الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المجالسية الإيطالية: 1919 - 1920

أنور نجم الدين

2012 / 9 / 5
الحركة العمالية والنقابية


الثورة المجالسية الإيطالية: 1919 - 1920

بحلول نهاية الحرب الرأسمالية العالمية الأولى والمجاعات التي كانت تتحول وراءها إلى كارثة إنسانية مرعبة في العالم، انطلقت الانتفاضات البروليتارية في كل مكان، وبدأت الشغيلة بزحف أممي نحو استيلاء الملكية الخاصة من خلال استيلاء المعامل والأراضي في كل مكان وإقامة المجالس فيها، وأصبحت من جديد حلم الثورة الاشتراكية العالمية، حقيقة من حقائق التاريخ العالمي.

كانت نقطة انطلاق استيلاء الملكية الخاصة -المعامل والأراضي-، أي تحويل الوسائل الإنتاجية إلى ملكية جماعية –كومونية، مشاعية-، ثم تحويل إدارتها الطبقية إلى إدارة مجالسية -إدارة ذاتية- في ربوع أوروبا، هي انطلاق أعظم ثورة بروليتارية في التاريخ في شباط عام 1917 في روسيا، والبدأ باستيلاء الملكية الخاصة ابتداءً من أول يوم للانتفاضة الشعبية العارمة، وإقامة المجالس على صعيد المجتمع كله.
وفي تطورها السريع، انتشرت المبادئ العليا للثورة الاشتراكية في العالم: استيلاء الملكية الخاصة وجعلها ملكية المجتمع، في معظم الدول الأوروبية أيضًا: ألمانيا، هنغاريا، النمسا، إيطاليا ..
أما أسباب انطلاق الثورة المجالسية في إيطاليا، هي أنه مثل الكثير من الدول المنخرطة في الحرب الرأسمالية، عانى المجتمع الإيطالي، من الافتقار إلى السلع الاستهلاكية الأساسية، والازدياد في البطالة، والارتفاع في الأسعار، والتضخم الحاد، والعمل الشاق، وسوء التغذية، والتضحيات بالأرواح، والأمراض، والوباء القاتل، والأنفلونزا الأسبانية. الأمر الذي كان يجلب استياءً واسع النطاق في كل مكان في إيطاليا. فبدأ الجماهير بالاحتجاج، وطُرِدَت أعداد كبيرة من الجنود المحتجة خوفًا من التمردات داخل الجيش، وتوقفت الصناعات عن إنتاج المواد اللازمة للحرب، وبدأت الطبقة الثورية بإعلان حربها الطبقية بدءًا من عام 1918 ضد الدولة التي كانت تقطع قوت الفقراء يومًا فيومًا لأجل الحرب المدمرة.
أما ابتداءً من عام 1919، فبدأت الطبقة الثورية باحتلال المصانع في كل مكان، والسنوات 1919 – 1920، معروفة بفترة الحمراء، وفوضى الاشتراكية في تاريخ إيطاليا. فأصبحت استيلاء المعامل في هذه الفترة من قبل العمال، ظاهرة اجتماعية واسعة في إيطاليا. ومع هذا التطور المخيف للحركة البروليتارية، اضطر الرأسماليين إلى اللجوء إلى الدولة لعقاب العمال. وفي 1922، ظهرت ردة نادرة في نوعها في إيطاليا. وهذه الفترة معروفة بفترة الفاشية الإيطالية في التاريخ. ولم تكن الفاشية هذه، سوى العنف الطبقي للطبقة السائدة -للدولة-، لسحق آخر محاولة لإقامة حياة جديدة لا في إيطاليا فحسب، بل في العالم أجمع، فالطبقة الثورية انتقلت من استيلاء المعامل في هذه الفترة الثورية في إيطاليا، إلى استيلاء الأراضي والعقارات الكبيرة أيضًا. لذلك فسحق هذه الحركة المخيفة، أصبح أمرًا عاجلًا في كل مكان. فبجانب ارهاب الحمراء في روسيا، بدأ البلاشفة في نفس الوقت، بتعريف الملكية الاشتراكية بملكية السلطة السياسية، وأعلن أن الملكية الجماعية ليست سوى ملكية الدولة. وأصبحت الإمبراطورية السوفيتية الجديدة، عسكريًّا وفكريًّا وسياسيًا، منبرًا لهذه الاشتراكية المزيفة وسط العمال وباسم الطبقة البروليتارية ذاتها. وأثناء محاولاتهم إجهاض الثورة الأممية وشقها إلى عشرات التيارات المختلفة والمتناقضة في ذاتها، بادر البلاشفة في نفس الوقت بتأسيس منظمته الأممية الخاصة به في عام 1919 لغرض تشكيل مركز دعائي في البلدان المختلفة للإمبراطورية السوفيتية تحت عنوان: الأممية الثالثة (الأممية الشيوعية). وفي شروط قبولها التي لم تختلف عن شروط قبول المنظمات البرجوازية الدولية مثل الأمم المتحدة، أدرجت في بندها 14: "على الأحزاب الراغبة بالانضمام إلى الأممية الشيوعية أن تدعم، دون تحفظ، جميع الجمهوريات السوفياتية ..".
لكن "الأممية الثالثة" التي لم تدعم نفسها أية حلقة من حلقات الثورة البروليتارية في العالم آنذاك، ولا حتى الأحزاب الشيوعية الخادمة للمصالح السوفيتية في العالم، لم تكن سوى وسيلةً فعالة أخرى في يد البرجوازية، لإعادة الحياة إلى الدولة المنهارة تحت ثقل الثورة المجالسية الأممية. فكانت مهمة هذه الأممية تتلخص في إقناع البروليتاريا العالمية بالتخلي عن استيلاء الملكية الخاصة والإدارة الذاتية في المعامل والأراضي، والاكتفاء بما تسمى بثورة سياسية، أي تغيير شكل الدولة والاكتفاء بالإصلاحات الإدارية بدلًا من الثورة في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

وهكذا، فبعد انتكاسة الثورة المجالسية الألمانية والهنغارية في 1919، وسيطرة البلاشفة النهائية على الحكم السياسي في روسيا، وإعلان سلطة دكتاتورية تحت عنوان الدولة البروليتارية، وسحق السوفييتات –المجالس الروسية التي كانت تستهدف التسيير الذاتي للإنتاج- بعنف، فتراجعت الثورة في كل مكان، ابتداءً من روسيا وأكرانيا، ومرورًا بألمانيا وهنغاريا، وانتهاءً بإيطاليا. ورغم كل المحاولات العسكرية والسياسية والفكرية، دامت الثورة المجالسية وبوصفها ثورة اشتراكية أممية، من عام 1917 إلى عام 1923. وبعد انتصار الثورة المضادة، فلم يبقَ للحركة لاشتراكية وتوجهها في استيلاء الملكية الخاصة سوى مفهوم واحد: ملكية الدولة! ففي غضون قرن تقريبًا، أصبحت ملكية الدولة -قطاع الدولة- ملكية اشتراكية، والملكية الخاصة بالأفراد، ملكية رأسمالية. وأصبحت كلُّ محاولة كومونية للاستيلاء على الملكية الخاصة وجعلها ملكية مشاعية، وإخضاع المعامل والأراضي لإدارة المنتجين الذاتية، فكرة فوضوية شيطانية من وجهة نظر البلاشفة المتربعة على العرش السياسي.
وهكذا، فظهرت الإمبراطورية السوفيتية، لسحق الثورة المجالسية العالمية- في نشوئها كما في انهيارها أيضًا. ففي نشؤها بوصفها رأسمالية الدولة الاحتكارية، نقلت بدورها فكرة برجوازية جديدة إلى وسط العمال: ملكية الدولة بوصفها ملكية اشتراكية! أما في انهيارها، فعززت فكرة انتصار النهائي للرأسمالية على الاشتراكية، فالرأسمالية نظام اقتصادي راسخ، لا يمكن القضاء عليه. أما الاشتراكية فغير ممكنة التحقيق في التاريخ. وهذه هي النتيجة النهائية لانتصار البلشفية في تشويه كل ما كان يمكن تشويهه من هدف الاشتراكية.

بيد ان قاعدة الثورة واسعة جدًا، وهي ما تزال تشق طريقها الشاق نحو تحقيق هدفها: استيلاء الوسائل الإنتاجية -المعامل والأراضي- وجعلها ملكية كومونية، وتحويل إدارتها الطبقية إلى إدارة ذاتية للمنتجين أنفسهم!
Email: [email protected]

انظر أيضًا: الثورة المجالسية الألمانية: 1918 - 1919
المنشور في الرابط الآتي في الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=322168








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | لندن: ضربة مزدوجة من العمال للمحافظين.. وترمب


.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون




.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا


.. الحق قدم.. 3408 فرصة عمل جديدة في 16 محافظة.. اعرف التفاصيل




.. ألمانيا.. متضامنون مع فلسطين يعتصمون أمام جامعة هومبولت في ب