الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف اغتالت سوريا رفيق الحريري؟

سردار عبدالله

2005 / 2 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من القاتل...؟ هذا هو السؤال الأزلي الأبدي, الذي يلي كل جرائم الإغتيال, او على الأقل اغلبها... وكلما ازداد الجو العام الذي ترتكب فيه الجريمة تعقيداً وغموضاً, كلما تعددت الأطراف التي توجه اليها اصابع الإتهام. فما بالنا بمستوى الغموض والتعقيد الذي ساد على الجو الذي حدثت فيه جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فكان من الطبيعي جداً ان تتعدد الجهات المتهَمة. على الأقل هنالك المتهم الجاهز الذي توجه اليه اصابع الإتهام على كل الأخطاء والمشاكل التي تمر بها المنطقة العربية, اسرائيل التي كادت ان تتحول الى نوع من (ارض الميعاد), ليرمي عليها الكل بثقل اخطاءهم, بل حتى جرائمهم ايضاً. ثم كانت سوريا طرفاً آخر يمكن ان توجه اليهاصابع الإتهام, وكانت الجهات التي تبنت اتهام سوريا على كثرتها, متنوعة ايضاً. كانت آخرها تصريح وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي اعلن فيه عن وجود شبهات كبيرة حول ضلوع سوريا قي عملية الإغتيال. اذن نحن في متاهة معقدة.. الكل يتهم, والكل متهم, وهناك من يتهم غيره لا لسبب, إلاّ لكي يبعد الشبهات عنه هو. ويهيمن السؤال الأزلي الأبدي... ترى من هو القاتل؟
الكل اصبح يطالب بإجراء تحقيق, لكشف القاتل الحقيقي, ولكن المشكلة هي ان لكل طرف تعريفه الخاص لمفهوم التحقيق, وتكاد الأطراف ان تختلف على نوع وحدود وهوية الجهات التي من المفروض ان تقوم بهذه المهمة. لكن الخطأ الكبير الذي يقع فيه الكل واكاد اجزم الكل ودون استثناء, هو انهم يصرون على التعامل مع هذه الجريمة بالأدوات التقليدية التي يتم بها التعامل مع اية جريمة عادية او اية عملية اغتيال سياسية تقليدية, لذلك فإن التحقيقات لا يمكن إلاّ ان تؤدي الى نتائج تقليدية عادية, وهو ما حدث في كل مرة, فكان القصاص في حد ذاته بدلاً من احقاق العدالة, ارتكاب خطيئة انسانية جديدة لتذبح العدالة على مذبح المفاهيم التقليدية الجاهزة البالية وادوات القانون الجنائي العاجزة عن فهم ملابسات الجريمة السياسية التي لها خصوصياتها واحكامها التي تنفرد بها دون غيرها من الجرائم. وللأسف فإن هذا الظلم قد وقع مراراً وتكراراً, وفي اماكن وبقاع متعددة من هذا الكوكب الذي قلما سلمت بقعة منه من الوقوع في فريسة آفة الإغتيالات. مما يحتم علينا التأمل في تساؤلات تفرض نفسها وتطالب كما دم الحريري المغدور بالتحلي بشيئ من الجرأة والصدق ووضوح الرؤية. ترى هل كان من العدل الحكم على (ايغال عامير) لأنه نفذ جريمة اغتيال رجل الحرب والسلام الإسرائيلي ورئيس وزراءها (اسحاق رابين)؟.. ترى هل كان من العدل الحكم على خالد الإسلامبولي و(اخوته) لأنهم اغتالوا الرئيس المصري انور السادات, وهو جالس على عرش ذكريات قرع طبول الحرب في ذلك اليوم المشهود من اكتوبر يستعرض جيوشه التي عبرت خط بارليف الأسطوري؟ ترى بماذا كان يفكر السادات في تلك الحظة الدامية؟ هل كان يتوقع ولو للحظة واحدة ان الجنود الذين عبروا بأمر منه, الحصون المنيعة وقلبوا مفاهيم الهزيمة, هم من سينهون حياته بأوامر من جهات مجهولة غامضة, تخطط في الظلام وتنفذ جرائمها في النور وعلى مرأى العالم ومسمعه؟
ان هذا السيناريو في التعامل مع جرائم الإغتيال السياسية, هو الخطأ بعينه, انهم يتركون الفاعل... القاتل الحقيقي, ويستعرضون قدراتهم القانونية وببراعة بهلوانية عجيبة, ليتشدقوا بتنفيذ العدالة واحقاق الحق على رقاب المساكين الذين شاء سوء حظهم وقدرهم ان يتحولوا الى ادوات لتنفيذ الجريمة, من امثال ايغال عامير وخالد الإسلامبولي وغيرهم كثيرون على مر التاريخ, قديمه وحديثه. العملية اشبه بالقبض على السكينة التي ذبحت بها الضحية, ليسرح القاتل ويمرح, وقد يكون جالساً في قاعة المحكمة ايضاً. العجيب في الأمر هو اننا نصاب بالذهول عند تنفيذ كل عملية اغتيال جديدة وننسى او نتناسى بأن هذه هي النتيجة المنطقية الحتمية لهذه اللعبة العبثية التي يمارسها العالم كل مرة وبغباء وسطحية اشد بكثير من سابقتها. على هذه الخلفية العبثية يطالب دم الحريري بإحقاق الحق وتنفيذ العدالة هذه المرة, والعدالة هنا محكومة بالسير في طريق واحدة لاغير, اذ لاتوجد طرق ومنافذ اخرى, على العالم هذه المرة ان يترك الأدوات والأساليب القانونية والجنائية التقليدية جانباً ويتعامل مع الحالة بقليل من الشجاعة والمنطقية, لأن السير في هذا الطريق التقليدي لن يؤدي إلاّ الى الدخول في المتاهة التقليدية ذاتها. ان هذه الجريمة جريمة سياسية بإمتياز لذلك يجب التعامل معها وفقاً لهذا المنطق. ان الذي قتل الحريري واغتال احلامه واحلام اللبنانيين الوردية الجميلة, ليس ذلك الرجل الملتحي الذي ظهر بعد ساعات قليلة من تنفيذ العملية على شاشة فضائية الجزيرة ليعلن وبكل صلافة, انهم قاموا باغتيال الحريري ثأراً ل(اخوتهم) الذين قضوا على يد (النظام السعودي). قد يكون هو متورطاً في التنفيذ, لا ادري.. فأنا لا املك ادلة جنائية تدينه او تدين غيره, لكنني اجزم بأنه ليس القاتل الحقيقي. والمأساة هو ان الجميع يعرفون القاتل الحقيقي, ولايريدون ادانته. ان القاتل الحقيقي ليس هو ذلك المسكين الذي شاء له سوء حظه العاثر وقدره الدامي ان يقوم بتنفيذ الجريمة مباشرة, ان القاتل واضح... انه تلك الظروف والأجواء والمعادلات التي افرزها احتلال القوات السورية للبنان والإصرار على التدخل في كل صغيرة وكبيرة في الحياة السياسية والإقتصادية, بل وحتى الإجتماعية للبنان. هذه الأجواء التي كانت ستؤدي وبطريقة حتمية الى اغتيال اي رجل كان يمكن ان يتصف ببعض من صفات الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لذا يجب على العالم ان يتجنب النفاق هذه المرة, عليه ان يحاكم القاتل الحقيقي. ان العالم اخطأ عندما حاكم ايغال عامير وترك الجهات الحقيقية التي اغتالت رابين.. وكذلك كانت الخطيئة في محاكمة الإسلامبولي وترك القاتل الحقيقي يسرح ويمرح. ان القصد من هذا الكلام ليس تبرئة القتلة الذين قاموا بتنفيذ الجريمة مباشرة, ولكن من الإجحاف الإكتفاء بمعقابة هؤلاء وترك الجناة الحقيقيين.
على هذه الخلفية يجب ان تكون العقوبة ايضاً غير عادية وكذلك غير تقليدية, ويجب ان يساق النظام السوري الى العدالة, اذ انه هو الجاني والمتسبب الحقيقي في هذه الجريمة, وبغض النظر عن الذي قام بتنفيذ العملية وكذلك هويته فإن الجاني الحقيقي هو جملة الظروف والأجواء التي افرزها الإحتلال السوري لأراضي دولة لبنان. على ان العقوبة العادلة التي على العالم ان يفرضها على النظام السوري نتيجة اقترافه لهذه الجريمة, يجب ان يطال النظام السوري وحده, ويجب ان يتم استبعاد الشعب السوري بالكامل, ويجب ان يتم التعامل مع الشعب السوري على انه هو الضحية, وليس من العدل ان يحمّل نتائج جرائم ارتكبها النظام السوري, بل ان احقاق الحق وتنفيذ العدالة تحتم ان يكون الشعب السوري المنكوب من ضمن الضحايا الذين يجب العمل على انصافهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة