الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوش في أوروبا

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 2 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


"خلال اليومين القادمين", كتبت جريدة "الاندبندنت" البريطانية يوم 21 فبراير, " فإن الزعماء الأوروبيين سيرحبون بغازي العراق ورافض بروتوكول كيوتو ومدير سجن غوانتانامو, بتلك الحرارة المخصصة في العادة لشعلة قديمة".
لعل هذه الجملة تعطي صورة أقرب ما يكون لواقع العلاقات الحالية بين ضفتي الأطلسي, هذه العلاقات التي جاء الرئيس بوش الى أوروبا محاولا تسخينها وإعادتها الى ما كانت عليه قبل حرب العراق. وقد سمع الأوروبيون تصريحه الأخير بهذا الشأن : "لن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تفرق بيننا"... وكانت السيدة كوندوليزا رايس سبقته, ممهدة الطريق, بتصريحات مهدئة خلال الجلسة التي عقدتها في باريس مع طلبة وأساتذة معهد العلوم السياسية, إلا أن الصحافة الفرنسية لاحظت تغير تلك اللهجة ما أن غادرت كوندوليزا فرنسا.
والحقيقة أن هناك الكثير مما يفترض أن يجمع الأمريكيين والأوروبيين, إلا أن الخلافات كانت قائمة بينهم قبل قضية العراق, وكان جلها متعلقا بمشاكل تجارية وكذلك ببروتوكول كيوتو, إضافة الى حقيقة أن الأوروبيين حين يتعلق الأمر بمسألة الشرق الأوسط, - القضية الفلسطينية تحديدا – يتميزون بموقف لا يجاريهم فيه الأمريكيون. وهذا ما يمكن أن نلاحظه من درجة العداء الموجودة في العالم العربي للأمريكيين, والتي تقل كثيرا عن العداء الموجود ضد الأوروبيين , بالرغم من أن تاريخ الاستعمار حدد خصائص تلك العدائية. وكما يلاحظ عادة, لم يكن للولايات المتحدة في البداية صفحة تاريخية من العلاقات الدموية مع العرب, إلا أنها مالبثت أن "تداركت الأمر" شيئا فشيئا, من خلال تعنتها في تبرير كل الجرائم الاسرائيلية واصرارها على ربطها بمبدأ الدفاع عن النفس, وهو المبدأ الذي ترفضه بالنسبة للفلسطينيين.
وقد سمعت هذا الصباح أحد الخبراء الأوروبيين يصرح لقناة "سي ان ان" تعليقا على نوع الخطاب السياسي الأمريكي والأوروبي, "ان السيد بوش يذكر عبارة (حرية العالم) حوالي 24 مرة في خطاب واحد" , وهو ما لا يفعله نظراؤه الأوروبيون. فجيرهارد شرودر لا يتحدث عن "حرية العالم" أبدا, ولكنه يذكر مثلا "الاستقرار العالمي".
وهي ملاحظة جيدة, لأنها تشير الى الهوة الشاسعة التي لا تزال تفصل أوروبا عن الولايات المتحدة. صحيح أن الزعماء الأوروبيين لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن "حرية العالم", فهذه عبارة قد تبدو غريبة بالنسبة لهم, لأنهم لا يعترفون لأمريكا بحق الدفاع عن "حرية العالم", من حيث أن هذا المفهوم مطاط, ويمكن أن يبرر سياسة هجومية معسكرة كالتي لم يوافقوا عليها بشأن العراق. وليس هناك من يعتقد حقا أن هذا الموقف تغير. وفي الناحية الأخرى من الأطلسي, فإن الموقف لم يتغير أيضا. وبالتالي, فماهو الجديد الذي يأتي به السيد بوش الى أوروبا في ولايته الثانية هذه؟ هذا هو السؤال المطروح.
لا يخفى أنه يوجد في هذه الدول الأوروبية حساسيات سياسية لها تأثيرها وقاعدتها الشعبية, تميل الى الولايات المتحدة. حقيقة, لا يمكن الفصل بين ضفتي الأطلسي على هذا المستوى, أو لنقل على الأقل أن الفصل صعب, طالما هناك اشتراك حقيقي في القيم الثقافية والحضارية والمبادئ العامة التي تقوم عليها المجتمعات هنا وهناك. بهذا المفهوم هناك عالم غربي, ككتلة حضارية لها مدافعون ومحامون. ولكن داخل هذه الكتلة الواحدة, هناك أصوات تريد أن تبقى متميزة, بحسب مبدأ ان الديمقراطية تعطي للجميع حق التعبير, وتمنع نظريا سيطرة دولة واحدة أو زعيم أوحد.
أوروبا تشعر أكثر فأكثر أنها أوروبية داخل هذه الكتلة الحضارية التي نسميها الغرب. ويعني ذلك أن لها رؤية خاصة, ومصالح خاصة, وطرق خاصة أيضا. فإذا أمكن أن تتلاقى مع الولايات المتحدة, فذلك حسن . وإلا فمن المستبعد أن يقبل الأوروبيون اليوم أن يدخلوا في حوار مع السيد بوش حسب شروطه وتوقعاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال غزة: من أهوال الحرب إلى نقص المواد الأساسية


.. جون كيربي: -خريطة طريق- جديدة لإنهاء الحرب في غزة




.. بين عزلة وانهيار الحكومة.. خطة بايدن تضع حكومة نتنياهو بمفتر


.. على وقع تصعيد خطير في جنوب لبنان.. بيروت أولى محطات وزير خار




.. سقوط 3 صواريخ بالجليل الأعلى واعتراض آخر في إيلات