الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استشهاد حضرة الباب (4)

علا جمال

2012 / 9 / 5
حقوق الانسان


وكان سام خان أيضًا قد صُعِقَ من حصول الحادثة عَلَى هذه الكيفيّة ومن قوّة الأمر المُخيفة، فأمر رجاله أن يتركوا المعسكر فِي الحال وامتنع أن يتداخل هو أو فيلقه فِي أيّ عمل يحصل منه أيّ ضرر للباب، وحلف وهو يترك السّاحة أنّه لا يعود مرّة أخرى لهذا العمل ولو حكموا عليه بالإعدام، وما كاد سام خان يمتنع عَنْ العمل حتى تقدّم آقا جان خان خمسه ضابط الحرس الذي يسمّى بالخمسة النّاصري وتطوّع لتنفيذ الأمر، فعُلِّق الباب وصاحبه مرّةً أُخرى بنفس الكيفيّة السّابقة وعلى نفس الحائط واصطفّ الفيلق صفوفًا واستعدّوا لإطلاق النّار عليهما، وعلى العكس من المرّة الأولى التي قطّعت فيها الأحبال فقط تمزّق الجسدان إرْبًا واختلطا كُتلةً واحدةً لحمًا وعظمًا، وكَانَتْ آخر كلمات الباب للجماهير المحتشدة حينما كان الجيش عَلَى شفا إطلاق الرّصاص: (أيُّها الجيل الملتوي لو آمنتم بي لأصبح كلّ واحد منكم مثل هذا الشّاب الذي هو فِي درجةٍ أعلى منكم يُضحّي بنفسه فِي سبيلي، وسيأتي اليوم الّذي سوف تعترفون بي فيه وفي ذلك اليوم لا أكون معكم).
وفي نفس اللّحظة التي أُطلق فيها الرّصاص جاءت زوبعة شديدة غير

عاديّة وانتشرت فِي كلّ أنحاء المدينة، وهبّت زعازع ترابيّة كثيفة مُخيفة وحجبت نور الشّمس وحجبت عيون النّاس حتى لم ترَ شيئًا، وبقيت المدينة فِي ظلام حالك من الظّهر إلى اللّيل، ولم يُحرِّك هذا الحادث العجيب الذي أعقب حادثة عجز كتيبة سام خان عَنْ إيصال الضّرر بالباب قلوب أهالي تبريز ليجعلهم ينتبهون أو يعتبرون لما شاهدوه بأعينهم من تلك المعجزة العجيبة، وما شاهدوه من التّأثير العظيم الّذي حصل لسام خان من جرّائه وما رأوه من انصعاق الفرّاش باشي وتصميمه النّهائي الّذي لا رجوع فيه، وكان يمكنهم أيضًا أن يفحصوا ذلك الرّداء الّذي بقي سليمًا رغم إطلاق مئات الرّصاص عليه ولم يتلوّث بأيّ غبار وكانوا يقدرون أن يقرأوا فِي وجه الباب الّذي خرج من هذه العاصفة سليمًا لم يصب بأقلّ ضرر ذلك الاطمئنان الكلّيّ والهدوء والسّكينة الّتي أكمل بها حديثه مع السّيّد حسين وبالعكس من ذلك لم يعبأ أحد منهم أن يبحث فِي دلالة كل هذه العلامات والإشارات.
وقد وقع استشهاد الباب فِي يوم الأحد ظهرًا فِي الثّامن والعشرين من شهر شعبان سنة 1266 هجريّة. وكان عمره إذ ذاك إحدى وثلاثين سنة قمريّة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يومًا من يوم ميلاده فِي شيراز.
وفي مساء اليوم نفسه كَانَتْ جُثّتا الباب وصاحبه المختلطتان قد نُقلتا من ساحة المعسكر إلى حرف الخندق خارج باب المدينة، وكان يحرسهما أربع فرق كلّ واحدة مكوّنة من عشرة حرّاس بالتّناوب وفي صبيحة اليوم التّالي للاستشهاد ذهب قنصل روسيا فِي تبريز ومعه رسّام وعمل صورة لبقايا الجسدين الموجودة فِي الخندق بوضعهما الطّبيعي.
وسمعت الحاج علي عسكر يحكي الآتي: "إنّ موظفًا فِي السّفارة الرّوسيّة أطلعني عَلَى الصّورة فِي ذات اليوم الذي أخذت فيه، وكَانَتْ صورة حقيقيّة للباب تمثّل هيئته تمامًا كما كنّا ننظر إليها، ولم يصب

الوجه بأيّ رصاصة ولا الجبهة ولا الخدّ ولا الشّفتان، وشاهدت فِي وجهه ابتسامة كَانَتْ لا تزال باقية عَلَى وجهه أما جسمه فقد تقطّع إربًا وشاهدت ذراعي ورأس صاحبه ويظهر أنّه كان يحتضنه، ولما نظرت إلى هذه الصّورة المشوّهة ورأيت كيف أنّ هذه الملامح الشّريفة قد تغيّرت انقطع نياط قلبي داخلي من شدّة انزعاجي، ولم أتمالك النّظر من شدة الحزن وعدت إلى منزلي وأغلقت عَلَى نفسي باب الغرفة ومكثت ثلاثة أيام لا أشتهي الأكل ولا النّوم، وصرت مستغرقًا فِي حزني وبلائي ومكثت أتفكّر فِي حياته القصيرة الممتلئة بالأوجاع والمتاعب والأحزان والنّفي والّتي انتهت أخيرًا بذلك الاستشهاد المخيف الّذي تتوّج به، وكَانَتْ هذه المناظر تتردّد فِي خيالي وأمام عينيّ إذ كُنْتَ منطرحًا عَلَى الفراش أَئِنُّ من الآلام والأوجاع، وفي عصر اليوم التّالي بعد استشهاد الباب وصل الحاج سليمان خان بن يحيى خان إلى باغ ميشي وهي ضاحية من ضواحي تبريز ونزل ضيفًا عَلَى كلانتر أحد أصدقائه وموضع ثقته، وكان درويشًا متعلّقًا بالطّائفة الصّوفيّة وما كاد يعلم بالخطر المحدق بحياة الباب حتّى ترك طهران بقصد تخليصه، ولمّا أخبره مضيفه بالأحوال والحوادث الّتي وقعت عَلَى الباب والحكم عليه واستشهاده عزم حالاً أن يحمل الجثّتين ولو كلّفه ذلك ضياع حياته، فنصحه الكلانتر أن ينتظر ويعمل برأيه بدلاً من تعريض نفسه لقتل محقّق، وطلب منه أن ينقل إقامته إلى منزل آخر وينتظر هذا المساء وصول الحاج الله يار وهو يقبل أن ينفّذ كلّ ما يطلب منه، وفي السّاعة المعيّنة حضر الحاج الله يار وقابله الحاج سليمان خان ونجح الأوّل فِي منتصف اللّيلة نفسها فِي نقل الجثّتين من طرف الخندق إلى معمل حرير ملك أحد أحباء ميلان، ووضعهما ثاني يوم فِي صندوق خشبيّ عمل خصّيصًا لهذا الغرض، ثمّ نقله كطلب الحاج سليمان خان إلى محلٍّ آمن، وفي الأثناء أشاع الحرّاس أنّ الوحوش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة