع والقتل والقهر المسلط فوق رؤوسنا من قبل عصابة خارجة على قوانين العالم بأسره. آن الأوان ليسأل السوريون عن عشرات الآلاف من المفقودين، وآن الأوان لنا كسوريين لنحكم أنفسنا بعيداً عن حكم المخابرات وعوائلهم وتجارهم (الخليويون منهم والماسيون الياسمينيون واللانوازيتيون) .

قد يُقدِم رموز النظام السوري الخائفين الآن على مواقعهم على ضربات دموية يائسة ولكنهم أعجز من يقودوا مجازر كبيرة ليس فقط لأن المناخ السياسي العالمي لا يتيح ذلك لهم الآن بل أيضاً لأنه لا يوجد من يأتمر بأوامرهم ومستعد للقيام بالمجازر كبيرة مثل الماضي... يقولون إنهم ليسوا مثل نظام صدام حسين ونحن نعرف جيداً أن رموز النظام الخائفين ليسوا بالفعل مثل رموز نظام صدام وهم أولاً وأخيراً خائفين على أموالهم مثلما هم خائفين على فقدان سلطتهم، وهم محكومون بعقلية الخوف هذه - وبتقدير الكثير من المراقبين - سيسعى هؤلاء للنجاة بأموالهم ولن يقدموا على خطوات انتحارية وهم يعرفون ما بانتظارهم إن هم قاموا بالمجازر...

الأمل الوحيد لدى النظام السوري، والذي سيلعب حتى الربع ساعة الأخيرة، هو بتقديم التنازلات للخارج معتقداً أن ذلك سيخدمه أطول في حكم الداخل. النظام السوري الذي كان دائماً يجيد لعبة تقديم نفسه على أنه الأفضل في ساحته بالنسبة لأمريكا، سيسعى من جديد لتقديم نفسه على أنه سيحارب الإرهاب صاحب نفس الهوية الذي تحاربه أمريكا (وهذا ما يصرح به رموز النظام وعملائه بأنهم عانوا ويعانوا من الإرهاب)، وهنا يأتي دور المعارضة السورية والمثقفين والشعب السوري بالتيقظ كي لا تستمر اللعبة ويستمر النظام بتعريف نفسه أنه يضبط الشعب السوري، وكي لا يستمر الشعب السوري والمعارضة بلبس ثوب الإرهاب الذي ألبسه النظام السوري للشعب زوراً دعائياً من أجل الاستمرار في حكم سوريا والاستبداد بشعبها دون حسيب عالمي، هنا يأتي دور المعارضة والشعب بإصدار البيانات التي توضح للعالم أن الشعب السوري ليس إرهابياً وعندما يتخلص الشعب السوري من الشراذم و يكون صندوق الاقتراع هو المحدد لمن يحكمنا سيُثبت السوريون أنهم جزء من العالم وليس خارجه.

الفرصة التي لم نعرف كيف نخلقها في الماضي تأتينا الآن وعلى طبق من ذهب فلنعرف كيف نغتنمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو